رئيس الحكومة هشام المشيشي: البحث عن الانتقال من رجل تنفيذي الى فاعل سياسي

كان يوم امس يوم هشام المشيشي بامتياز، فقد اختار الرجل ان يجعل منه تاريخا لاعلانه عن انطلاق لعبه في المشهد كلاعب «اساسي»

لا كرجل تنفيذي لقرطاج سابقا ولباردو حاليا. اذ يبدو انه بات يجيد قراءة المشهد و...
حمل بلاغ لرئاسة الحكومة صدر امس عقب اجتماع لمجلس وزاري عقد عبر تقنية التواصل عن بعد، تطورا في ممارسة رئيس الحكومة هشام المشيشي للعبة السياسية، فقد اختار امس ان يلقى باوراقه دفعة واحدة، ليعلن اولا أن «الاستقرار السياسي هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية» وبدون هذا الاستقرار «لا يمكن ان تطلق الحكومة خطة لإنعاش الاقتصاد».
هذا الاستقرار ليس فقط ما يطالب به المشيشي ويشدد عليه بل يرى ان تحقيق هذا الشرط يستوجب اولا «احترام الدولة واحترام مؤسساتها وكل رموزها والحفاظ على هيبتهم ومكانتهم السياسية والاعتبارية» لذلك فان خلق الأزمات بين المؤسسات أو داخلها وفق قوله يضر بالتونسيين وعليه فإنه ليس لأحد «الحق»، مهما كانت صفته الاعتداء على مؤسسات الدولة.
ولانه رئيس الحكومة ولأنه يبحث عن تحقيق الفائدة للتونسيين والتي لن تقع في ظل عدم الاستقرار وعدم احترام مؤسسات الدولة اختار المشيشي ان يدعو إلى الكفّ عن بثّ ثقافة التّفرقة ورسائل العنف والكراهية، و«يهيب» بالسياسيين والمسؤولين والمنظمات الوطنية والمجتمع المدني وكل القوى الحية للمحافظة على الوطن والتحلّي بروح المسؤولية.
روح المسؤولية استثنى منها المشيشي -تلميحا- اصحاب الأصوات الهدّامة والفوضوية الذين يدعون الى «خرق صارخ لكل القوانين ولكل الأعراف المدنية إلى انتهاك المؤسسات الدستورية» والحال ان التجربة التونسية أثبتت ان الفرقاء في البلاد تعاملوا مع الخلافات وفقا للدستور ولم يكونوا عبثيّين أو فوضويين.
موقف سياسي صريح يصدر من رئيس الحكومة هشام المشيشي، الذي اعتاد في السابق ان تكون مواقفه مبطنة مشفرة، لكنه اليوم اختار ان يبرز للعلن بمواقفه السياسية وان يضع يده في «العجين» كلاعب اساسي في الحكم والمشهد السياسي.
توقيت الانتقال الى مربع اخر يتزامن مع سياقات ومناخات مركبة يتقاطع فيها الرهان الداخلي والخارجي، فالمشيشي لم ينه يومه امس دون ان يقدم على خطوة ثانية تمثلت فى عقده للقاء مع كل سفراء دول الاتحاد الاوروبي الذين اجتمع بهم وحدثهم عن كيفية رؤية تونس علاقتها بالاتحاد الاوروبي، فهو شريك استراتيجي تتطور معه العلاقة منذ 2011 ومنذ ذلك التاريخ دعم الاتحاد الاوروبي وفق المشيشي تونس لانجاح انتقالها الديمقراطي ومواجهة جملة التحديات التي لاتزال مطروحة أمام بلادنا خاصة منها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وهنا تطرق الى الجائحة، وفق ما يستدل من البلاغ الصادر عن رئاسة الحكومة امس ايضا.
خطوتان يربط بينهما انتقال المشيشي من الفعل الاداري التنفيذي الى السياسي، وهو انتقال فرضه السياق والزمن السياسي عليه. فالرجل -اليوم- يجد نفسه محل حصار و«تشكيك» داخلي وخارجي يتعلق بمدى قدرته على لعب دوره السياسي وهل يمكنه ان يكون المحدد الاول في السياسية التونسية.
ووضع رئيس الحكومة هشام المشيشي هو التالي : دعوات لحوار وطني يلمح الى انه قد ينظر في ملف الحكومة ورئيسها أي ان الحوار إذا تم قد ينتهى بإزاحة الرجل من منصبه. مناخ سياسي متوتر تتصاعد فيه درجات الاحتقان مما يقدم صورة بان البلاد «لا تحكم» وعليه فان المشيشي اقرب الى وزير اول منه الى رئيس حكومة وهذا يجعله «هامشيا» في المعادلة السياسية.
هامشية وهشاشة سياسية يريد الرجل ان ينتفض ضدها فاختار ان يصدح بموقف سياسي يبدو انه خصص لإصابة عصافير عدة لا عصفورا واحدا ، فالمشيشي جمع بين سياقات مختلفة داخلية وخارجية، اذ هو يدرك انه ليكون جزءا من الحل عليه ان يكون الفاعل فيه اضافة الى ادراكه ان مصيره بات مرتبطا بنقطتين: تمويل الميزانية وهنا يصبح التفاوض مع صندوق النقد الدولي امر مصيريا له وثانيا بروزه كلاعب ذا شأن للاستمرار في المشهد.
هنا يرتبط كل شيء، فالمشيشي يعلم ان نجاح التفاوض مع صندوق النقد الدولي سيكون مرتبطا بالإقرار بان له القدرة على التفاوض والالتزام باسم الدولة التونسية وهذا يعنى ان يقدم نفسه كرئيس للحكومة، وهو ما كان امس منه ليعلن انه «رئيس للحكومة» كخطوة اساسية يضمن بها حسن انطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الذي سيكون الاتفاق معه أساسيا لضمان توفير موارد للميزانية 2021.
اتفاق سيكون محددا في مصير الرجل إما الاستمرار في منصبه او ان يزاح عنه لا بوقع الازمة السياسية بل لبلوغ البلاد حافة الانهيار سيكون هو الذي يتحمل اوزاره باعتباره رئيسا للجهاز التنفيذي، وعليه فان الرجل قد ارتبط مصيره بسياقات لا دخل له فيها. ولضمان نجاته عليه ان يصبح لاعبا وهنا يجد الرجل منفذا له في الازمة العامة في البلاد وفي حروب التموقع.
منفذ يسمح له بان يضع قدما في الساحة كفاعل سياسي سيجد الدعم من الاغلبية البرلمانية وخاصة النهضة التي ترى في خطوته انحيازا واصطفافا معها ضد باقي الخصوم. وعليه ستعمل على ان تعزز حظوظ الرجل وحمايته طالما ان المصلحة تقتضى ذلك.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115