أحداث العنف في البرلمان: خطيئة الغنوشي

دماء تنزف عنف يمارس وبلطجة، هذا ما عاش عليه البرلمان يوم أمس .في تطور أحداث انطلقت منذ أن اختارت النهضة ورئيسها راشد الغنوشي رئيس البرلمان – أيضا - أن

يرتهنا الحياة السياسية والبرلمانية في يد كتلة ائتلاف الكرامة ونواب أقصى اليمين الديني الذين بدأوا يفرضون «منطقهم» و«عنفهم» على الحياة العامة مستغلين حاجة النهضة ورئيسها إليهم.
يوم أمس تعرض نواب الكتلة الديمقراطية والنائب انور بالشاهد بالأساس – ومن خلفهم البرلمان – إلى إحداث عنف أبطالها نواب كتلة ائتلاف الكرامة الذين اختاروا أن ينتصروا لزميلهم محمد العفاس أيّا كان الثمن لمنع إدانته وإدانة خطابه المناهض للمرأة وللدستور حتى وإذا اقتضى الأمر أن يعتدوا بالعنف على زملاء لهم في البرلمان أثناء انعقاد جلسة لجنة المرأة وهو ما كان يوم أمس .
عنف لفظي ومادي شهدته أروقة المجلس لم يكن الأول من نوعه وان كان الأول الذي تنزف فيه الدماء نتيجة تعرض النائب أنور بالشاهد لرشق بالقوارير على مستوى وجهه فسالت دماؤه ومعها سقطت كل أوراق التوت عن البرلمان والمقاربة التي اعتمدها رئيسه في إدارته له وضمان موقعه فيه منذ انطلاق العهدة النيابية الحالية (2019 - 2024) اعتماد النهضة وراشد الغنوشي على تكتيك يقوم بالأساس على احتواء الكتل والنواب في البرلمان على أقصى يمينها وضمانه حلفاء وخزان أصوات متى احتاجتهم في صراعاتها الجوهرية وأبرزها صراعها من أجل التموقع في خلافة البرلمان والتحكم فيه عبر منصب الرئيس خيار قوامه أن النهضة وكتلتها المكونة من الـ54 نائبا في حاجة إلى حزام ضيق مضمون يوفر لها الثلث المعطل على الأقل والذي يوفر لها بدوره إمكانيات وهامشا للتفاوض بهدف تحقيق أغلبية برلمانية. خيار كشف منذ مسار تشكيل حكومة الحبيب الجملي الذي لجأت فيه النهضة إلى ائتلاف الكرامة ونواب حزب الرحمة لصاحبه الجزيري ونواب مستقلين من محافظين وكذلك كتلة قلب تونس.بهدف ضمان الـ109 أصوات التي وفرت رئاسة المجلس لرئيسها راشد الغنوشي وفشلت في تمرير حكومة الجملي .
خيار شهد هزات وارتدادات ولكنه ظل ثابتا في العقل السياسي النهضوي الذي لم ير في كتل البرلمان حلفاء يوثق فيهم ويطمأن إليهم فلجأ إلى ائتلاف الكرامة رغم إدراكه (النهضة) أنه يستجير من الرمضاء بالنار أو كما يقول المثل الشعبي « هربت من القطرة جات تحت الميزاب» أي أن النهضة كانت تدرك منذ البداية أن ثمن حفاظها على التقارب مع ائتلاف الكرامة سيكون فسح المجال له لممارسة العربدة السياسية وترويج خطاب العنف والكراهية دون أن تعتقد أن هذا قد يتطور إلى عنف مادي يمارسه نواب ائتلاف الكرامة ضد زملائهم أو يمارسه نواب حزب الرحمة ومن تبقى منهم بالأساس ضد من يختلفون عنهم او يطالبون بتطبيق القانون على إذاعة الكرامة .فالتطورات التي شهدها البرلمان من تشويش واقتحام لأشغال لجنة المرأة وملاحقة نواب أعضاء اللجنة إلى ديوان رئيس المكتب من قبل نواب ائتلاف الكرامة بهدف ترهيبهم ومنعهم من إصدار بيان أو موقف يدين العفاس وخطابه ضد المرأة التونسية في نهاية الأسبوع الفارط ولم يكن ذلك إلا ثمرة ونهاية حتمية لمسار انطلق منذ بداية العهدة البرلمانية الحالية .
عهدة استهلت بالتخوين وخطاب التشكيك والكراهية من قبل نواب ائتلاف الكرامة الذين تطوروا وتطورت سلوكياتهم لتصبح عنفا معنويا وتحريضا على العنف ضد كل من يختلف معهم في التقدير والموقف السياسي ( هذا إذا كان يمكن تصنيف ما يصدر منهم من موقف أو فعل سياسي ) في ظل تغاض ومحاباة من قبل رئاسة البرلمان لهم حالت دون ضبطهم أو تذكيرهم بأنهم نواب يخضعون للدستور التونسي و لنظام داخلي للبرلمان حيثوا كانوا صريحين وواضحين تجاه العنف والتحريض عليه .
وضوح النص الدستوري والقانوني أمر لم تأخذه حركة النهضة ورئيسها بعين الاعتبار فقد اختارا أن يوفرا ضمانات لنفسيهما اذا انقلب الحلفاء أي قلب تونس والتحقوا بصفوف الخصوم المعارضة واختاروا استهداف رئيسها وكف يدها ونفوذها في البرلمان كما حدث في جلسة الحوار مع رئيس البرلمان على خلفية إدارته للملف الليبي والتلويح بسحب الثقة منه .
خيار النهضة أن توفر لنفسها ضمانة ويدا تجابه بها خصومها كالكتلة الديمقراطية وكتلة الإصلاح والدستوري الحر إذا ضيقوا الحصار عليها فالنهضة اعتمدت على كتلة الائتلاف ونوابها كعصا غليظة تسلطها على من عاداها وخاصمها في البرلمان وخارجه. استغلال واستعمال جعل كتلة الائتلاف ونوابها يستشعرون حجم أهميتهم لدى حركة النهضة ورئيسها مما سمح لهم بالتمادي في سلوكيات مرفوضة ومستهجنة: عنف مادي ولفظي واستهداف لكل الخصوم السياسيين وتخوينهم والتشكيك في وطنيتهم بل وتكفيرهم في بعض الأحيان ناهيك عن ترويج خطاب مناقض لروح الدستور ونصه، خطاب تدافع عنه كتلة الائتلاف في ممارسة العنف ضد النواب كما كان الأمر عليه امس .واذا كان نواب هذه الكتلة يتحملون المسؤولية المباشرة لما جد يوم أمس فان رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة يتحمل المسؤولية السياسية في اطلاق ايدي نواب على هذه الشاكلة في البرلمان مما أسفر عن ما نشهده الآن من إحداث مؤسفة لا يكفي صدور بيان إدانة عن رئاسة المجلس لمعالجتها وكفها. فيجب أن تتغير مقاربة رئيس الحركة والبرلمان وتدرك بالأساس أن خطيئته الكبرى كانت ائتلاف الكرامة .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115