الى مرحلة جديدة يبرز فيها التباين السياسي بين تيارات وأجنحة يبدو ان ما ظل يجمعها ببعضها «الباتيندا» والخوف من تحمل مسؤولية انفراط عقد جماعة انطلق تفككها البنيوي.
يوم الخميس الفارط اطل عماد الحمامي، القيادي بحركة النهضة، في البرنامج الحواري «تونس هذا المساء» ليعلن عن انتقال الخلافات الداخلية في النهضة من خلاف على احترام القانون الاساسي للحركة الى خلاف شامل ، تنظيميا وسياسيا.
اعلان جاء في كلمات مقتضبة تعلقت بتقييم الحمامي لموقف حركته من رئيس الحكومة السابق الياس الفخفاخ وعريضة سحب الثقة التي تقدمت بها على خلفية ملف تضارب المصالح الذي ادى في النهاية الى استقالة الفخفاخ وحكومته.
تقييم انطلق بإقرار ان «هناك تسرعا في تقديم عريضة سحب الثقة من الفخفاخ» مع اضافة انه تم تهويل الملف بهدف استعماله لتحقيق غايات وجدت منذ تشكلت الحكومة، والقصد هنا اسقاط الحكومة لعدم تطابقها مع تصور احزاب بعينها.
احزاب قال الحمامي انه لا يستنى منها احدا إذا تعلق الامر باستعمال الملف لتحقيق غاياتها ، وهنا شفّر الرجل اعلانه عن انتقال الصراع بقوله صراحة ان من استعمل الملف لتحقيق غاياته احزاب منها حركته ولكن ليست كلها بل «الناس التي تقرر باسم النهضة».
«اناس» لم يمر تقييم الحمامي لهم دون ان يلمح اليهم مرة اخرى بإشارته الى انه غير متفق ومتجانس مع العقل السياسي الذي يدير النهضة طيلة الاشهر السابقة ، اي انه لا يوافق كليا على خيارات سياسية اتخذتها قيادات الحركة اي «جماعة الشيخ» التي يشير الحمامي تلميحا الى ان خياراتها السياسية سيئة.
هذا ما اعلنه الحمامي الذي شدد على انه ليس ناطقا باسم مجموعة الـ100 وان موقفه وقراءته تلزم شخصه فقط ولا تستهدف رئيس الحركة في شخصه بل تدافع عن «علوية القانون» في الحركة التي يدعو الى ان تكون مثلا في ترسيخ «الديمقراطية الحزبية» .
هذا الانتقال الجديد في الصراع الداخلي صلب حركة النهضة، ليس مجرد رأي شخصي وان شدد الحمامي عليه ومجموعة الـ100، اذ هو راي وتوجه اغلبي في صفوف التيار الذي بات يحدد بعنوان «معارضي التمديد لـالشيخ»، فما قاله الحمامي ليس الا افصاحا عن قراءة لدى جزء هام من قيادات حركة النهضة.
افصاح يقر بان الخلافات الداخلية في النهضة تتجاوز مسألة التمديد للشيخ بل تشمل التنظيمي والسياسي، اذ ان الخلافات صلب النهضة تفرع لتكون خلافات بشأن ادارة الحركة وتسيرها التنظيمي وهذا يشمل الخلاف بشأن المحيطين برئيس الحركة ممن يعرفون داخلها بمجموعة الشيخ او مجموعة العائلة والمتقاطعين معهم في تركيز القرار والسلطة صلب الحركة في يد رئيسها راشد الغنوشي.
خلاف كشفه في السابق عبد الحميد الجلاصي مثلما كشف عناصر اخرى في الخلاف تتعلق بتسلل اسماء الى الصفوف الاولى في الحركة ولعب ادوار متقدمة في تحديد الخيارات التنظيمية والسياسية للنهضة وتهميش قيادات على خلفية عدم قبولها بالانحراف الذي اتجهت اليه النهضة.
هذا الجزء من الخلاف التنظيمي بات معلوما وعبرت عنه مجموعة الـ100 في رسالتها ولكن الجديد ان الخلاف السياسي المتعلق بقراءة المشهد وتحديد الخيارات السياسية من التحالفات والعلاقات مع باقي الاطراف الخ...، طفى على السطح وبطريقة تحرج القيادات الحالية للنهضة التي المح الى انها لها قصورا في العقل السياسي وانها تتحمل جزءا هاما من المسؤولية عما بلغته البلاد لانها بحثت عن المصلحة الحزبية قبل مصلحة البلاد.
تطور يكشف ان النهضة لم تعد جسما متناغما منسجما كما كانت عليه من قبل ولم تعد خلافاتها مجرد اختلاف في وجهات النظر والتصور والتموقع السياسي بل باتت ابعد منذ ذلك بكثير، هي خلاف بين نهضتين الاولى عبر عنها عبد الحميد الجلاصي في رسالة استقالته «نهضة المنظومة» والثانية نهضة غير محددة المعالم والهوية لتضمنها الكثير من التيارات والاجنحة .
حزبان في حزب واحد هذا ما تتجه اليه النهضة حاليا ، وما التطورات المسجلة منذ المؤتمر الـ10 إلا خطوات في هذا المسار الذي يبدو ان ما ظل يحول دون حلوله هو الخوف من تحمل تبعات انفراط العقد وخسارة كل شيء، اي ان ما يحول بين انقسام النهضة ليس تماسكها الداخلي فهي انطلقت منذ سنة تقريبا في التفكك البنيوي بل ما بعد الانقسام.
والقصد هنا ما هي الخيارات البديلة إذا انقسمت النهضة، من وجهة نظر الاجنحة صلبها، وهل يمكن تحمل تكلفة انقسام الحركة سياسيا وتنظيميا لمن سيكون المبادر بالاعلان عنه، هذا ما ظل يحول دون ان تتسارع عملية التفكك الى حد الان، في ما عدا ذلك لم تعد النهضة «جماعة» بل حزب تجمع «الباتيندا» بين افراده.