الجلسة العامة للتصويت على حكومة المشيشي: مكاسب وخسائر ظرفية

انتهت أمس الجلسة العامة المخصصة للتصويت على الحكومة بان ثبتت حالة الصراع والصدام في المشهد رغم تغير خارطة المتصارعين وتموقعاتهم،

اذ فرضت نوايا التصويت -قبل نتائجه- واقعا سياسيا جديدا حقق البعض فيه مكاسب ظرفية فيما تكبد اخرون خسائر قد تكون في المستقبل مفاتيح «كسب عظيم».
تحركت الارض خلال الساعات الـ72 الفارطة لتؤسس لمشهد سياسي جديد في تونس على خلفية المصادقة على حكومة المكلف هشام المشيشي يوم امس في جلسة عامة بمجلس نواب الشعب، ائتلاف حاكم جديد وان حافظ على بعض من مكوناته السابقة وجبهة المعارضة تمددت بالتحاق كتل جديدة بها.
هذا المشهد الجديد ارتبط بنتائج التصويت على منح الثقة للحكومة الجديدة بعد التطورات التي سجلت خلال الساعات السابقة، لقاء الرئيس بأحزاب الائتلاف الحاكم السابق وتقديمه لفرضيات ما بعد فشل الحكومة في نيل الثقة ثم اجتماع شورى النهضة وانتهاء اشغاله بقرار منح الثقة للحكومة، وما سبق هذين الحدثين من تطورات جعلت الانطباع السائد في المشهد ان الرئيس تخلى عن المشيشي وبات يسعى لإفشاله.

في ظل هذا المناخ السياسي انعقدت الجلسة العامة امس، وقد افرزت اصطفافا تجلى منذ انطلاق الجلسة، اذ كشفت كل كتلة بشكل جلي عن نوايا التصويت داخلها وعن طبيعة العلاقة التي تبحث عن تاسيسها مع المشيشي وحكومته، على امل ان تحقق الاختراق وتعزز الخلاف بين قصر قرطاج والقصبة.
اصطفاف كشف بدوره عمن حققوا «مكاسب» في اعادة صياغة التوازنات الحكومية والبرلمانية الاخيرة وهم بالاساس قلب تونس الذي قدم الحدث على انه انتصار له ولنهجه السياسي، اذ عبرت مداخلات النواب عن هذا كما جسد ذلك بشكل ابرز حضور نبيل القروي الي البرلمان وتصريحاته التي قامت على ان قرار منح الثقة لحكومة المشيشي كان انتصارا للبرلمان ولدوره التشريعي والرقابي وان المشيشي «ناس ملاح» ويدرك صلاحيات البرلمان ويلتزم بها. اذ أشار القروي الى ان المشيشي وفي لقاءاته بهم خارج دار الضيافة، اكد لهم انه يرغب في العمل والتنسيق مع الجميع وانه حريص على علاقة جيدة مع البرلمان. لكن الاساسي في تحديد موقف قلب تونس من منح الثقة للحكومة هو هوية الاطراف «الخاسرة» من نيل المشيشي وحكومته للثقة.

فقلب تونس يدرك ان قائمة الغانمين لمكاسب من مرور الحكومة هم ثلاثة، هو والنهضة و المؤلفة قلوبهم، وان كان من بينهم من اعلن عن عدم منحه الثقة للحكومة، فثلاثتهم حققوا نقاطا لصالحهم، اما للتجذر في المشهد او استعادة لزمام المبادرة او استعادتهم عبر البرلمان للقدرة على التاثير المباشر والقوي.
فحركة النهضة وهي من ابرز الغانمين استطاعت ان تستعيد خيوط اللعبة والقدرة على التحكم في نسق العملية السياسية والحكم بعد ان افلتت الخيوط من يد الرئيس وتمكنت، او هذا ما تسوقه في الكواليس، من اختراق التآلف بين «القصبة وقرطاج» ونحجت في ابعاد المشيشي عن سعيد وجعله اقرب اليها.
ما تحقق من مكاسب امس، تاصيل في المشهد السياسي وتطور في طبيعة التحالف البرلماني ليمتد ويشمل تحالفا حكوميا، تستطيع من خلاله الاغلبية البرلمانية، الـ120 نائبا، من التسلل الى الحكم والقبض عليه، مع استعادة لزمام المبادرة والقدرة على تحديد الاولويات وترتبيها.

هؤلاء هم من غنموا مكاسب اما من خسروا نقاطا فهم ايضا ثلاثة، الرئيس والكتلة الديمقراطية، وان اختلفت الخسائر بين التيار وحركة الشعب، والدستوري الحر، هذا الثلاثي خسر الكثير من النقاط بسبب تخبط الرئيس وفقدانه لاوراق اللعب والقدرة على فرض النسق بشكل غير مفهوم.
اذ ان الرئييس وبعد ان احتكم على خيوط اللعبة والمبادرة السياسية خسر هذا بشكل غير مفهوم نتيجة اخطاء انتهت الى اهتزاز الثقة بين قيس سعيد وهشام المشيشي وتطور الامر الى ما بلغه خلال الايام الفارطة، بلقاء الرئيس مع الاحزاب الاربعة.

فقدان خيوط اللعبة من يد الرئيس ينضاف اليه خروج التيار الديمقراطي وحركة الشعب من تجربة الحكم بخسائر سياسية بعد تجربة حكم لم تدم طويلا مما سيضطر كليهما إلى يتحمل تداعياتها خاصة شبهة تضارب المصالح والاجراءات الانتقامية لرئيس الحكومة تجاه خصومه، وهذا سيجعلهما في وضع غير مريح ومكلف سياسيا وانتخابيا.
والخاسر الثالث من تغيير المشهد امس كان الحزب الحر الدستوري ورئيسته عبير موسى التي تقدمت في الاسبوع الثاني من المشاورات للمشهد على انها من ابرز داعمي المشيشي وحكومته على اعتبار انها نجحت في عزل حركة النهضة من الحكم وفي البرلمان وهو ما سوقته كثيرا، الى ان جدت التطورات الاخيرة ووجدت عبير والدستوري الحر ان حساباتها كانت خاطئة.

فالنهضة التي تقدم نفسها على انها اخترقت الحكومة، وجدت نفسها في حزام برلماني داعم للحكومة يضم كتلا كانت في تقارب مع الدستوري الحر، كتلة الاصلاح وكتلة تحيا تونس ، اضافة الى قلب تونس والمستقبل، وبهذا تستعيد النهضة تموقعها في البرلمان وتفك الحصار الذي كاد يعصف بها وتثبت رئيسها راشد الغنوشي في البرلمان.
هذا ما كشفته جلسة امس وما سبقها من تطورات، لكن هذه المكاسب او الخسائر النسبية والظرفية، قد تنقلب على اصحابها، فالنهضة وقلب تونس وباقي الكتل التي منحت الثقة للحكومة لن تستطيع تسويقها على انها حكومة الرئيس بل باتت حكومتها وحكومة المجلس وهذا يعنى انها ستتحمل المسؤولية السياسية للتداعيات او الفشل في تحقيق نتائج ايجابية في ظل مشهد متأزم اقتصاديا واجتماعيا.

اذن سيجد الرابحون أنفسهم قد «غنموا» حملا ثقيلا لحكومة تتجه لتعبئة موارد مالية، اي فرض ضرائب جديدة، في ظل ازمة اجتماعية واقتصادية، مما قد يكون شرارة احتجاجات تستهدف الحكومة والاحزاب الداعمة لها.
احزاب قد تتخلى عن الحكومة قبل اندلاع الاحتجاجات والسبب هو عجزها عن استكمال «خطتها» القائمة على مراحل تتمثل في فصل الحكومة عن القصر وترسيخ ذلك بمنح الثقة ولاحقا ضمان تقارب يمهد الى تنزيل «صفقة» قوامها تعديل وزاري مستعجل بمقتضاه يقع تغير 7 وزراء من بينهم وزراء السيادة خاصة الداخلية والعدل.
هذا ما تطمح احزاب وكتل الائتلاف الحاكم إلى تحقيقه لتستكمل نصرها، لكن هذا غير مضمون وقد ينقلب ضدها، فهي ستكون مرتهنة الى رئيس الحكومة غير قادرة على السيطرة عليه واخضاعه كليا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115