بعد منح رئيس الجمهورية الجنسية التونسية لـ 34 فلسطينيا: الدبلوماسية التونسية والالتزام بالقضية الفلسطينية ...مسار متكامل

في العاشر من أوت من عام 1982 شهدت تونس حدثا بالغ الأهمية حينما رست في ميناء بنزرت السفينة التي أقلت كوادر منظمة التحرير الفلسطينية

بعد خروجهم من بيروت إثر الحصار الإسرائيلي الذي فرض عليهم، وكان ذلك إيذانا ببدء مرحلة جديدة في تاريخ القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي . وقد عكست تلك اللحظة التاريخية موقف الدبلوماسية التونسية المساند للقضية الفلسطينية في أصعب وأحلك مراحلها التاريخية .

إلى حدّ اليوم لا زالت تونس على عهدها والتزامها، سواء دبلوماسيا من خلال المواقف الرسمية الداعمة للحق الفلسطيني في كل المحافل الدولية، او شعبيا عبر الموقف الشعبي المساند دائما والمناصر للأشقاء الفلسطينيين في قضيتهم العادلة من أجل التحرر واستعادة الحقوق المسلوبة. وقد دفعت الخضراء غاليا ثمن هذا الموقف الداعم من خلال الاعتداء الصهيوني على حمام الشط حيث امتزج الدم التونسي بالدم الفلسطيني ليعبر عن المصير المشترك الواحد . وذهب ضحيته آنذاك 50 فلسطينياً و18 تونسياً إضافة إلى جرح مئة شخص، كما تم اغتيال القائد خليل الوزير (أبو جهاد) في مقر إقامته بسيدي بوسعيد على يد كوماندوس إسرائيلي في اعتداء صارخ على سيادة تونس وأرضها .

وعُرف الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة أيضا بمواقفه المشرفة إزاء القضية الفلسطينية وقد ربط باكرا علاقات صداقة مع زعماء وقادة النضال الفلسطيني. وعندما أتى الفلسطينيون الى تونس كانت زوجته وسيلة بورقيبة في طليعة المستقبلين للفلسطينيين في ميناء بنزرت ، وقد اتخذت منظمة التحرير الفلسطينية من تونس مقرا لها قرابة العشر سنوات، قبل أن تعود إلى الضفة الغربية بعيد اتفاق السلام الذي أبرم عام 1993 .

إشترك في النسخة الرقمية للمغرب

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

واليوم جاء الإعلان عن توقيع رئيس الجمهورية قيس سعيد للأمر الرئاسي القاضي بمنح 135 شخصاً من بينهم 34 فلسطينياً الجنسية التونسية، ليؤكد على هذا المسار المتكامل والمنتصر للقضية الفلسطينية في كل الظروف ورغم كل التحديات. وقد أكدت الرئاسة التونسية ان منح الجنسية لا يمسّ من ملف حق العودة للفلسطنيين». باعتبار ان القانون التونسي يسمح بازدواجية الجنسية.

وقد جاء هذا القرار لينزل بردا وسلاما على الجالية الفلسطينية في تونس التي خرجت من المشرق العربي بكل ما حمله من لوعة وحروب وانقسامات وتناحرات الى سلام تونس وأمنها ، فكانت استراحة الفدائيين والمحاربين الفلسطينيين هنا على أرض الخضراء التي قال عنها محمود درويش «كيف نشفى من حب تونس».
ولا يخفى على أحد ان هذا الإعلان جاء ليعيد بعض الأمل للفلسطينيين بعد ان تناست عديد الأنظمة في المنطقة القضية المركزية في خضم تهافتها للتطبيع المجاني مع دولة الاحتلال الإسرائيلي . كما كان لبلادنا موقف واضح إزاء ما يسمى بـ«صفقة القرن» وقد عبّر الرئيس عن رفضه لهذه الصفقة، وقال إنها «غير مقبولة وفلسطين ليست ضيعة حتى تكون موضوعاً لصفقة».

ويعتبر ممثل الجالية الفلسطينية في تونس سيف الدين الدريني لـ«المغرب» ان هذه الخطوة بكل ما تحمله من رمزية فإنها تعبّر عن مدى عمق القضية الفلسطينية وتجذرها في وجدان التونسيين حكومة ورئيسا وشعبا ، بمحاولة ان يقدموا أبسط ما يمكن أن يقدموه من أجل دعم القضية الفلسطينية . ويضيف بالقول :«من ناحية أخرى هناك قرار تمّ اتخاذه منذ تأسيس الجامعة العربية في ما يتعلق بالموضوع الفلسطيني ويرتكز على عدم تجنيس الفلسطينيين في الدول العربية لكي لا ينسوا هويتهم وان لا يذوبوا في الشتات وان يبقوا محافظين على القضية . طبعا هذا المنطق أثبت مع الوقت عدم صحته بدليل ان أكثر الفاعلين والنشطاء في القضية الفلسطينية موجودون في الشتات ويحملون جنسيات أخرى تساعدهم على التحرك . اما اللاجئون الذين لا يحملون جنسيات أخرى فظلوا محاصرين في المخيمات وليست لديهم سوى وثيقة اللاجئ الفلسطيني التي لا تساعدهم على توفير ما يلزم من حياة كريمة». ويضيف :«لقد كانت مشكلة الفلسطيني ولا تزال مع الأوراق الرسمية التي يتحرك بها خاصة في الدول العربية بالتالي تأتي أهمية هذه الخطوة لكي تسهّل الشؤون الحياتية للجالية

الفلسطينية الموجودة في تونس رغم قلة عددها ولكن لديها متطلبات». ويضيف: «وجودنا في تونس لم يكن على أساس وجود لاجئين فلسطينيين فقط أتينا في سنة 1982 بناء على اتفاق رسمي مع الحكومة التونسية التي وفرت لنا في ذلك الوقت مقرا لمنظمة التحرير وقدمت لنا الاقامات». وأضاف :«ان تونس اضافة الى الاستقبال الشعبي اللامتناهي تجاه الفلسطينيين كان هناك شيء لافت فيما يتعلق بالمستوى الرسمي وهو حرص تونس والتزامها بعدم التدخل في الشأن الفلسطيني . كما حرصت الحكومة التونسية كل الحرص على ان تقدم كل ما وسعها سواء بالدعم السياسي او الدبلوماسي لتوفير كل الامكانيات لقادة منظمة التحرير ، الا انها لم تتدخل أبدا في الشأن الفلسطيني وعمليا ذلك يتأتى من الثقافة الدبلوماسية التونسية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى». وأعرب الدريني عن أمله بان تحذو دول عربية أخرى حذو تونس في هذه الخطوة من أجل تسهيل الحياة اليومية للفلسطينيين».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115