حكومة الفخفاخ واختبار الكامور : أي خيار ستتجه إليه ؟ شراء السلم الاجتماعي أم الإصلاح ؟

مع تصاعد التوتر في ولاية تطاوين التي شهدت مواجهات بين الامن والمحتجين من ابناء الجهة خلال الايام الفارطة اثير جدل حول مشروعية

ما جد ومن يتحمل مسؤوليته؟ ويلقى كل طرف الكرة الى الاخر متجنبا الخوض في اصل الازمة وهي: ماهو الخيار الأسلم للتنمية؟ -وهو أن الاصعب- شراء السلم الاجتماعي وان كان ثمنه «وأد» التنمية في الجهات او وضع حد للحلول المسكنة التي بلغت منتهاها وباتت تهديدا فعليا للبلاد ولاقتصادها.

قنابل الغاز المسيلة للدموع في مواجهة حجارة المحتجين، قد تختزل المشهد في ولاية تطاوين خلال الايام الفارطة التي شهدت تصاعد المواجهات بين قوات الامن والمتظاهرين من ابناء الجهة على خلفية تحركات احتجاجية للمطالبة بتطبيق الاتفاقات المبرمة واتهام الحكومة بالتنصل منها وبتعمد الخيار الامني في مجابهة مطالب الجهة ومطالب شبابها.
احداث عنف واستعمال مفرط للقوة وجدت لها مكانا في البلاغات الاعلامية المتتالية والصادرة عن الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني والتي تطالب بالكف عن المعالجة الامنية لملف التنمية وتطبيق بنود الاتفاق المبرم مع المحتجين وتحميل حكومة الفخفاخ مسؤولية ما آلت اليه الاوضاع وعن أي تطورات قد تحصل في الساعات القادمة.

احداث اجابت عنها الحكومة - التي سحبت قوات الامن لتحل محلها وحدات من الجيش وتم أطلق سراح الموقوفين- الذين انطلقت المواجهات بهدف الضغط والافراج عنهم- وقال وزير الدولة محمــد عبو أن الحكومة تتحرك لمعالجة الملف عبر حل اشكاليات المشاريع المعطلة بهدف خلق مواطن شغل ومن ذلك مشروع حقل نوارة او مصنع الاسمنت وأنها بصدد تسريع إجراءات انطلاقه.

لكن ووفق وزير الوظيفة العمومية والاصلاح الاداري ومكافحة الفساد: فانّ رئاسة الحكومة في طور النظر في الالتزامات السابقة للدولة بخصوص شركة البستنة والبيئة التي وقع الاتفاق عليها ضمن حزمة انهاء اعتصام الكامور1 في 2017 ، اتفاق قال ان الحكومة السابقة كان حريا بها ان «تفكر جيدا قبل التعهد به».
ما لم يقله الوزير بشكل صريح هو هل ستلتزم حكومته بما تضمنه الاتفاق من بنود اولها انتداب 3000 شاب في شركات البستنة والبيئة؟ فهذا جوهر الاشكال القائم اليوم في تطاوين، أما الاحداث فليست الا تفرعا عنه وخاصة الطريقة التي اعتمدت في التعامل مع المعتصمين.

ودون الخوض كثيرا في احقية مطالب التنمية والتشغيل التي يرفعها المحتجون في تطاوين-فما هو متفق عليه مشروعية المطالب- والخطأ هو في اعتماد مقاربة امنية لمعالجة ملف تنموي واجتماعي وهناك عنصر هام يقع اسقاطه من المعادلة وهو هل أن ما يقع تقديمه كحل للمطالب بالتنمية والتشغيل هو الخيار الانجع والامثل؟.

فمنذ 2011 كانت المقاربة التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة للاجابة على المطالب بالتنمية والتشغيل في مناطق الانتاج، الفسفاط والبترول والغاز، تقوم على اولوية شراء الامن والسلم الاجتماعي لتجنب تعطيل الانتاج وذلك بالانتداب في الشركات الناشطة في هذه القطاعات في مرحلة اولى او لاحقا عبر احداث شركات وهمية هي شركات البستنة.

هذا الحل الذي انتهجته الحكومات المتعاقبة واستمر الى 2017 ثبت فشله بل وثبت انه بات يهدد كل الفرص الممكنة لوضع منوال تنموي ناجع في هذه الجهات، والسبب ان هذه الشركات التي تقوم بتوظيف شباب من الجهة التي تنتصب فيها تسعى لشراء السلم عبر تقديم اجور اعلى من الاجر الصناعي الادنى واقل من الاجور التي تقدمها الشركات، كمعدل عام اجور لا يقل عن 700 دينار اي حوالي المرة والنصف الاجر الادنى كما انها وظائف وهمية، اي ان المسجلين فيها يتلقون مستحقات مالية دون عمل فعلي.

هذا الوضع «كارثة» اذ انه يمثل عقبة امام تهيئة هذه المناطق لتنويع نسيجها الاقتصادي ويحول دون التشجيع على الاستثمار وبعث المؤسسات سواء الصغرى او المتوسطة وبالأساس وتحصر مفهوم التنمية في «تنمية عن طريق الاستثمار العمومي بشركات وهمية تنشئها الدولة تقدم اجور عالية نسبيا».

هذا البديل التنموي الذي ينادي به البعض وتشجعه احزاب ومنظمات، هو السم في الدسم، اذ ان مسايرة هذه المقاربة سيؤدي في النهاية لضرب النسيج الاقتصادي في هذه الجهات ويجعل مطالب العمل او عروض العمل المقبولة تنحصر اما في شركات البيترول او الفسفاط او الغاز... او في شركات البستنة، ولا يقبل غيرها. وبمثل هذه الخيارات يقع خنق المبادرة والاستثمار في هذه الجهات التي تفتقر الى منوال تنموي ناجع يخلق الثروة قبل اعادة توزيعها.

اليوم حكومة الفخفاخ امام اختبار فعلي لتنزيل مقولتها المنادية بالاصلاح والجرأة في معالجة الملفات، فاما ان تبحث عن سلم اجتماعي وتعمق الازمة اكثر او ان تعلن عن نهاية زمن المسكنات.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115