الجماعات الارهابية التونسية والليبية: علاقات مترابطة تجاوز ت 30 سنة

«الارهاب ليس ليبيا» او هذا ما تحاول اطراف سياسية ليبية ذات توجهات اسلامية ان تسوقه مسخرة له كل الامكانيات التي بين أيديها لتقدم صورة مفادها ان ليبيا ضحية «للجماعات الارهابية التونسية» وان الارهابيين الناشطين في ليبيا هم من التونسيين وبالأساس في قفز على وقائع الارض والترابط بين التنظيمات الارهابية في البلدين.

نشرت قوات الدرع الخاصة التابعة لوزارة الداخلية الليبية في حكومة طرابلس اعترافات مصورة لشخصين قالت انهما «ارهابيان تونسيان» وقع القبض عليهما قبل شهرين من تاريخ نشر الفيديو.

ارهاب أجانب؟
في الاعترافات التي بثت على الانترنت كشف كلا الموقوفين تفاصيل تتعلق بعدد الارهابيين التونسيين في ليبيا وبنشاطهم وخططهم ومن يشرف على تدريبهم وايوائهم، واغلبهم من التونسيين، وفق ما في الاعترافات.
هذه الاعترافات التي يبدو انها تضمنت العديد من المعطيات الهامة نسبيا، صبت في خانة ان الارهاب في ليبيا هو ارهاب اجانب وبالتحديد إرهاب تونسيين وهذا منحى اتبعته الجهات الليبية خصوصا المحسوبة على التيار الاسلامي لصرف شبهة الارهاب عنها وعن انصارها لاسيما المتحالفين مع قوات فجر ليبيا.

«الارهاب ليس ليبيا» أو «الارهاب يأتي من تونس» هي من بين الكلمات المفاتيح في الخطاب الجديد للأطراف الليبية التي تكرّر خطابا كان سائد افي تونس في اول ايام الحرب على الارهاب التي رفعت فيها اطراف سياسية شماعة ان الارهاب ليس تونسيا وانما باياد اجنبية.

ذات القفز على الحقيقة يتكرر اليوم في ليبيا ولكن بالقفز على الوقائع الميدانية والترابط التنظيمي والعقائدي بين التنظيمات الارهابية التونسية والليبية.

حيث تكشف المعطيات الميدانية في ليبيا عن خريطة ترابط متشابكة بين التنظيمات الارهابية التونسية والليبية، اذ تنطوي على نقاط متشابكة و روابط تنظيمية تجمع كل هذه المجموعات الارهابية في اطار رغبة مشتركة وهي إقامة «ولاية إفريقية» تشمل تونس وشمال غرب ليبيا وشمال شرق الجزائر.

الواقع الميداني
هذه الولاية التي يحلم بها كل عضو في الجماعات التكفيرية الناشطة في ليبيا، والتي تمازجت لتصبح جماعات تونسية/ليبية، وهو ما عكسته التطورات الميدانية الاخيرة، التي قدمتها الجهات الليبية على انها حجج لاثبات الصورة التي تريد تسويقها، ومن ذلك التركيز على ان كل القتلى في الغارة الامريكية على مدينة صبراته الليبية هم من التونسيين.

هذا التركيز الذي تكرر في الاعترافات التي نشرت في التسجيلات الخاصة بالإرهابيين يغفل حقيقة ان عدد التونسيين - وفق التقديرات التونسية 1000 شخص مقابل تقدير جهات دولية بـ 800 الى 900 شخص، وهو عدد يمثل اقل من 5 % من عدد المنتسبين إلى الجماعات الارهابية في ليبيا، وفق تقديرات مختلفة ترجح ان عدد المنتسبين إلى الجماعات الارهابية الليبية بمختلف تفرعاتها يتجاوز حاجز 20 الفا من بينهم اقل من 3 الاف ينتسبون إلى تنظيم «داعش» الارهابي بليبيا.

وتشير التقارير الدولية الى ما يزيد عن 1000 اجنبي التحقوا بهذا التنظيم الارهابي فيما يظل عدد التونسيين الذين التحقوا به مجهولا، وقد تبنى التنظيم الارهابي العمليات الارهابية الثلاث التي جدّت بتونس، الهجوم الدامي على حافلة الأمن الرئاسي في العاصمة تونس 24 نوفمبر 2015، الهجوم على شاطئ في المنطقة السياحية بمدينة سوسة جوان 2015، الهجوم على متحف باردو 17 مارس 2015.

اذ ان جلّ منفّذي ومدبري الهجمات الارهابية الثلاثة تلقوا تدريبا بمعسكرات تابعة لـ«داعش» في ليبيا.

مع الاشارة الى ان التنظيم التكفيري يُعد الأكثر إغراء للمستقطبين الجدد من التونسيين حملة الفكر التكفيري، لما له من جاهزية وجاذبية وامتداد جغرافي في ليبيا، والإمكانيات المادية والمالية، وهو ما سمح له بإدارة معسكرات تدريبية عدة، تقوم على توزيع الارهابيين وفق جنسياتهم.

ومن المفيد هنا الإشارة إلى التمييز بين الجماعات الارهابية الناشطة في ليبيا وعلاقتها مع جماعات تونسية، فالصراع القاعدي الداعشي امتد ايضا في ليبيا ليقع الخلاف بين الجماعات التي تتبنى ذات العقيدة والأهداف وتتقاسم التاريخ المشترك.

قصة علاقة
وهو تاريخ يعكس علاقة تربط بين المنتسبين إلى التنظيمات الارهابية من التونسيين والليبيين انطلقت منذ ثمانينيات القرن الماضي وتوطدت اكثر منذ 2011، فمن دعم قدمته الجماعة الليبية المقاتلة في افغانستان في الثمانينيات إلى مساعدة التونسيين على إقامة معسكر وتنظيم خاص بهم، وهو ما لم يتحقق الا في سنة 2000.

وطوال تلك السنوات كان التعاون التونسي الليبي في هذا الصدد يتطور باستمرار ، لينتقل الى اوروبا وخصوصا مدينة ميلانو بإيطاليا التي مثلت مركزا للتجنيد، والخدمات اللوجستية، قدمتها شبكة مرتبطة بتنظيم القاعدة بقيادة المصري أنور شعبان، فيما كان جّل الشبكة من التونسيين والليبيين، وبرز بالاساس سامي الصيد المشرف على الدعم اللوجستي في تنظيم «أنصار الشريعة التونسي المحظور» وأيضا الليبي الأسد بن هاني.

وشبكة العلاقات الثنائية لا تقتصر على الصيد وبن هاني بل تشمل العديد من رموز الجماعات الارهابية التونسية والليبية، كونت في النهاية شبكات لتسفير التونسيين الى العراق بعد 2003 ومن بين الامثلة على ذلك «أبو رضوان التونسي» الذي وصل الى العراق مرورا بليبيا.

تطور التشبيك الارهابي
توطد العلاقات وترابط الجماعات الارهابية شهد طفرة في السنوات الخمس الماضية، فما بعد 2011 تاسس التنظيمان الارهابيان «أنصار الشريعة في تونس» و«أنصار الشريعة في ليبيا»، لتتسارع وتيرة تشابك العلاقات ويصبح هناك ارتباط عضوي ادى الى ان تتحول ليبيا إلى ملاذٍ آمن للإرهابيين التونسيين.

برز ترابط العلاقة بين الارهابيين من البلدين من خلال ترابط تنظيمي «أنصار الشريعة في تونس» و«أنصار الشريعة في ليبيا الذي وفر مواقع لإقامة معسكرات تدريبية للتونسيين منذ افريل 2012. انتجت ارهابيين مدربين على السلاح او على تنفيذ عمليات انتحارية.

هذه التدريبات افرزت ارهابيين نفذوا عمليات سواء في تونس او ليبيا، وقد عكس تبني تنظيم انصار الشريعية الليبي للهجمات التي استهدفت المنشآت الدبلوماسية التونسية في ليبيا (عملية ضد السفارة و2 ضد قنصلية) في اول ايام المواجهات بين الدولة التونسية وتنظيم انصار الشريعة الإرهابي عكس تداخل العلاقة وتعمقها فمن علاقة شخصية بين سيف الله بن حسين «ابو عياض» ومحمد الزهاوي زعيمي التنظيمين الى ترابط شبه كلي قبل 2013 وترابط كلي بعد ذلك التاريخ.

التحاق اتباع التنظيم الارهابي بليبيا وفرار سيف الله بن حسين اليها ادى في النهاية الى اندماج التنظيمين، لكن هذا الاندماج لم يخل من اختيار البعض الالتحاق بالمجموعات الموالية لتنظيم «داعش» في ليبيا خصوصا منذ اكتوبر 2014.

إن كل المعطيات الميدانية وحيثيات العلاقة بين ارهابيي البلدين وتشابك العلاقة وترابطها على امتداد اكثر من 30 سنة من تغيير الادوار بين الطرفين، تؤكد تعاونهما فمن دعم ليبي للتونسيين الى دعم تونسي للبيبين الى تمازج وتوزيع للأدوار صلب كل الجماعات الارهابية الناشطة في ليبيا.

لكن هذه العلاقة المركبة يتمّ تجاهلها من قبل جلّ الفاعلين الرسميين او غير الرسميين في البلدين ولا يأخذون خطورة ما قد ينتجه تشابكها على محمل الجد ، بل هم في مرحلة التنصل والقاء اللوم على الاخر.
ووفقا لتقارير أمنية لخبراء في الأمم المتحدة، فإن ما بين 1000 و1500 تونسي، التحقوا بتنظيمات جهادية بليبيا، من مجموع يتجاوز 5500 تونسي انظموا إلى تنظيمات إرهابية في سوريا والعراق ومالي واليمن.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115