التيار الديمقراطي الاجتماعي: القوة السياسية الثالثة في البرلمان .. أي تموقع وأية خيارات ؟

في انتظار الإعلان الرسمي عن نتائج الانتخابات التشريعية من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، يبرز اسم التيار الديمقراطي

كثالث قوة نيابية في المجلس القادم بـ22 نائبا، وضع جديد يعيشه التيار الذي مر منذ تأسيسه بطفرة سمحت له بالتمدد في الخارطة السياسية والحزبية، والسؤال اليوم هل سيستفيد التيار من هذه الطفرة ام يكون ضحيتها؟

منذ الاستحقاق البلدي في 2018 برز التيار الديمقراطي كقوة سياسية واعدة استطاعت كسب تعاطف وثقة جزء من التونسيين الذين ارتفعت أعدادهم مع كل استحقاق انتخابي مر به حزب التيار الديمقراطي، فالحركة وخلال السنتين 2014 و2019 حققت تقدما لافتا في نتائج الانتخابات على مستوى عدد الناخبيين ونسبتهم.

والحزب الذي اقتصر حضوره في البرلمان السابق على 3 نواب حقق هذه المرة قفزة هامة ليصل الـى 22 نائبا والامر ذاته في نسب التصويت التي ارتفعت لتبلغ هذه المرة حدود 6 % بارتفاع عما حققه محمد عبو مرشح الحزب في الرئاسية باكثر من نقطتين. مما جعل التيار في واجهة الاحداث خاصة وانه اعلن منذ الساعات الاولى لصدور استطلاعات الرأي بعد مغادرة مراكز الاقتراع على انه سيتجه الى المعارضة ولن يكون مشاركا في اية حكومة.

قرار شرحه التيار بانه يحترم إرادة ناخبيه والناخبين التونسيين بصفة عامة، فهم لم يمنحوه اغلبية الحكم وإنما منحوه القدرة على قيادة المعارضة البرلمانية. موقف لم يتراجع عنه التيار رغم محاولة حركة النهضة إحراجه فقد خير ان يحافظ على موقفه القائل بانه لا تحالف مع النهضة ودرءا اللإحراج وضع شروطا للمشاركة في الحكم، شروط قال عنها محمد عبو الأمين العام للحزب انه متأكد من ان النهضة لن تقبل بها لذلك فانهم لن يكونوا في الحكم.

موقف اتبعه الحزب الذي لا زال قادته  يحاولون قراءة المشهد الجديد وتحديد سياساتهم، والاهم تحديد اي طريق سيسلكونه، فهم يدركون بانهم باتوا يتزعمون المعارضة وان تموقعهم كحزب ديمقراطي اجتماعي  منتسب الي فضاء اليسار، سيمنحهم منصة لانطلاقة جديدة قد يصبح معها التيار وفق رغبات قادته القوة الثانية او الاولى في المشهد القادم.

قوة ادرك التيار ان بلوغه لها تحقق بفضل خطابه السياسي القائم علي محاربة الفساد السياسي والاقتصادي وتبنيه لخطاب راديكالي تجاه الفساد، لكن هذا الخطاب يبدو انه بلغ حدوده وعلي التيار في المرحلة القادمة اثراء خطابه السياسي للوصول الي شرائح اوسع.

خطوة تقر كواليس التيار على ضرورة بلوغها لكن متي وكيف؟ هذا ما لم يحدده التيار الذي فضل ان يصب تركيزه على الاولويات الراهنة وهي الاستعداد لانطلاق الدورة النيابية القادمة، ومتابعة ما ستقرره جملة من الاحزاب المنتمية لعائلته السياسية الواسعة وهي العائلة الديمقراطية الاجتماعية التي تضم احزاب المعارضة التقليدية علي غرار الجمهوري والمسار والتكتل وعدد من الاحزاب الاخرى الناشئة بعد الثورة.

انتظار نقاشات هذه الاحزاب سيكون اولوية للتيار الذي يدرك جيدا انه اليوم امام فرصة تاريخية لتحقيق فكرة توحيد هذه العائلة في حزب او في جبهة، بعد ان فشلت محاولاته خلال السنوات الفارطة فشل كان مرده خشية جزء من الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية من الخط السياسي للتيار الذي لم يكن واضحا بالنسبة لها، خاصة وان التيار  اختار ان تكون خصوماته او تحالفاته  مع باقي الاحزاب  تقوم على نقاط سياسية لا ايديولوجية، وهذا ما كان يعيبه البعض عليه على اعتبار انه يعلن ان خصومته مع الاسلام السياسي تقوم على خلاف سياسي وليس ايديولوجي.

التحرر من الايديولوجية لا يعني بالنسبة للتيار انه لا يحدد خياره المجتمعي او خطوطه العريضة، فالحزب الذي انشق عن المؤتمر من اجل الجمهورية وسحب معه جل يساريي هذا الحزب حافظ على توجهاته الاقتصادية والاجتماعية. حيث اختار ان يساند مبادرة المساواة في الميراث رغم ادراك قادته انها قد تكلفهم جزءا من خزانهم الانتخابي المحافظ.

هذا الخزان الذي انطلق به التيار في اول خطواته سرعان ما نجح الحزب في تعزيزه بقواعد انتخابية ذات ميول يسارية من الشباب خاصة، وذلك بعد ان ابرز الحزب خيارته الاجتماعية في اكثر من مناسبة في السنوات الفارطة، ويبدو وفق قادته انه سيعزز هذا التوجه القائم علي استمالة قواعد انتخابية واسعة تمتد من يمين الوسط الي اليسار الاجتماعي.

خطوات التيار ومدى قدرته على الاستمرار في تعزيز مواقعه ستحددها مواقفه وخياراته في الاسابيع القادمة، اولها قدرته علي تزعم المعارضة البرلمانية التي اتسعت رقعتها لتضم كلا من التيار وتحيا تونس واحزاب نجحت في الفوز بمقاعد قليلة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115