تحليل إخباري: المساواة في الميراث.. قضية مفتعلة أم هي في جوهر الحداثة؟

لغط وجدل حول مشروع مبادرة تشريعية تقدم بها النائب المهدي بن غربية حول المساواة في الميراث بين متبنّ لها ومن يعتبرها فكرة في غير أوانها أو حتى فكرة مشبوهة تريد أن تعيدنا إلى الصراع حول الهوية.. والحال أن المهدي بن غربية من أكثر السياسيين انتقادا للصراع حول الهوية...

ولكن بعيدا عن الحسابات السياسية لأصحاب المشروع أو لمعارضيهم ألم يحن الوقت لكي نتناقش بهدوء في كل المسائل الرمزية العالقة والتي تجعلنا دوما في وضعية المنزلة بين المنزلتين فلا نحن حداثيون بالتمام والكمال ولا نحن تراثيون محافظون على «بِزُّو ومعناه» كما يقول المثل الشعبي التونسي...

لِمَ نخشى ولوج هذه المناطق التي تبدو وعرة فقط لمن يراها عن بعد؟ ما الذي يجعل مجتمعنا، إلى اليوم، يرى أن كل شيء قابل للتطور إلا أحكام المواريث؟

سوف يجيب العديدون بأن النص القرآني صريح «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الأنثيين (...)» (سورة النساء الآية 11).

ويضيف بعض جهابذة العلم بأنه في حالات عدة تتساوى المرأة مع الرجل أو تتفوق عليه في الإرث.. إذن لنترك أحكام المواريث كما هي ولنلتفت إلى ما هو «أهم» في المجتمع..

ولكن لنسع لمناقشة هذه القناعة الراسخة بهدوء.. ترى أي الآيات القرآنية أوضح؟ الآية التي ذكرنا «ويوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الأنثيين» أم آية قطع يد السارق «والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما (...) » (سورة المائدة الآية 40) وآية جلد الزاني «الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة (...)» (سورة النور الآية عدد 2).

ففي قطع يد السارق وجلد الزاني جاء الحكم بصيغة الأمر «اقطعوا» و»اجلدوا» بينما غابت هذه الصيغة عن أية المواريث «يوصيكم»..
ما الذي يجعلنا اليوم في غالبيتنا الساحقة نستنكف من هذه العقوبات الجسدية التي لم تعد تطبقها بلادنا منذ أكثر من قرنين ونتشبث من كامل المنظومة التشريعية القرآنية فقط بآيات المواريث؟

المسألة لا علاقة لها البتة بوضوح النص من عدمه بل بعلاقة النص بتقاليد ضاربة في الزمن ترى في ميراث الأخت – لا سيما عندما يكون عقارا أو أرضا فلاحية – نوعا من العجلة الخامسة للغريب (زوج الأخت) الذي سيصبح صاحب حق في رزق الآباء والأجداد...

هذا التقليد هو الذي يجعل جزءا هاما من التونسيين متعلقين – إلى حدّ – بهذا التمييز بين المرأة والرجل... والحقيقة الميدانية هي أحيانا أسوأ من هذا بكثير إذ مازلنا نسمع عن حرمان البنت من حقها في أرض أبيها أو في تعويضها الأرض بمبلغ مالي زهيد... هذه هي حقيقتنا وليس من النزاهة في شيء أن نلبسها لبوسا دينيا قدسيا..

أما أولئك الذين يقولون، حتى داخل مجلس النواب ذاته، بأن إثارة مثل هذه القضايا إنما تفيد المتطرفين التكفيريين فهذا ما ينبغي أيضا أن نناقشه بهدوء ودون اتهامات متبادلة..
ما معنى هذا الرأي، وهو لا يخص الإسلاميين وحدهم؟ معناه بوضوح إن أردنا الحدّ من خطر التكفيريين فعلينا، قدر الإمكان، أن نجاريهم في بعض أنساق تفكيرهم وأن نبين لهم بأننا حريصون، مثلهم، على تطبيق الشريعة الإسلامية أو على الأقل بعض أحكامها كالمواريث في قضية الحال....

ولكن ما ينساه أصحاب هذا الرأي بأن حماستهم للمحافظة على تطبيق أحكام المواريث لا تشفع لهم عند المتطرفين والتكفيريين لأن أصحاب هذا الرأي هم من الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعضه الآخر ماداموا لا يحكّمون «الشريعة» – كما يفهمها السلفيون

– في كل مجالات حياتهم... فتطبيقها في مجال محدود لا يجعل منهم مسلمين حقيقيين في نظر التكفيريين...
ثم متى كانت مداهنة التكفيريين هي أفضل طريقة لمحاربتهم؟.. ولِمَ استبلاه جموع التونسيين؟!
ألم يحن الوقت يا ترى لكي نقول وبكل وضوح بأن جوهر الدين الثابت هو.....

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115