خـطـر: عجز الميزان التجاري يضرب كل الأرقام القياسية أكثر من 12 مليار دينار في 8 أشهر فقط !

• العجز التجاري لشهر أوت يكاد يساوي كل مداخيل السياحة من بداية السنة

النشرية التي أصدرها يوم أمس المعهد الوطني للإحصاء حول التجارة الخارجية إلى موفى أوت 2018 صادمة بكل المقاييس إذ لم نعد على حافة الخطر بل تجاوزناها بكثير ..
ففي ثمانية أشهر تجاوز عجز ميزاننا التجاري 12 مليار دينار (12.16 تدقيقا ) ولو استمر معدل العجز على هذه الشاكلة سنكون قد تجاوزنا 18 مليار دينار على امتداد كامل هذه السنة أي حوالي خمس ناتجنا الإجمالي الداخلي ونصف ميزانية الدولة !!

18 مليار دينار على الدولة التونسية أن تدفعها بالعملات الأجنبية وعندما نعلم أن مخزوننا الحالي من هذه العملات هو دون 11 مليار دينار ندرك حجم الكارثة التي تعصف اليوم باقتصادنا الوطني وبالتوازنات المالية العامة للدولة ..
بداية السنة لم تكن سيئة اذ تحسن نسق الصادرات مقارنة بالواردات وقد استفدنا ، إلى حد ما ، من تراجع قيمة الدينار لتزداد السلع التونسية تنافسية في الأسواق العالمية ولكن تضاءلت هذه المزية من شهر إلى آخر كما يحلل ذلك أستاذ الاقتصاد الهاشمي عليه في نشريته الالكترونية الأسبوعية «ايكو ويك»
في الثلاثي الأول كان عجز ميزاننا التجاري في حدود 3.655 مليار دينار اي ما يعطينا حوالي 14.6 مليار دينار كعجز سنوي تقديري وقد بلغت حينها نسبة التغطية %73.6 مقابل %66 لنفس الفترة من سنة 2017.

ولكن من شهر إلى آخر تتفاقم وتيرة العجز إلى أن وصلنا في شهر أوت لوحده إلى أكثر من ملياري دينار (تحديدا 2.214) ولو كانت كل هذه السنة وفق معدل شهر أوت لتجاوز عجزنا التجاري الرقم الخيالي لـ26 مليار دينار ..
ثم بعد أن كانت نسبة التغطية في هذه السنة أفضل من سابقتها بحوالي 8 نقاط أضحت دونها في هذه الأشهر الثمانية الأخيرة (%68.4 في 2018 مقابل %68.5 في 2017) وبانفلات في العجز أكثر من ملياري دينار ..

لاشك أن هنالك عوامل موضوعية كامنة وراء جزء من هذا العجز كارتفاع أسعار المواد الأولية ولكن كل هذا لا يفسر بهتة وذهول وزارة التجارة في معالجة موضوع بمثل هذه الخطورة ، فنحن لن نكون مضطرين للاقتراض الأجنبي لتسديد ديوننا أو مجاراة نسق إنفاقنا العمومي فحسب بل وكذلك لتسديد فاتورة هذا العجز والذي لا تكفي كل عائدات السياحة وتحويلات مواطنينا بالخارج إلا لسداد نصفه في أحسن الأحوال ..

لا يمكن لعاقل واحد أن يطالب الحكومة التونسية بإيقاف حاد للتوريد ولكن ما بين هذا والاستسلام التام للمنطق التجاري الأناني لبعضهم والذي جعل من بلادنا متجرا صينيا وتركيا هنالك إمكانيات ومجالات تدخل ناجعة لم تلجأ إليها السلط العمومية إما خوفا من تناول جدي للملفات الساخنة أو جهلا بمقتضيات الاستباق الاستراتيجي لهذه الكارثة المحدقة ببلادنا ..
عن أي بداية تعافي نتحدث عنه وفاتورة عجز ميزاننا التجاري قد تجاوزت 15 مليار دينار في 2017 وهي في طريقها لتجاوز 18 مليار دينار في 2018 ؟ !

في ثمانية أشهر فقط ناهز عجزنا التجاري مع الصين 3.5 مليار دينار ولقد بلغ 8.6 مليار دينار مع خمس دول فقط وهي الصين وايطاليا وتركيا وروسيا والجزائر ..ولئن كان عجزنا التجاري مقبولا إلى حد ما مع ايطاليا والجزائر وروسيا إما بالنظر إلى نسبة التغطية أو الاستثمار الخارجي أو المداخيل السياحية فانه غير مفهوم بالمرة مع الصين وتركيا ، فمع هذه الأخيرة لم نصدر لها خلال هذه الأشهر الثمانية إلا 0.34 مليار دينار واستوردنا منها بما قيمته 1.76 مليار دينار أي بنسبة تغطية دون %20 أما مع الصين فقد صدرنا لها ما قيمته 0.25 مليار دينار واستوردنا بـ3.74 مليار دينار أي بنسبة تغطية دون %7 !!

فإلى أين نحن ذاهبون ؟ !

لا ينبغي أن تشبه حكومتنا دونالد ترامب الذي شن حروبا اقتصادية على كل شركاء بلاده وحلفائها للحد من العجز التجاري لبلاده نحن لا نطالب بهذا بل أن نتصرف كبقية الدول ولننظر إلى ما فعلته دولة المغرب معنا إذ منعت توريد الكراس التونسي لأن لديها عجزا تجاريا معنا كان في حدود 0.2 مليار دينار ونحن اكتفينا بدور المتفرج لسلع تكتسح أسواقنا وتهدد أجزاء من نسيجنا الاقتصادي وترتهن ماليتنا العمومية وتدفعنا للاقتراض الخارجي لتسديد هذا العجز المذهل في مبادلاتنا التجارية .

هل نحتاج إلى توريد الملابس الجاهزة ؟ وهل نحتاج إلى توريد كل هذه المنتوجات الغذائية سواء الصناعية منها أو الفلاحية ؟والسؤال الأكبر والاهم من كل هذا : ماذا أعدت وزارة التجارة لمجابهة هذا الانخرام الذي لا يطاق ؟ ما هي إستراتيجيتها للحد من تفاقم العجز التجاري ؟ هل جمعت كل الأطراف المتدخلة في التجارة الدولية لنتفق على مواجهة مشتركة وذكية تجنبنا الحروب الاقتصادية مع حماية توازناتنا المالية ؟ !

الحكم هو استباق وتخطيط أما اللهاث وراء الأحداث فمتاح للجميع .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115