Print this page

بسبب ملف فساد كبير في قطاع الطاقة يخص حقل النفط «حلق المنزل»: الشاهد يقيل وزير الطاقة وكاتب الدولة للمناجم و3 مسؤولين وفتح تحقيق معمق

• الشاهد يلتقي رئيس هيئة مكافحة الفساد ورئيس لجنة الطاقة بالبرلمان
ويؤكد أنه لا توجد خطوط حمراء في الحرب على الفساد ولا أحد يتمتع بالحصانة

في خطوة جديدة وغير متوقعة وفي إطار مواصلة الحرب ضدّ الفساد، قرر أمس رئيس الحكومة يوسف الشاهد إعفاء وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة خالد بن قدور وكاتب الدولة للمناجم هاشم الحميدي والمدير العام للمحروقات الهادي الهريشي والرئيس المدير العام للشركة التونسية للأنشطة البترولية المنصف الماطوسي والمدير العام للشؤون القانونية بوزارة الطاقة من مهامهم مع إلحاق مصالح وزارة الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة بوزارة الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة وتشكيل لجنة خبراء لدى رئاسة الحكومة لإعادة هيكلة الوزارة ومراجعة حوكمة قطاع الطاقة وتكليف كل من هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية، وهيئة الرقابة العامة للمالية بفتح تحقيق معمق في الوزارة.
حسب الناطق الرسمي باسم الحكومة إياد الدهماني فإن استغلال مستثمر تونسي لامتياز بحث عن البترول في سواحل المنستير دون رخصة كان وراء هذه الإقالات، مشيرا إلى أنّ هذا المستثمر طلب من رئيس الحكومة أن يقوم بتدشين انطلاق استغلال حقل نفط «حلق المنزل» في سواحل المنستير خلال الأسابيع القادمة، غير انه بعد التثبت اتضح أن الرخصة التي يقوم باستغلالها على خلاف الصيغ القانونيّة باعتبار انتهاء رخصة الاستغلال والبحث منذ سنة 2009. وشدد على أنه سيتم تتبع كل من يثبت قانونيا تورطه في هذا الملف الذي وصفه بسوء التصرف، موضحا آن المسؤولية لا تتعلق فقط بوزير الطاقة المقال خالد قدور أو بكاتب الدولة هاشم الحميدي وإنما بكل مسؤول لم يطالب المستثمر بالخروج قائلا «حتى حد ما قالو أخرج».

حيثيات ملف حقل «حلق المنزل»
بالعودة إلى حيثيات الملف بطبيعة الحال وفق ما كشف عنه الدهماني في اللقاء الصحفي الذي عقد مباشرة بعد قرار الإعفاءات في انتظار ما يمكن أن تكشفه التحقيقات والتدقيقات من مستجدات جديدة، فإن المستثمر انطلق في استغلال هذا البئر منذ سنة 1979 وانه استمر في التمتع بالامتيازات الجبائية المنصوص عليها بمجلة المحروقات والتي صدرت سنة 1999 وتم التنصيص على أن الحد الأقصى لاستغلال الحقول النفطية هو 30 سنة وبذلك فإن قانونية استغلال الحقل المذكور تنتهي سنة 2009 ولكن منذ ذلك التاريخ وإلى غاية سنة 2018 استغل المستثمر الحقل دون وجه حق، ومن المفروض منذ ذلك التاريخ أن يعود الاستغلال للدولة التونسية وللشعب التونسي حسب الفصل 13 من الدستور. هذا وأكد الدهماني أنّ مخزون الحقل يبلغ 8.1 مليون برميل،و أنه يتجاوز نصف المخزون السنوي للبلاد الذي يبلغ 15 مليون برميل، مبرزا أن المستثمر التونسي لحقل النفط «المنزل» لم يكن يعترف بالشركة التونسية للأنشطة البترولية، رغم أن مجلة المحروقات تنص على أن كل صاحب استغلال لحقل بترولي في تونس يجب أن يكون بالشراكة مع الشركة المذكورة، 50 بالمائة تمنح لشركة الأنشطة البترولية عند الإنتاج.

إحالة الملف على القضاء
وفق الدهماني فإن مسؤولية وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة غير مباشرة في هذا الملف الذي يعود تاريخه إلى سنة 2009، مبينا أن تحقيقا معمقا ستتولى فتحه كل من هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية وهيئة الرقابة العامة للمالية، لكشف كل المسؤولين المتورطين في هذه القضية، وشدد على أن مصالح وزارة الطاقة، لم تقم في الفترة الممتدة بين 2009 و2018 بتنبيه المستثمر بانتهاء صلاحية الرخصة، ولم تتخذ أي إجراء، بل على العكس تمتع هذا الأخير بكل الإجراءات الجبائية التي تقرها مجلة المحروقات، وتابع نشاطه طيلة هذه المدة بطريقة غير قانونية. وبين الدهماني أن قرار رئيس الحكومة نابع من حرصه على حماية ثروات الشعب التونسي، وسعيا إلى إضفاء مزيد من الشفافية والحكومة على التصرف السليم في قطاع الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، قائلا «قرار رئيس الحكومة يترجم تبني الحكومة لخيار مكافحة الفساد ومراقبة التصرّف السليم في موارد الدولة»، مؤكّدا أن هذا الملف سيتمّ إحالته على أنظار القضاء للبتّ فيه وتحميل المسؤوليات لأصحابها، مضيفا أنّ إجراءات إداريّة سيتمّ اتخاذها بالتوازي لمزيد التدقيق والمراقبة. وانتهى إلى أنّ الحكومة أياديها ممدودة لكلّ المستثمرين في مجال الطاقة والمناجم وفي كلّ القطاعات الأخرى لكن مع المحافظة التامّة على ثروات الشعب التونسي. وأفاد أن رئيس الحكومة اجتمع بوزير العدل غازي الجريبي للتباحث في هذه القضية.

لقاءات الشاهد مباشرة بعد الاقالات
مباشرة بعد الإقالات، التقى رئيس الحكومة كلا من رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب وكذلك رئيس لجنة الطاقة بمجلس نواب الشعب عامر العريض الذي أكد أن رئيس الحكومة قد أحاطه علما بالملف وأسباب الإقالات، مشيرا إلى أن اللجنة ستتولى فيما بعد استدعاء الطرف الحكومي لتقديم مزيد التوضيحات. هذه الإقالات حسب تأكيدات الحكومة والتي جاءت بعد أيام من بيان مجلس شورى حركة النهضة التي طالبت فيه الشاهد بمواصلة حربه ضدّ الفساد والانطلاق في تنفيذ الإصلاحات، تأتي في إطار الحرب ضد الفساد ضمن عمل الحكومة في حربها ضدّ الفساد والتي أثارت الكثير من الانتقادات واعتبروها خطوة نحو التحضير لانتخابات 2019، وحسب تصريح رئيس الحكومة على هامش اللقاء الدوري الذي عقد أمس بنادي ضباط الجيش بأعضاء الحكومة، فإنه لا توجد خطوط حمراء في الحرب على الفساد ولا أحد يتمتع بالحصانة في هذه الحرب بما في ذلك فريقه الحكومي، قائلا «ليس لنا تخوف من فتح ملفات الفساد بما في ذلك في مجال الطاقة .. ودفع الاستثمار في مجال الطاقة لا يعني نهبّ الثروات.. الخوف كان من ربّي..واللي ضميرو مرتاح عمرو ما يخاف».

تكليف هيئتين للرقابة بفتح تحقيق
تأكيدات الشاهد بمواصلة الحرب ضدّ الفساد تأتي بالرغم من الدعوات المتتالية للتغيير الحكومي وآخرها وليست أخيرها كانت من طرف الحزب الذي ينتمي إليه، نداء تونس، ولكن إقالات يوم أمس قد أحدثت فرقعة وزوبعة إعلامية كبيرة والتي تتلخص كلها في عدم تفطن الشاهد لملف الفساد في قطاع بارز ومهم وهو قطاع الطاقة وقد مرّ على تعيينه سنتان، إلى جانب عدم اتخاذ سلطة الإشراف أي إجراءات وهذا ما يثير الكثير من التساؤلات خاصة حول الأطراف التي تقف وراء هذا الملف وستقتصر الحرب على الفساد على إقالة الوزراء والمسؤولين أم أن تحقيقات معمقة سيتم فتحها ويتم متابعتها إلى الأخير واتخاذ الإجراءات الضرورية مهما كانت الأطراف التي تقف وراءها؟، فالمعركة يجب ألا تكون سياسية بقدر ما يجب أن تكون معركة حقيقية ضدّ الفساد.

الشاهد أكد أنه تمت دراسة الملف وتكليف هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية وهيئة الرقابة العامة للمالية بفتح تحقيق، ومتابعة المسألة لإحالتها لاحقا على القضاء، نظرا إلى أنّ هذه الملفات هامّة وخطيرة ولا يمكن السكوت عنها، مشددا على أن الحرب على الفساد متواصلة، وأنّ الجميع على علم بالإشكاليات الكبيرة التي يشهدها قطاع الطاقة»، مضيفا «أن ملف الطاقة كبير ويحتاج إلى مزيد من الشفافية وإلى أن يطبق المستثمرون الجدد القانون».

المشاركة في هذا المقال