تحليل إخباري: وصف حزب الله اللبناني كتنظيم إرهابي.. لا صوت، عربيا، يعلو فوق صوت السعودية !

جاء اجتماع مجلس وزراء الداخلية العرب ليؤكد مرة أخرى أنه لم يعد من مرادع لصوت ولإرادة المملكة العربية السعودية.. فقرار توصيف «حزب الله» اللبناني كتنظيم إرهابي والذي صادقت عليه كل الدول العربية ولم تتحفظ عليه سوى لبنان كما تحفظت العراق على بعض فقراته

ثم الادانة القوية للممارسات الايرانية الهادفة إلى زعزعة الأمن والاستقرار «في المنطقة » .. كل هذا يؤكد بوضوح بداية تحوّل مؤسسات العمل العربي المشترك إلى روافد للدولة السعودية التي أضحت القوة العربية الوحيدة التي لها وزن إقليمي ودور كذلك في صياغة القرار الإقليمي وإدارة صراعاته...

هذا الدور السعودي الجديد يفسّر بتراجع كل الدول العربية المنافسة تاريخيا للدور السعودي وأهم هذه الدول هي مصر في البداية وكذلك العراق وسوريا وليبيا والجزائر بدرجات متفاوتة.. ثلاث من هذه الدول تعيش اليوم أوضاعا داخلية مأساوية أما الجزائر فابتعادها الجغرافي عن مسرح الأحداث الأهم وكذلك ضمور الحضور السياسي لقيادتها جعلها تركز اهتمامها على مناطق تخومها الأساسية أي المغرب العربي والساحل الإفريقي..

وإنه من المفارقات العجيبة أن تكون المملكة السعودية هي المستفيدة الأكبر من موجات الربيع العربي التي جعلتها دون منافسة جدية مع بقية الدول العربية الأخرى..

يخطئ من يعتقد أن المملكة السعودية أداة طيّعة لتطبيق «الأجندا» الأمريكية في المنطقة.. بطبيعة الحال لا يناقش أحد العلاقة الاستراتيجية التي تربط بلاد العمّ سام بالدولة الوهابية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى اليوم.. ولكن هنالك تحولات هامة شهدها العالم والمنطقة العربية منذ أن أبرم ذلك الاتفاق التاريخي فوق بارجة حربية أمريكية.. (حلف كوانسي- اسم البارجة- في 14 فيفري 1945 بين روزفلت وابن سعود) ولعل من أهم هذه المستجدات الجغراسياسية الصدمة البترولية لسنة 1974 والتي جعلت من المملكة السعودية لاعبا عربيا أساسيا وكذلك سمحت للحركة الوهابية بأن تلعب دورا متعاظما عربيا وإسلاميا بفعل السيولات المالية الاستثنائية ثم بروز الجمهورية الإسلامية في إيران والتي أصبحت ترى فيها المملكة عودة «الخطر» الشيعي الذي يهددها خارجيا وداخليا.. ومع اختراق «الثورة الإسلامية» ونظريتها الجديدة «ولاية الفقيه» لعدد من القوى الشيعية العربية (حزب الله اللبناني نموذجا وبدرجة أقل حركة الحوثي باليمن) أصبح هاجس «الهلال الشيعي» الهاجس الأمني الأول للمملكة السعودية..

النقطة الثالثة المهمة هي بروز الإرهاب السلفي الجهادي المعولم وخاصة منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 وانتماء الآلاف من الشباب السعودي لتنظيم القاعدة بزعامة السعودي أسامة بن لادن.. ويكفي أن نعرف أن من بين المنفذين 19 لهجمات 11 سبتمبر نجد 15 حاملا للجنسية السعودية لكي نعلم الوقع الكبير لهذا الحدث على العلاقات السعودية الأمريكية والريبة الكبيرة التي أضحت عند صنّاع القرار الأمريكي من هذا الحليف الذي أضحى «مموّلا» بالمال والعباد لأخطر تنظيم إرهابي إلى تلك الفترة..

وبطبيعة الحال لم يدر بخلد قادة البيت الأبيض بأن النظام السعودي مورط في الإرهاب ولكن ضعفت الثقة في هذا الحليف وبدا البحث عن بدائل.. وهذا تمّ في الاتجاهين: أمريكا تبحث عن بدائل للسعودية، وما «صعود» قطر إلا دليل على ذلك، وكذلك السعودية تبحث عن بديل نسبي لأمريكا وخاصة باتجاه الصين ولو أن هذا المسعى بقي محدودا.

والعنصر الرابع هو الحروب الدولية التي جدّت في المشرق العربي وخاصة في العراق أولا ثم في سوريا ثانيا.. وكل هذه العناصر مجتمعة ومتداخلة تفسّر الدور السعودي اليوم في المنطقة العربية.. فالسعودية تخوض حربا في اليمن منذ عدة أشهر ضدّ الحوثيين ولها أكثر من يد في الحروب التي تشق العراق وسوريا وهي التي قمعت الحراك الشيعي في البحرين..

وهذا ما يفسر كذلك التحالف الإسلامي العسكري الذي تقوده السعودية والتي تريد به محاربة كل «أصناف» الإرهاب أي إرهاب الدواعش وما تعتبره «إرهاب» التنظيمات الشيعية وعلى رأسها «حزب الله» اللبناني وحركة الحوثي اليمنية وضرورة القضاء على نظام بشار الأسد ومعاداتها لما تعتبره السياسة الطائفية لجل الحكومات العراقية ذات الأغلبية الشيعية ومن وراء كل هذا إيران باعتبارها أصل «الشرور والآثام»..

والإشكال هنا لا يكمن بالأساس في الخيارات الجيواستراتيجية للمملكة السعودية ولكن في انسياق تونس ولو على حياء في استراتيجيات ورهانات لا ناقة لنا فيها ولا جمل.. فالصراع السعودي الإيراني سوف يأخذ عناوين شتى وستكون له ميادين مختلفة.. ولا نرى من مصلحة لبلادنا في التموقع فيه مطلقا دون أن يعني ذلك جفاء للمملكة السعودية أو معاداة لإيران..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115