الأيام: بئر ماتيو

في شهر أفريل هذا، في منطقة خاليّة، في الجنوب التونسيّ حيث العيش عسير والشمس نار، تمّ تدشين «بئر ماتيو». منذ أيّام، انفجر الماء من البئر يجري متدفّقا رحمة للحيوان والنبات ومن كان من الناس يحيا... ماتيو هو شاب. هو طفل لم يتجاوز الخمسة عشرة. هو صبيّ، حالم.

لا همّ في قلبه ولا كدر. كان جميل الوجه. وديعا. دوما يبتسم. كان يحبّ الحياة حبّا جمّا... ماتيو هو أوحد أبويه. أبواه يحبّانه حبّا كبيرا ويريان في ابنهما زهرة لها عبق وسحر. في عينيّ أبويه، كان ماتيو هو الحياة، هو الأمل، هو المعنى...
مات ماتيو. مات ماتيو وهو صبيّ. لقي الصبيّ حتفه في حادث مريع في منطقة خاليّة، في الجنوب التونسي. بعيدا عن أبويه وصحبه. هلك ماتيو وقد جاء البلاد ليمرح، لينطلق في الصحراء يجري، يتبارى مع الريح، مع الشمس. مات ماتيو في يوم مضى، في سنة خلت، في مكان قفر، في قرية، في أقصى دوز، في ولاية قبلّي. انتقل ماتيو الى السماء العليا وفي فمه بسمة الياسمين وفي عينيه نور الفجر. مشى ماتيو الى السماء دون أن يقبّل أبويه. مات ماتيو وغادر صحبه والدنيا...

انّها المصيبة تضرب الانسان في القلب. انّها الحياة تفعل بالأحياء ما تشاء من الفعل... لا يهمّ ما تفعله الأيّام من سوء، من طامة كبرى. كذلك، هو الانسان يحيا. كذلك، هو الحيّ يواجه مأساته في الدنيا... ما كان أبوه ايريك ستشار ولا أمّه تيريز من هواة البكاء ولا هما من البائسين، القانطين. هما فرنسيان يحبّان ماتيو حبّا جمّا...

يجب أن ينبعث الماء رقراقا حيث مات ماتيو. يجب أن تجري السواقي حيث جرى دمه الزكيّ. يجب أن يظلّ مثواه نقطة حياة، موطنا رحيما للعصافير، للأزهار، لكلّ كائن حيّ. كذلك، قرّر الأبوان. كذلك، يجب أن تكون الذكرى... طوال السبعة أشهر الماضيّة، انطلق أب ماتيو وأمّه في جمع التبرّعات، في حفر البئر العميقة، في العمل، في الكدّ حتّى اندفع الماء الحيّ من الأرض...

هل من خير أفضل من بئر تروي أرضا قحطا؟ هل من عمل أجدى من بناء بئر فيها ماء يجري، يعيد الحياة لأرض مقفرة؟ أنت ملاك يا ماتيو ولسوف تبقى ذكراك في الأرض. أنت الحياة يا ماتيو وهذه بئرك منها ماء يتدفّق...
رحمك الله يا ماتيو وأدخلك جنان الخلد. لسوف تدخل يا ماتيو الجنّة، بحول الله، وأنت سقيت الناس والدواب وبعثت الحياة في الأرض. شكرا لأبويك ولما أتيا من صبر...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115