الأزمة السياسية وملف الحكومة: تأكيد رفض الرئيس يعقّد الأمور .... الجمرة التي تتقاذفها الأيادي لتجنب الاحتراق

تستمر الأزمة السياسية في تونس بجميع تمظهراتها، أزمة الحكم وأزمة الحزب،

والمزعج فيها انه كلما استمرت اكثر ازداد تعقد المشهد، فنسق خلط الأوراق بات يحسب بأجزاء من الثواني، فكل كلمة أو خطوة تعيد الحسابات من جديد، بما في ذلك ما استقر عليه رئيس الجمهورية من موقف، وهو رفض التدخل الكلي في أية أزمة قائمة.
منذ بداية الازمة السياسية في تونس، التي تفاقمت اكثر مع انطلاق مفاوضات وثيقة قرطاج2 اختارت رئاسة الجمهورية ومن فيها تجنب التورط باي موقف يحسب عليهم ويضعهم في الزاوية، والحال استمر كما هو عليه رغم كل التقلبات، فما يصدر عن الرئاسة والمحيطين بالرئيس كان نادرا.

ندرة جعلت من تدوينة لمستشار للرئيس حدثا، استمد أهميته من مضمون ما كتبه المستشار وان كان رأيا شخصيا فهو يعبر بشكل غير مباشر عما يختمر في قصر قرطاج، فان ينشر فراس قفراش المستشار الإعلامي للرئيس على صفحته الخاصة على الفايسبوك ان الرئيس لن ينجر وراء الدعوات الصادرة لتفعيل الفصل 99، كما انه لن يتورط في «معارك حزبية رديئة».كما اضاف ان الرئيس الباجي قايد السبسي «هو الضمانة الأساسيّة لحالة الاستقرار السياسي في البلاد منذ 2011 .

هذه التدوينة التي حملت عناصر خبرية قديمة يعلمها الجميع، وهي رفض اللجوء للفصل الـ99 من الدستور من قبل الرئيس الذي لا يزال عند موقف رفض ترجيح اي خيار، بقاء الشاهد او رحيله من الحكومة، فانها تكشف ان وضعت مع ما ينقل عن الرئيس والدوائر المحيطة به، عنصرا هاما اولها تجنب التورط بموقف في ازمة الحكومة، ثانيها البحث عن استعادة زمام الامور من يد حركة النهضة تدريجيا، ثالثها رفض التدخل في الصراع الدائر صلب نداء تونس بين نجل الرئيس ورئيس الحكومة.

اول العناصر التي باتت معلومة هو ان تجنب الرئيس اتخاذ اي موقف يكشف عن عمق الأزمة، التي لم يجد لها مخرجا واضحا، او الاحرى هو يتجنب المخرجين الممكنين الان بسبب ثمنهما الباهظ، فالرئيس الذي يرفض ان يلمح او يصرح بموقفه من بقاء الشاهد، يعلم جيدا ان اي خيار يتخذه سيكون له تداعيات وخيمة على البلاد.
رفض القول بخروج الشاهد حتى للدوائر المقربة سببه تجنب التداعيات الاقتصادية لهذا الخيار، خاصة مع صندوق النقد الدولي ثانيها تجنب احترازات القوى الدولية التي ستنظر للخيار على انه انتصار للنجل على حساب الدولة التي سينظر اليها على انها «دولة العائلة» وهذا ما لا يرغب به الرئيس إطلاقا. والاصطفاف ضد الشاهد لن تنحصر تداعياته عند هذا الحد. كما ان الاصطفاف معه لن يحول دون أزمات قادمة أولها غضب اتحاد الشغل، وثانيها رد فعل نداء تونس.

هذه الاكراهات التي تحكم حركة الرئيس وهامش المناورة له صعب ان تدفعه في الاخير الى القول صراحة بان قصر قرطاج لن يكون مقرا لمناقشة مصير الحكومة، فالرئاسة غير معنية بهذا الملف، اي ان استئناف مفاوضات وثيقة قرطاج قد لا يحدث او يقع تمطيط اجل التعليق الى حين وجود حل.
التعقيدات في المشهد لا تقف عند الرئيس وكيف يغادر منطقة الازمة دون خسائر، فالأمر يشمل كل الفاعلين في المشهد دون استثناء، في ظل عجز الكل عن ضمان مخرج لا يمر عبر البرلمان، الذي يتجنب الجميع الذهاب اليه في ظل عدم وجود أغلبية تقف خلفه، وهذا يشرح حالة الانسداد التي تعيشها الساحة السياسية والبلاد عامة.
انسداد مرده ان كل طرف ظل على موقفه ويتعامل مع الازمة بمنطق ربح الوقت، وانتظار ما ستحمل الايام، حتى التحركات التي يجريها كل منهم لا تخرج عن هذا الاطار، بما في ذلك حكومة الشاهد التي قدم رئيسها جملة من التعهدات لا يبدو انه قادر عن تنفيذها اليوم في ظل تصدع التوازنات، لهذا فقد اجلت الحكومة التوجه للبرلمان بمشاريع الاصلاح المنتظرة والغت فكرة التوجه للمجلس لتجديد الثقة.

الامر ذاته ينطبق على نداء تونس رغم تسارع حركاته الأخير ودعوته لتأسيس جبهة إنقاذ وطنية تستهدف الحكومة، فانه عاجز عن جر الحكومة للبرلمان لأكثر من سبب أولها قانون الطوارئ وثانيها عدم توفير أغلبية بمقدورها سحب الثقة من الشاهد .
هذا المشهد المرتبك يشمل ايضا حركة النهضة التي ظلت صامدة خلال الاسابيع الفارطة عند موقف رفض التغيير الكلي للحكومة، لكن هذا الصمود سيكون له ثمن داخلي، فالحركة قد تجد نفسها في مواجهة اشد مع اتحاد الشغل والنداء في حال استمرار الركود في المشهد السياسي وعدم التوصل الى حل توافقي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115