Print this page

الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية: اعتبرتها «لعنة» و«عقوبة هجينة» لانعكاساتها المالية: عطل مرضية وساعات إضافية جزافية وغير قانونية.. «وُضِع على الذمة» ظاهرة متفشية...

• في وزارة التربية : 27.900 يوم عطلة ما يمثل 930 شهرا خالص الاجر سنة 2016

عطل مرضية طويلة المدى ، ساعات اضافية جزافية وغير قانونية ، 74 الف يوم عمل ضائع خلال سنة ، شهائد طبية مشكوك فيها ...ارتفاع عدد التقارير الرقابية لحالات الوضع على الذمة وعدم قانونية هذا الاجراء، في المقابل مواصلة هياكل عمومية العمل به ...كل هذه الاخلالات لها انعكاسات مالية هامة ...

لئن شدد رئيس الهيئة العليا للرقابة الادارية والمالية كمال العيادي في مستهل تقديم الدراسة التي اعدت حول الاخطاء الشائعة في مجال التصرف العمومي وسبل تلافيها ، على ان عرض الدراسة غير مرتبط بأي سياق اجتماعي او سياسي معين باعتبارها جاهزة منذ مدة، وان الاخطاء التي اختارت الهيئة تقديمها بتفاصيل وتمحورت حول عطل المرض والساعات الاضافية و الوضع على الذمة في القطاع العمومي، تحتكر نسبة كبيرة من الموارد وان التعرض لها من جانب الاسراف وسوء التصرف وليس من جانب المبدأ لانّ العطل من حق كل موظف، واعتماد وزارة التربية كعينة نظرا لتضمنها اكبر عدد من الموظفين..و ان الهدف من طرحها لا يدخل في خانة الشيطنة بل من اجل الاصلاح الا ان الارقام المقدمة بينت حجم كلفة سوء التصرف وأثرها المالي على ميزانية الدولة في هذا الجانب وكيفية استغلال الحقوق دون وجه حق...

96 بالمائة من العطل ... لشهائد طبية نفسية
اكد لطفي الخالدي خبير لدى الهيئة ان تناول بعض الاخلالات او الاخطاء الاكثر شيوعا في مجال التصرف في الموارد البشرية هي عطل المرض والساعات الاضافية، لا يمس من جوهر هذه الحقوق المضمونة للعون العمومي قانونيا بل ان الهدف الاساسي هو لفت النظر الى بعض حالات الاسراف في استعمال هذه الاليات والذي فيه اهدار للمال العام ، وبين ان الاخطاء المتصلة بالتصرف في عطل المرض والتي تنقسم الى قسمين عطل طويلة المدى وعطل مرض عادي علما وان هناك امراضا لم تعد موجودة مع ظهور امراض جديدة وهو ما يستوجب تغيير الامر المتعلق بتحديد عطلة المرض طويل الامد، وقد تعلقت الاخلالات بغيابات منتظمة لعطل طويلة الامد، عدم تسجيل عطل المرض لبعض الاعوان ، عدم الالتزام بالاجراءات الواجب اتباعها ، تسليم شهائد طبية على سبيل المجاملة وهي ظاهرة في ارتفاع متواصل لعدد من الشهائد الطبية النفسية وهي تمثل 96 بالمائة من عطل امراض طويلة المدى وهذا يحول دون القيام باجراءات المراقبة نظرا الى إمكانية مغادرة المريض المستشفى والمنزل ملاحظة اخرى ذكرها لطفي خالد وهي تسجيل ارتفاع متواصل لعدد الشهائد الطبية النفسية من اطباء الصحة النفسية وحضور نفس الاطباء في اللجنة الطبية الوطنية لعطل المرض طويل المدى.

حوالي 74 ألف يوم عمل ضائع
وجاء في توزيع العطل حسب اهم الوزارات ان في وزارة التربية خلال سنة 2016 تم تسجيل 27.900 يوم عطلة وهو ما يمثل 930 شهرا من العمل خالص الاجر، وزارة الصحة مثلا هناك 14.100 يوم عطلة وهو ما يمثل 470 شهرا من العمل خالص الاجر، وقدمت الهيئة خلال عرضها لدراسة عينة من تقارير الرقابة والتفقد لوزارة التربية خلال السنة الدراسية 2015 - 2016، ان 104 طبيبا قاموا بتقديم 24.631 شهادة طبية للمدرسيين، احد الاطباء سلم 1183 شهادة بمعدل 169 شهادة شهريا، عدد ايام العمل دون القيام بعمل فعلي 73.893 يوم -3ايام لكل شهادة طبية- ، ومجموع الاجور المدفوعة بعنوان عطل المرض دون عمل منجز فعليا تقدر بـ2.463 مليون دينار وذلك باحتساب معدل اجر شهري خام للمعلمين والاساتذة بـ 1000 دينار.
وأوصت الهيئة في هذا الجانب بتكليف اللجان الطبية الوزارية بدراسة كافة انواع عطل المرض الخاصة باعوان اللوزارة مع تقديم تركيبتها بأطباء مختصين...وأيضا بحذف الامراض التى لم تعد منتشرة مثل السل وتعويضه بامراض اخرى..

ساعات اضافية جزافية
الاخلال الثانى في مجال التصرف في الموارد البشرية يمس الساعات الاضافية والذي بين وفق لطفي الخالدى ارتفاعا في حجم الساعات الاضافية بسبب سوء توزيع الاعوان وارتفاع الغيابات بعنوان عطل المرض ، اسناد منحة ساعات العمل الاضافية لمن يتمتع بخطة وظيفية على خلاف النصوص الترتيبية ، احتساب الساعات الاضافية بصفة جزافية ، تمتع اعوان بمنح ساعات اضافية دون وجه حق خلال انتفاعهم بعطل راحة سنوية او مرض، او دون ربطها بانجاز فعلي للعمل وعلى سبيل المثال في مجال التعليم العالي تمتع بعض المدرسين القارين والمتعاقدين بمنح ساعات تدريس اضافية دون وجه حق وتمتع بعض المدرسين بمنح زائدة وعدم قيام المدرسين القارين والمتعاقدين بساعات التدريس الموجودة بجداول اوقاتهم بسبب الغياب وعدم تعويض الساعات التي تم التغيب عنها.

«لعنة» و«عقوبة»
وقد بلغت كلفة الساعات الاضافية وفق نفس المصدر سنة 2017 ، حوالي 95 مليون دينار مما يزيد في تضخم كتلة الاجور دون وجود معطيات موضوعية وفي بعض الاحيان دون احترم النصوص القانونية ، وتطور حجم منحة الساعات الاضافية بالنسبة لوزارة التربية من قرابة 4 مليون دينار سنة 2013 الى 62.5 مليون دينار سنة 2017. ودعت الهيئة في هذا الجانب الى ضرورة احترام قاعدة العمل المنجز وضرورة احترام احكام مجلة الشغل فيما يتعلق بمدة العمل الاسبوعية التي لا يمكن ان تتجاوز 60 ساعة .. اسناد منحة استراحة تعويضية بدلا عن منحة مالية لتخفيف الانعكاس المالي ...وقال في هذا الاطار رئيس الهيئة ان الهيئة لاحظت وجود مؤشرات واردة في تقارير الرقابة تدل على سوء استخدام هذه الحقوق ونتج عنها تجاوزات كبيرة وان المتضرر من ذلك المواطن، معتبرا ان عطل المرض «لعنة» و»عقوبة» للمسؤول الذي يريد العمل .
جانب اخر تعرضت له الهيئة لا يقل اهمية في اطار العشرة اخطاء الاكثر شيوعا في مجال التصرف في الموارد البرشية وهو «بدعة» الوضع على الذمة كما سبق وان وصفها رئيس الهيئة باعتباره اجراء يتعارض مع قانون الوظيفة العمومية وقواعد التصرف السليم

اكثر من 24 مليون دينار كلفة اجور الاعوان الموضوعين على الذمة
سامي قعيش مراقب عام مكلف بمأمورية بالهيئة افاد انه من خلال حصر 22 تقريرا تعرض الى حالة الوضع على الذمة لحوالي 6 وزارات و8 منشات عمومية ومؤسسة عمومية لا تكتسي صبغة ادارية ومؤسسة عمومية ذات صبغة ادارية ومؤسسة عمومية للصحة وشركة ذات مساهمة عمومية وجامعة رياضية وجرد لمختلف التقارير الصادرة عن دائرة المحاسبات بداية من 2004 الى 2016 وتقارير الرقابة والتفقد من سنة 2009 الى بداية 2018 ، تم استنتاج ارتفاع عدد التقارير التي تعرضت لمثل هذه الحالات بداية من 2009 ، وتم احتساب ما لا يقل عن 51 هيكلا معنية بالوضع عن الذمة ومنها وزارة الاشراف القطاعي، التجمع الدستوري الديمقراطي، الاتحاد التونسي للفلاحة، الاتحاد العام التونسي للشغل، منظمات وجمعيات رياضية... لجان وطنية، المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية إلا ان الاخطر هو «مستلزم خاص» كما وصف.

وشدد المتحدث نفسه على ان اكثر من 24 مليون دينار كلفة اجور الاعوان الموضوعين على الذمة وان هذا المبلغ قابل للارتفاع باعتبار انه اجراء مازال ساري المفعول ، وانه على سبيل المثال تحمل ديوان البحرية التجارية والموانئ مبلغ 3 مليون دينار بعنوان وضع عدد من اعوانه على ذمة مستلزم خاص.
ويبلغ عدد الاعوان وفق الدراسة 641 عونا موزعين بين اعوان تنفيذ وتسيير وإطارات وضعوا على الذمة لمدة تراوحت بين السنة و22 سنة، ولاحظت الدراسة ايضا وجود تفاوت هام من هيكل الى اخر ، مثال 279 عونا موضوعين على ذمة جمعيات من قبل وزارة التربية في موفى شهر جوان 2011.

انحراف بإجراءات الانتداب
وبالرغم من عدم قانونية هذا الاجراء ، يتم تمتيع الاعوان الموضوعين على الذمة بالحد الاقصى للتعويضات النقدية المرتبة عن الساعات الاضافية او صرفها بصفة جزافية وذلك في غياب اي وسيلة لمراقبة الانجاز الفعلي لها ، انتداب اعوان وقتيين او متعاقدين للعمل بالشركة ووضعهم على ذمة وزارة الاشراف القطاعي وهو ما يعتبر انحراف بإجراءات الانتداب... انتفاع عدد من الاعوان بمنح وامتيازات وخطط وظيفية ... مخالفة قانون الوظيفة العمومية ...

كل المناشير تدعو الى انهاء العمل بهذا الاجراء الا ان الواقع عكس ذلك وفق الهيئة بل هناك اسراف في استخدام الية الوضع على الذمة ، ودعت الى التخلي نهائيا عن هذا الاجراء والإسراع بتنقيح النظام الاساسي العام للوظيفة العمومية ولاعوان المنشات العمومية لإدراج حالة الوضع على الذمة كاحدى حالات الموظف او العون العمومي.
وتجدر اللاشارة الى ان الدراسة ذكرت الاخطاء الاكثر شيوعا في مجال التصرف في الصفقات العمومية ومنها عدم احكام تحديد الحاجيات وعدم التقيد بالاجراءات والمقتضيات التي تنص عليها النافسة النزيهة الى جانب ضعف المتابعة والمراقبة في تنفيذ الصفقات، فضلا عن اشكالية التصرف في اسطول السيارات من خلال عدم مسك ملفات ادرية محينة .

المشاركة في هذا المقال