Print this page

أزمة تعليق الدروس: الحكومة تستثمر في أخطاء الاتحاد...

«ستعرض نفسك لهزيمة ان لم تحدد وقت ومكان المعركة»،

هذه إحدى نصائح سون تزو، صاحب كتاب فن الحرب، الذي وضع منذ 2500 سنة، لكن يبدو أن لا احد من الفاعلين اليوم في أزمة التعليم الثانوي اتعظ بها فتجنب أن تندلع أزمة لن يغادر احد أرضها دون خسائر، اتحاد الشغل، الحكومة والاهم «التلاميذ».
ليس من المبالغة القول إن استمرار التأزم في ملف التعليم الثانوي يضع اتحاد الشغل في موقف غير محسود عليه، فأزمة تعليق الدروس التي انطلقت منذ يومين ستستمر وفق المؤشرات الأولية إلى اجل غير معلوم بدقة، قد يكون اليوم او بعد شهر.

فلا بوادر تلوح في الأفق لحل الأزمة، حكومة تشترط الجلوس إلى طاولة المفاوضات بإلغاء قرار حجب الإعداد وتعليق الدروس، في المقابل نقابة التعليم الثانوي ترفض إلغاء القرارين ما لم تحقق الوزارة مطالبها. في ظل تصعيد يعود بالملف إلى ما قبل تاريخ 17 أفريل الجاري، لكن بوقائع مختلفة.
الاختلاف لا يتعلق أساسا بموقف المركزية النقابية لاتحاد الشغل، فهي كانت ولا تزال تعاني من حرج بسبب قرارات نقابة التعليم الثانوي بحجب الإعداد وتعليق الدروس، بل بموقع المركزية التي تسعى لأن تتوسط لحل الأزمة، لتفادي ان يجر استمرارها إلى صدام مع الشارع.

لكن هذه المساعي لم تكن كافية في اليومين السابقين لحل الأزمة بل ولحلحلتها قليلا، فما تبحث عنه المركزية النقابية، لم تجده لدى حكومة الشاهد، ففي اللقاء الذي جمع الأمين العام بوزراء، كشف عن تصورات مختلفة لحل الأزمة، الاتحاد يريد استجابة لمطالب مع تعهد بمراجعة بعضها لخفض سقفها، والحكومة تريد إلغاء الحجب وتعليق الدروس قبل الجلوس إلى الطاولة.

أي أن الطرفين يقفان على النقيض تماما، دون ادنى استعداد لتنازل او تعديل الموقف، هذا الوضع أدرك به الاتحاد انه بات في موقع تفاوضي ضعيف، بعد أن لعب كل أوراقه دفعة واحد في نقاشات قرطاج، إن تعلق الأمر بالحكومة ومستقبلها. ليكون كمن يصدر حكما برحيل الحكومة مع مطالبتها بتلبية مطالبه.

هذا ما لم يحسب جيدا، حينما أعلنت نقابة الثانوي عن قرار تعليق الدروس، فهي ومن خلفها المركزية النقابية فاقدة لكل ورقات الضغط، بل إن محاولات الضغط من جانبهما على الحكومة ستعود عليه بالعكس، وهذا ما حدث. حيث دفعت الحكومة بشكل مباشر وغير مباشر نقابة الثانوي إلى التصعيد، وهي تعتزم عدم الاستجابة لمطالبها، إذ لا شيء قد يدفعها لفعل هذا.
بل ان من مصلحتها ان تتمسك برفض الاستجابة للمطالب، ودفع الطرف الاخر الى احد الخيارين، الاستجابة لشروطها والغاء قراري حجب الاعداد وتعليق الدروس للجلوس إلى طاولة تفاوض او الذهاب الى التصعيد اكثر وهذا سيعود بشكل عكسي على الاتحاد ونقابة الثانوي.

فالحكومة تدرك ان أيامها باتت معدودة، وان من سيتحمل المسؤولية سواء ببقائها او رحيلها هو الاتحاد، الذي سينظر اليه على انه من اعلن الحرب واختار التصعيد وارتهن مصير التلاميذ وعائلاتهم، وهذا استنزف من خزان شعبية المنظمة، كما انه سيعود بنتائج عكسية على نقابة الثانوي وقادتها، حيث سيتحملون مسؤولية اي نهاية سوداوية للسنة الدراسة.
هذه هي الصورة التي يدركها الجميع وان تجنبوا القول بها صراحة، الحكومة تستثمر في خطأ نقابة التعليم الثانوي وتصعيدها، ورئيسها بدوره يستثمر في هذا لعدة اسباب اقله دفع اتحاد الشغل الى الزاوية، عبر رفض الجلوس إلى طاولة المفاوضات حاليا، فالحكومة تعلن انها ستجلس للتفاوض ولكن ليس الان.

ليس الان معناه إلى حين تزايد الضغط على المركزية النقابة ونقابة الثانوي، ليكون أي حل تقدمه هو الأمثل والمقبول، فحكومة الشاهد تريد ان تضمن لنفسها احد القافلتين، اما خروج مع استثمار معركتها مع النقابات في اي مشروع سياسي قادم، في ظل ادراك بان شعبية الاتحاد مهددة، او البقاء مع خلق توازن جديد في العلاقة مع الاتحاد يجرد الاخير من الكثير من اوراق لعبته.

المشهد اليوم يمكن أن يختزل في القول باننا على أبواب تحديد أطر جديدة للعلاقة بين الاتحاد والحكومة سواء هذه أو القادمة.

المشاركة في هذا المقال