هيئة الحقيقة والكرامة : ماذا تخفي بن سدرين؟؟؟

يبدو ان هيئة الحقيقة والكرامة اختارت ان تدير «الأزمة» المتعلقة برفض المجلس تمديد اشغالها بطريقة مختلفة،

وهذه المرة الطريقة تقوم على الإيحاء لا التصريح، فالأعضاء المتبقون في مكتب الهيئة كلهم اتفقوا على ان تكون اجابتهم موحدة ان كان السؤال هل ستنتهي أشغال هيئتهم مع حلول الأول من جوان أم ستتواصل؟، ليكون الجواب، «ننتظر قرارا رسميا لنتفاعل معه». ليترك الباب مفتوحا على كل التأويلات.
يوم أمس عقدت هيئة الحقيقة والكرامة ندوة صحفية، عرضت فيها ما أنجزته من أعمال خلال مدة عملها، مع استعراض الصعوبات التي واجهتها، سواء الصادرة عن الدولة او الأفراد، لكن لم يكن هذا محور الندوة الرئيسي بل نتائج تصويت مجلس النواب القاضية التلميح برفض التمديد لأشغال الهيئة.
تقول رئيسة الهيئة سهام بن سدرين، التي كانت حاضرة في جلسات النقاش والتصويت الاثنتين بالمجلس، ان هيئة الحقيقة والكرامة مستمرة في أعمالها وقد أنجزت الكثير، الاستمرار في الاعمال لم تحدد الرئيسة ان كان الى نهاية شهر ماي القادم ام ما بعده، فالترميز والتلميح وتجنب الاجابات بشكل مباشر هما ورقة لتجنب التورط في موقف يلزم الهيئة ورئيستها في المرحلة الراهنة.

لكن تجنب الرد المباشر يقترن بالترميز والتلميح، واول الغيث، تشديد الهيئة على ان مسار العدالة الانتقالية « ليس مسار جهة معينة أو حزب ومؤسسة بل هو مسار مجتمع كامل، والمجتمع التونسي اختاره، هذا القول مراده التلميح الى ان الجهة صاحبة قرار الفصل هي «الشعب التونسي» الذي ينتصر للعدالة الانتقالية، لهذا لا يمكن إجهاض مسار العدالة الانتقالية «لأن أغلبية الشعب التونسي مع كشف الحقيقة والمساءلة وجبر ضرر الضحايا»، ودليل الهيئة هو استبيان قامت به بالتعاون مع المعهد الوطني للإحصاء يؤكد ذلك.

الشعب هو مصدر «السلطة»، والسلطة تمنح لمؤسسات بتفويض، وهيئة الحقيقة والكرامة فوضت من قبل الشعب عبر مجلسه التاسيسي في ان تشرف على مسار العدالة الانتقالية، لذلك فان للهيئة صلاحية في أعمالها، وهنا تشدد الهيئة على ان هذه الصلاحية حكر عليها وهي صلاحية مطلقة لها، وهذا يجعل من الجلسة البرلمانية، ونتائج التصويت غير ملزمة.
هذا ما لمح به ولم يقل صراحة، مثل قول ان اهم «تحدي لنجاح مسار العدالة الانتقالية» هو النأي به عن التجاذبات السياسية ووضعها في إطار استحقاق وطني. بهذا تنقل رئيسة الهيئة النقاش الى نقطة اخرى، وفق تقييمها، فالنقاش لم يعد يتعلق بالتمديد للهيئة بل بنجاح مسار العدالة الانتقالية، الذي تقدمت فيه الهيئة وبلغت مرحلة متقدمة من اعمالها، وهذا دفع البعض كما تلمح الى محاولة اجهاض المسار اما باستهداف الهيئة عبر قطع الطريق او باستعجال تقديم النتائج.

النتائج التي نفت رئيسة الهيئة ان يكون من بينها تقسيم للتونسيين، فهي تشدد على ان الهيئة «كشفت أن المجتمع التونسي ورث فروقات كبيرة والعدالة الانتقالية مهمّتها تجاوز هذه الفروقات» وان الاتهامات التي توجه لها باطلة خاطئة، لكن في ذات الوقت تنجرف الرئيسة في حماسة لتعلن ان «الشعب التونسي لن يسمح بإجهاض مسار العدالة الانتقالية وسيحمي الانتقال الديمقراطي».

اعلان جاء مع الاقرار بان قرار التمديد التي اتخذته الهيئة سببه العراقيل التي واجهتها من قبل عدد من مؤسسات الدولة التي «ترفض الصلح مع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان» رغم ان الدستور التونسي يلزم الدولة بذلك، عبر عدة اليات منها «تنفيذ البرنامج الشامل لجبر الضرر من خلال صندوق الكرامة»، هنا تنتقد بن سدرين الأمر الترتيبي المنظّم لهذا الصندوق الصادر عن حكومة الشاهد وتعتبره «لا يفي بالحاجة وفيه تنصّل من مسؤولية الدولة لما حدث من انتهاكات».

«لسنا طرفا في الجدل»
الحديث عن التمديد وقرار مجلس النواب يتواتر في الندوة الصحفية باستمرار ، حيث يشدد اعضاء الهيئة على انهم «ليسوا طرفا في الجدل بين أعضاء مجلس نواب الشعب» وانهم سيواصلون تطبيق القانون، دون ان يقع الحسم في كيفية ذلك، وترك الامر للتلميحات، ومنها ان الهيئة وفي قرار التمديد «لم تطلب اي ميزانية إضافية». بل هي حرصت على ان تنجز مهمتها للوصول الى الحقيقة، ولا شيء غير هذا.

فـ«الحقيقة هي الآلية التي تمكن تونس من المصالحة» والحقيقة والمساءلة هما السبيل لوقف «الإفلات من العقاب الذي يولد الكراهية»، لهذا الهيئة ستعمل على تحقيق ذلك في معالجتها للملفات ومساءلة من «أجرم في حق الشعب التونسي» حتى وان رفض البعض الحضور او انكروا ما نسب لهم، فان ملفاتهم ستحال الى القضاء .
ملفات قالت رئيسة الهيئة وهي تستعرض بعضها، في اطار تقديم ما حققته الهيئة من اعمال، من بينها تسجيل 62711 ملف شكوى والقيام بـ49070 ألف جلسة استماع سريّة، اضافة الى التقصي في 52864 ملفا وبالنظر في 4800 طلب استعجالي للعناية الفورية، هذا جزء مما انجزته الهيئة الذي تعتبر سهام بن سدرين ان استكماله بمثابة «نقطة انطلاق لبرنامج كامل لجبر ضرر الضحايا وإصلاح المؤسسات من أجل عدم تكرار الانتهاكات».

مضمون الندوة الصحفية التي جاءت يومين اثر قرار المجلس عدم التمديد لم يخرج عن هذا الاطار، ولا حتى الاجابات عن اسئلة الصحفيين، فاعضاء مكتب الهيئة تجنبوا الحسم في شان الجدل بشان استمرارهم الى ما بعد ماي القادم من عدمه، حيث تجنب الجميع القول صراحة انهم سينهون اعمالهم مع انتهاء الاجل الحالي مثلما تجنب القول بانهم سيستمرون فقط هم يعلنون انهم «سيطبقون القانون».

تطبيق القانون لا يعلم ما القصد منه هل هو تطبيق قرار المجلس ام الفصل 18 من قانون العدالة الانتقالية والارتكاز على ما تعلنه رئيسة الهيئة من ان من له «صلاحية تمديد الاجال هي الهيئة فقط»، ترك المجال للتخمينات وقراءة الفرضيات، يبدو انه خيار مدروس من قبل الهيئة واعضائها، فهم يريدون ان يظل المشهد مرتبكا، ربما يراهنون على نتائج الانتخابات البلدية وما ستحمله من تغيرات في الساحة قد تدفع الى خيار مغاير لما اتخذه المجلس.

مراهنة على ان يحمل القادم تغييرا هي الفرضية التي يراهن عليها من في الهيئة، فهم ووفق تصريحات جلهم، على غرار خالد الكريشي، لم يصلهم بعد قرار رسمي بانهاء اشغالهم في ماي، ليعلن عما سيقومون به، وفي انتظار القرار يجد اعضاء الهيئة انفسهم يقولون «ننتظر لنتفاعل» والتفاعل لا يحدد ان كان الاستجابة او الرفض ايضا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115