تحليل إخباري: اتحاد الشغل يرفع الورقة البرتقالية في وجه الحكومة

ثمة شيء هام قد حصل يوم أمس في سيدي بوزيد عندما أعلن الأمين العام لاتحاد الشغل السيد نور الدين الطبوبي

أمام المؤتمر الجهوي للاتحاد بأنه لم يعد بالإمكان الصمت أمام الإخفاقات المتتالية للحكومة من قوائم سوداء وتعطل آلية الإنتاج وتوقف الإصلاحات وأن مواطن خلل هيكلية قد أضحت واضحة اليوم في الأداء الحكومي مما يستوجب إصلاح الأخطاء بتغيير وزاري لا يشمل فقط بعض الوزراء ولكن كذلك بعض كبار المسؤولين في الدولة وضخ دماء جديدة كفأة لا تخضع لولاءات حزبية ضيقة حتى يتسنى إنقاذ البلاد ووضعها على الطريق السوي ..

وقد اعتبر بعض أعضاء المكتب التنفيذي للمنظمة الشغيلة أن البلاد لو تركت على هذه الحالة فانها تسير إلى الهاوية ..
وهذه هي أول مرة تعبّر فيها القيادة النقابية عن عدم ثقتها في الأداء الحكومي الحالي وبهذه الطريقة بالذات ..

لا نعتقد أن السيد نورالدين الطبوبي قد أراد من خلال هذا التشخيص القوي لوضع البلاد أن يستجيب فقط للأصوات الغاضبة داخل الاتحاد والداعية منذ مدة إلى مغادرة وثيقة قرطاج. ولا أن الاتحاد يريد زعزعة الاستقرار السياسي..
لقد نطق الأمين العام لاتحاد الشغل بما يشعر به جزء هام من التونسيين : البلاد لا تتقدم في الطريق الصحيح وإدارة الأزمات ضعيفة والحكومة الحالية في ملفات هامة ،تبدو وكأنها في حالة ذهول ..

ولسنا ندري دوما بالضبط هل تعود هذه العطالة إلى الوضع العام المعقد للبلاد والذي يجعل من حكمها معادلة شبه مستحيلة أم إلى غياب رؤية عامة للإصلاحات الضرورية للبلاد وللمشروع الجماعي الذي نريد انجازه أم إلى ضعف الحوكمة الحكومية وعدم الكفاءة التسييرية (لا الشخصية) لعدد من المسؤولين اليوم ؟..
لعل الجواب الأقرب للتوصيف النزيه هو خليط من هذا كلّه ولكن في كل الأحوال لا يمكن أن تتواصل الأخطاء وألا يتحمل احد مسؤوليتها باستثناء محافظ البنك المركزي السابق السيد الشاذلي العياري ..

مزية الورقة البرتقالية التي رفعها اتحاد الشغل في وجه الحكومة رغم انه وبشهادة الجميع يعتبر الداعم الأقوى لها هي أن نقف على حقيقة أوضاعنا الحالية بدلا من التمادي في سياسة الهروب إلى الإمام وربح الوقت ..
إن الخوف المفرط من ارتكاب الأخطاء يوقعنا في خطا قاتل : الجمود وغياب الجرأة والاكتفاء بتصريف الأعمال ..

هل العيب في الحكومة أم في بعض مكوناتها ؟
في الحقيقة لا ندري ونرجح أن العيب هو في حوكمة البلاد وفي الطريقة التي تتصرف بها السلطة الحاكمة المنبثقة عن انتخابات 2014 خلال هذه العهدة ..سلطة انغمست في حالات عديدة في صغائر الأمور وفي حرب تموقعات قاتلة داخلها بدلا من اقتراح مشروع طموح للبلاد..والنتيجة أنّنا كدنا نقتل الحلم وكدنا نفقد بصفة نهائية الحالمين بتونس فالحل اليوم بالنسبة لأعداد وفئات متعاظمة هو خارج تونس لا بالضرورة جغرافيا بل تونس كهوية جماعية تقود لطموح مستقبلي مشترك ..
ولعل الخطأ القاتل لهذه الحكومة هو عدم قدرتها على تحويل الأمل الذي أيقظته منذ أشهر ببداية حربها على الفساد إلى أمل دائم والى سياسات عمومية عامة ودافعة.. لا أحد فينا اليوم يحلم بتونس بعد عقد أو عقدين من الزمن .. ويخطئ من يعتقد أن إنتاج الحلم هو سياسة اتصالية وعرض نفس الأرقام ونفس الوصفات القديمة ولكن ببرمجيات وإخراج جديدين ..
وعليه فالعجز عن إنتاج حلم جماعي هو كذلك مسؤولية جماعية ،مسؤولية السلطة الحاكمة بكل مكوناتها أساسا ولكن أيضا مسؤولية كل النخب الفكرية والثقافية والسياسية والجمعياتية والنقابية والشبابية والإعلامية ..

لا أحد سيخرج منتصرا من هذا الإخفاق الجماعي ففي بلد لا يوجد فيه مشروع طموح للمستقبل والطلبات والمطالبات فيه أكثر بكثير من الإمكانيات والاحتجاج يطغى فيه على العمل والزبونية على الأفكار والتقزيم المستمر لكل جهد على البناء المشترك مهما كان منقوصا ..في بلد كهذا لن يغير شيئا يذكر تغيير وزير أو مسؤول سام ولا حتى تغيير حكومة بأسرها أو أغلبية حاكمة بأخرى ..

الجسم الجماعي تماما كالجسم الفردي فيه عناصر حياة وموت فنحن كما يقول الفلاسفة القدامى في عالم «الكون والفساد» أي النشأة والفناء بصورة تبسيطية والأساسي هو المحصلة في جدلية الحياة هذه وهل هي صاعدة أم نازلة ..
في تونس اليوم عوامل التفكك ومعاوله(أي الموت في النهاية) بصدد الاشتغال بأقصى سرعة لا لضعف العناصر الموضوعية للحياة في بلادنا ولكن لشبه إجماعنا على قتل كل بوادر الأمل الجماعي .
هكذا نريد أن نفهم الورقة البرتقالية التي رفعها اتحاد الشغل ..إنّها الورقة الأخيرة قبل جحيم الورقة الحمراء ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115