إذ سيصبح نشر عمليات نوايا التصويت ممنوعا قانونا انطلاقا من يوم الخميس 15 فيفري الجاري .
أما الملاحظات الأساسية وقبل أن يتوضح العرض الانتخابي بعد تقديم القائمات فهو تراجع حاد في نوايا التصويت المصرح بها (%19.2 فقط من الجسم الانتخابي) وتراجع هام لنداء تونس يجعله ،تقريبا، في متناول حركة النهضة (%29.7 للأول و%28.9 للثاني من مجموع نوايا التصويت المصرح بها في حين تتقدم الجبهة الشعبية بوضوح على التيار الديمقراطي (%9 للأولى و%6.1 للثانية).
أما في الرئاسية فترتفع نسبة نوايا التصويت المصرح بها إلى %34.4 وتضيق كذلك المسافات بين الثالوث الأول : الباجي قائد السبسي بـ%19.6 والمنصف المرزوقي بـ%15.9 ويوسف الشاهد بـ%15.8.
يبرز التحقيق الميداني المجرى على عينة تتكون من ألفي شخص في سن الانتخاب تراجعا حادا لنوايا التصويت المصرح بها إذ تنزل تحت عتبة خمس المستجوبين (%19.2) دون أن يعني ذلك ضرورة حصول عزوف عن التصويت بنسبة %80.8 إذ نجد أن الذين يصرحون بأنهم لن يصوتوا لأحد لا يتجاوزون الثلث (%33.2) بينما يعبر %37.5 بأنهم لا يعلمون هل سيصوتون أم لا وإن صوتوا فلأي قائمة ستذهب أصواتهم بينما يرفض %10 من العينة الإجابة عن أسئلتنا ..
وما ينبغي التشديد عليه هنا هو أننا أمام نوايا تصويت عفوية (دون احتمالات مسبقة) ودون أن يتوضح كذلك العرض الانتخابي المخصوص في كل دائرة بلدية وهذا يعني أن اتضاح الشكل النهائي في كل دائرة سواء كان بنوعية القوائم المترشحة أو بنوعية الأفراد الذين يكونون هذه القائمات فإننا سنجد أنفسنا ضرورة أمام تحولات في نوايا التصويت لا يمكننا أن نستبقها منذ الآن ..
ويمكننا أن نقول كذلك أن ازدياد نسبة التأرجح والشك تضر بالأساس قائمات نداء تونس التي تراجعت لأول مرة تحت سقف نصف مليون ناخب مفترض (467.400) بينما تجاوزت المليون صوت أو قاربته في جل سبر أراء نوايا التصويت الفارطة..
وشاهدنا تراجعا أيضا لحركة النهضة على مستوى عدد الأصوات الإجمالي ولكن الصمود الانتخابي للحركة الإسلامية أقوى من حليفها /غريمها نداء تونس وهذا ما جعل الفارق بينهما ينزل دون النقطة الواحدة إذ يستحيل علينا وفق هذه الأرقام التكهن بصاحب المرتبة الأولى..كل ما نعرفه إلى حدّ الآن ،أن النداء والنهضة يتنافسان بكل قوة على المرتبة الأولى وأنهما يتقدمان على صاحب المرتبة الثالثة ،الجبهة الشعبية ،بعشرين نقطة كاملة ..
من جهة أخرى يبدو أن الجبهة الشعبية قد حسمت الصراع على المرتبة الثالثة إذ عمقت الفارق بينها وبين التيار الديمقراطي إلى حوالي ثلاث نقاط كاملة (%9.0 للجبهة مقابل %6.1 للتيار) في حين يختتم آفاق تونس خماسي الطليعة بـ%3.0 وهكذا تكون كل الأحزاب الأخرى دون العتبة الرمزية لـ%3 المؤهلة وحدها ،في كل دائرة على حدة ،للحصول على مقاعد بالمجالس البلدية القادمة ..
وينبغي هنا أن نلاحظ التقدم الكبير الذي أحرزه الحزب الدستوري الحرّ برئاسة عبير موسي الذي ينتقل في شهرين فقط من المرتبة الحادية عشرة وبرصيد %0.9 من نوايا التصويت إلى المرتبة السادسة بـ%2.9 من نوايا التصويت وهو التقدم الأهم لما يمكن أن نسميهم – إلى حدّ الآن – بالأحزاب الصغيرة .
ملاحظة هامة نسوقها كذلك وهي المتعلقة بالائتلاف المدني المتكون من أحد عشر حزبا مع مجموعة من المستقلين فهو لا يكاد يرد في الإجابات التلقائية للمستجوبين ولكن ترد بعض الأحزاب المكونة له كآفاق والمبادرة والجمهوري وحركة مشروع تونس والبديل التونسي، وهذا يعني أن هوية الأحزاب المشكلة لهذا الائتلاف أقوى بكثير من الائتلاف ذاته ..
الشمال للنداء والجنوب للنهضة والوسط منقسم
لا تمكننا عملية سبر الآراء هذه التي قمنا بها من تحديد موازين القوى السياسية على مستوى كل بلدية أو حتى كل ولاية بدقة إذ ينبغي لذلك حدّ أدنى كمّي لم نحرص عليه هذه المرة ولكنها تعطينا صورة عن التوازنات السياسية على مستوى جهوي..
ويمكننا أن نسوق هنا بعض الملاحظات :
فوز ساحق للنهضة في الجنوب :
إذ تحصل الحركة الإسلامية على %54.6 من نوايا التصويت في الجنوب الشرقي (قابس ومدنين وتطاوين ) و%62.9 في الجنوب الغربي (قفصة وتوزر وقبلي ) في حين لا يتحصل النداء إلا على %14.4 في الجنوب الشرقي و%15.9 في الجنوب الغربي وهذا ينبئ باكتساح نهضوي للغالبية العظمى من بلديات كل ولايات الجنوب ..
أسبقية طفيفة للنهضة في الوسط
تتقدم النهضة بصفة نسبية على نداء تونس في ولايات الوسط الغربي (القيروان وسيدي وزيد والقصرين ) بـ%32.3 مقابل 26.7 للنداء ونجد صورة معاكسة لهذا في ولايات الوسط الشرقي (سوسة والمنستير والمهدية) حيث يتقدم النداء بـ%35.7 من نوايا التصويت على النهضة التي تحصد %32.5.
أما في ولاية صفاقس فالغلبة واضحة للنهضة بـ%46.4 مقابل النداء الذي لا يحصل الا على %35.7
تونس الكبرى تبقى ندائية
بـ%33.7 في حين لا تحقق النهضة سوى %22.3
الشمال الشرقي للنداء والتعادل في الشمال الغربي
يحقق النداء تفوقه الكبير في ولايات الشمال الشرقي (بنزرت وزغوان ونابل ) بـ%44.1 بينما تنهار النهضة ولا تحصل إلا على %8.9 فقط. أما في الشمال الغربي (باجة سليانة والكاف وجندوبة) فالتعادل هو المخيم على المباراة بـ%25.8 للنداء و%26.3 للنهضة .
هذه الصورة الإجمالية للتنافس الندائي النهضوي في مختلف جهات البلاد ولسنا ندري هل أن تراجع النداء سيستمر أم لا خلال الفترة الانتخابية وهكذا سنكون أمام انتصار نهضوي لا غبار عليه أم أن الديناميكية الانتخابية ستعيد الروح للآلة الندائية للحدّ من الخسائر في الأماكن التي تشكو فيها من بعض نقاط الضعف ولتدعيم تفوقها في المعاقل التي أضحت تقليدية بالنسبة لها كولايات الساحل مثلا ..
في حظوظ القائمات الأخرى
تحقق الجبهة الشعبية أفضل نتائجها في صفاقس (%15.6) وفي الوسط الغربي (%16.9) وهي تتجاوز عتبة %10 في الشمال الغربي (%11.3) والوسط الشرقي(%10.4) في حين تكون نتائجها ضعيفة نسبيا في الشمال الشرقي (%4.5) والجنوب الغربي (%4) ولكن نعتقد أن رهان الجبهة الشعبية الأساسي يبقى في تجاوز عتبة %3 في كل بلدية على حدة حتى يكون لها اكبر عدد ممكن من المستشارين البلديين ..
أما التيار الديمقراطي فنقاط قوته الأساسية في صفاقس بـ%15 وتونس الكبرى %13.4 وللتيار الديمقراطي نفس رهان الجبهة الشعبية : الفوز بأكبر عدد ممكن من المستشارين ..
ويحقق آفاق تونس أفضل نتائجه في الشمال الشرقي (%5.9) والوسط الشرقي (%4.7) وتونس الكبرى (%4.3) ..
الحزب الدستوري الحر يتمكن من تجاوز عتبة %10 في جهة واحدة : الشمال الغربي بـ%10.8 وفي نفس الجهة يحقق الجمهوري %8.5 أما حراك تونس الإرادة فله بعض الحظوظ في صفاقس بـ%8.9 والجنوب الشرقي بـ%5.2..
ويحافظ تيار المحبة على بعض الوجود في صفاقس بـ%6.7 والوسط الغربي بـ%3.1..
أما بقية الأحزاب فحظوظها ضعيفة وهي ستجد صعوبات جمة للحصول على بعض المقاعد خاصة عندما نضع في الحسبان عتبة %3 التي يفرضها القانون الانتخابي والتي بدونها لا يتم احتساب الأصوات التي تحصلت عليها القائمة ..
المشهد الذي يصوره سبر الآراء هذا هو مواصلة هيمنة النداء والنهضة على المعادلة السياسية واحتمال فوزهما بالأغلبية الساحقة للانتخابات مع وجود متواضع وأحيانا هامّ لبعض أحزاب المعارضة والتي قد تلعب دور الحكم هنا او هناك لتحديد لون الأغلبية البلدية خاصة في ولايات الوسط والشمال الغربي ..
الرئاسية – الثالوث : قائد السبسي والمرزوقي والشاهد
لو حصلت انتخابات رئاسية اليوم فسيتشكل ثالوث الطليعة من الباجي قائد السبسي (%19.6) والمنصف المرزوقي (%15.9) ويوسف الشاهد (%15.8) أي أن اثنين منهم سيتنافسان على الفوز في الدور الثاني وإن كان رئيس الدولة الحالي مازال في صدارة الترتيب إلا أن ضعف الفارق بينه وبين صاحب المرتبة الثالثة لا يسمح لنا بالجزم ولو بهوية واحد من الثلاثة للتأهل للدور الثاني ..
اللافت للانتباه هو خسارة الباجي قائد السبسي لأكثر من 400.000 صوت في نوايا التصويت خلال شهرين فقط تماما كما حصل لنداء تونس في البلدية ولا نعلم هل أن هذا التراجع سيستمر أم أن ديناميكية الحملة الانتخابية ستوقفه بفعل عنصر الاستقطاب الذي سيدخل مجددا على الخط..
ولكن يمتاز نداء تونس على كل منافسيه في الانتخابات الرئاسية – لحدّ اليوم - بأنه يتوفر على مرشحين (رئيس الدولة ورئيس الحكومة) ضمن ثلاثي الطليعة ويبعد عشر نقاط كاملة عن كوكبة الملاحقين والتي يتزعمها حمّة الهمامي (%5.3) متبوعا بمهدي جمعة (%3.9) ..
واللافت للنظر هو أن المنصف المرزوقي ولحركة النهضة نفس السوسيولوجيا الانتخابية فالمرزوقي يفوز فوزا ساحقا في كل ولايات الجنوب وفوزه واضح كذلك في صفاقس والى حدّ ما في الوسط الغربي مع انهيار شبه كلي في الوسط الشرقي وفي الشمال الغربي..
نحن أمام معطى هام في السوسيولوجيا الانتخابية يقول بأن هنالك المئات من الآلاف من الناخبين يصوتون للنهضة في انتخابات الأحزاب والقائمات (التشريعية والبلدية) وللمنصف المرزوقي في الانتخابات الرئاسية
والسؤال الذي لا يمكننا أن نجيب عنه بوضوح قاطع هو هل نحن امام قاعدة انتخابية نهضوية تصوت لحزبها وتعاقب قياداته أم أمام قاعدة انتخابية ذات ميولات اسلاموية ومعادية للمنظومة القديمة تصوت للنهضة كحزب ولممثل القطيعة مع المنظومة القديمة كشخص ولعل الأرجح أننا أمام هاذين البعدين معا ..
لاشك أن بلادنا دخلت منذ الآن في ماراتون انتخابي لن ينتهي قبل نهاية السنة القادمة ،اذ الرهان اليوم هو في حسن التموقع في الانتخابات البلدية وفي تحقيق إما نصر كاسح او معاقل جزئية قصد حسن الاستعداد للانتخابات العامة في 2019 وسوف نرى تطور ثلاثة أصناف من الاستراتيجيات : صنف يراهن على الفوز في التشريعية لمسك المقود حتى في صورة هزيمة في الرئاسية (النهضة) وصنف يراهن على الفوز في الاثنين معا (النداء) وصنف ثالث يمني النفس بالفوز بقصر قرطاج وإعادة ترتيب الحياة السياسية وفق هذا المعطى الجديد..
الآن ستبدأ الفترة الانتخابية وسوف نجد جوابا أوليا خلال الأيام القليلة القادمة حول حسن استعداد الأحزاب من عدمه عندما يفتح باب تقديم القوائم يوم 15 فيفري وبعد ذلك سيكون الحسم في الصندوق يوم 6 ماي 2018 الذي سيحدد بشكل كبير المآلات والمناخات السياسية والانتخابية للسنة القادمة ..
الجذاذة التقنية للدراسة
مجتمع الدراسة : افراد تونسيون يقطنون التراب التونسي ممن هم في سنّ 18 سنة فاكثر ومن جميع الولايات
تصميم العينة : تم سحب العينة بطريقة عشوائية وممثلة للمجتمع حسب طريقة الطبقية العنقودية
العينة : 2000
نسبة الخطأ القصوى :% 2.2 +
وحدات المعاينة (مقاطعة ) : 200 مقاطعة (عمادات )
تاريخ القيام بالاستطلاع : من 26 ديسمبر 2017 الى 20 جانفي 2018
طريقة الاستجواب : المقابلة المباشرة في منازل المستجوبين
اختيار المستجوبين داخل المنازل : عشوائيا حسب طريقة جدول كيش