بعد قرار مكتب المجلس تسريع النظر في مبادرة تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني: في ظل التجارب الفاشلة سابقا، تخوّفات من إفراغ مشروع القانون من محتواه..

مع قرار مكتب المجلس بتسريع النظر في مشروع قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني المتمثل في شكل مبادرة تشريعية

مقدمة من قبل كتلة الجبهة الشعبية، يبقى السؤال المطروح حول مدى التزام الكتل البرلمانية خصوصا منها الأكثر تمثيلا في البرلمان بتمرير مشروع القانون، ومدى التزامها بعدم التخفيف من وطأة مضمونه. كل هذه التخوفات أبرزتها المعارضة في ظل وجود تجارب سابقة مماثلة باءت بالفشل، في انتظار التأكيد خلال الجلسة العامة.
عاد الجدل من جديد وسط مجلس نواب الشعب، بخصوص المصادقة على مشروع قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، على خلفية إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل. وبالرغم من مساندة البرلمان للقضية الفلسطينية من خلال بيان شديد اللهجة يطالب فيه البرلمانات العربية والأوروبية وحتى الكونغرس الأمريكي بالتحرك ضد هذا الإعلان، إلا أن نواب الشعب ومن مختلف الكتل البرلمانية قاموا بصياغة عريضة لمطالبة المجلس بالتسريع في تمرير مشروع القانون المتعلق بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، وإحالته على اللجان المعنية للنظر فيه، ثم تمريره إلى الجلسة العامة.

أمام فشل المبادرات السابقة
مكتب المجلس استجاب فعلا لهذا المطلب في اجتماعه الأخير يوم 21 ديسمبر 2017، حيث تم التأكيد على أنه تمت برمجته في روزنامة الجلسات العامة للمجلس في المدة القادمة، والمقدر أن تكون  يوم 20 فيفري 2018. هذه المبادرة ليست الأولى من نوعها سواء في أشغال المجلس الوطني التأسيسي أو مجلس نواب الشعب حاليا، لكن الجديد في المسألة برمتها أن المبادرة هذه المرة لم تنطلق من طيف سياسي بعينه أو كتلة برلمانية بمفردها، فتسعون نائبا من المعارضة والأحزاب الحاكمة على عكس ما حصل سابقا سواء خلال مناقشة مشروع دستور سنة 2014، حيث أثار حينها أثار رفض المجلس التأسيسي المناقشة والمصادقة على مبدأ تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني جدلا في الأوساط السياسية وتبادل الاتهامات بين مختلف الأحزاب الممثلة في البرلمان حينها. وفي نفس تلك الفترة تقريبا، تقدم 90 نائباً تونسياً في ماي 2014 على عريضة تقودها حركة وفاء، من أجل تسريع تمرير قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، إلا أنها عرفت نفس مآل المناقشات السابقة في الدستور.

لكن في المقابل، شهد مجلس نواب الشعب الحالي تطورا جذريا في المواقف بخصوص القضية الفلسطينية، خصوصا في شهر سبتمبر 2016، حين صادق مجلس النواب على لائحة قدمتها كتلة حركة النهضة لكسر الحصار على غزة ودعم القضية الفلسطينية، حيث حظيت بموافقة كل الأطياف والانتماءات الحزبية داخل البرلمان. هذه اللائحة، وإن تمت المصادقة عليها حينها باجماع الحاضرين إلا أنها أثارت استغراب المعارضة وأهمها كتلة الجبهة الشعبية باعتبار أنها سبق وأن قدمت مبادرة تشريعية تتعلق بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني منذ 31ديسمبر 2015 من قبل نواب الجبهة وهم كل من أحمد الصديق، الجيلاني الهمامي، أيمن علوي، زياد الأخضر، سعاد البيولي، شفيق العيادي، طارق البراق، عبد المؤمن بلعانس، عمار عمروسية، فتحي الشامخي، مباركة عوائنية، مراد الحمايدي، المنجي الرحوي، نزار عمامي، هيكل بلقاسم.

مضمون مشروع القانون
المبادرة التشريعية المحالة على أنظار لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية منذ 2015، لم يتم برمجتها في روزنامة عمل اللجنة بل دائما ما كانت تؤجل على حساب مشاريع قوانين أخرى. وتضم المبادرة 6 فصول فقط، تنص بالأساس على أنه يعد مرتكبا لجريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني كل من قام أو شارك أو حاول ارتكاب عمليات الاتجار والتعاقد والتعاون والمبادلات و التحويلات بكل أنواعها التجارية والصناعية والحرفية والمهنية والمالية والخدمية والثقافية والعلمية بمقابل أو بدونه بصفة عرضية أو متواترة وبشكل أو عبر وساطة من قبل الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين من ذوي الجنسية التونسية مهما كان مكان إقامتهم والأشخاص الطبيعيين والأشخاص المعنويين المقيمين بالجمهورية التونسية سواء كانت إقامتهم مؤقتة أو دائمة مع كل الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الذين لهم علاقة مهما كانت طبيعتها مع مؤسسات دولة إسرائيل الحكومية وغير الحكومية العمومية والخاصة. بالإضافة إلى المشاركة بأي شكل من الأشكال في الأنشطة والفعاليات والتظاهرات والملتقيات والمعارض والمسابقات بأنواعها السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية والفنية والرياضية التي تقام على الإقليم الذي تحتله وتتحكم فيه سلطات دولة إسرائيل الحكومية وغير الحكومية سواء كانت عمومية أو خاصة من الذوات الطبيعيين أو المعنويين خارج إقليم دولة إسرائيل.

ويعتبر على معنى هذا القانون مشاركا في التطبيع مع الكيان الصهيوني وتنطبق عليه مقتضيات الفصل 32 من المجلة الجزائية، ومحاولا لارتكاب جريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني و تنطبق عليه مقتضيات 59 من المجلة الجزائية. ويعاقب مرتكب جريمة التطبيع بالسجن لمدّة تترواح بين سنتين وخمس سنوات وبغرامة تترواح بين عشرة آلاف دينار ومائة ألف دينار. ويجوز للمحكمة بالإضافة إلى العقوبة الأصلية المذكورة أن تحكم على المدانين بإحدى العقوبات التكميلية المنصوص عليها بالفصل 5 من المجلة الجزائية، على أن تختص المحكمة الابتدائية بتونس دون سواها من المحاكم العدلية والعسكرية بالنظر في الجرائم المنصوص عليها بهذا القانون، على أن يسقط التتبع في الجرائم المنصوص عليها بمرور خمس سنوات من تاريخ ارتكابها، ويسقط العقاب المحكوم به بعد مضي عشرة أعوام من تاريخ صدور الحكم.

تخوفات من إفراغ المشروع من محتواه
التحدي الأكبر حاليا يكمن في المصادقة على المبادرة التشريعية، أو أن نفس السيناريو سيعاد من جديد وتسحب الكتل الأكثر تمثيلا في البرلمان وأهمها كتلة حركة النهضة وكتلة نداء تونس البساط من المعارضة، أو كأقصى حد تعديل المبادرة التشريعية وإفراغها من محتواها. كل هذه التخوفات أبرزتها المعارضة من خلال تصريحاتها ومن بينهم النائب عن الجبهة الجيلاني الهمامي الذي أكد لـ«المغرب» أنه لا يتصور أن يتم رفض التصويت على مشروع القانون بالنظر إلى حساسية المسألة في مثل هذا الظرف بالذات. وأضاف أن كل من سيرفض التصويت سيكون محرجا أمام الرأي العام المتحمس للقضية الفلسطينية. لكن في نفس الوقت، بين الهمامي أنه من الممكن أن تقع بعض الضغوط للتخفيف من محتوى المشروع، ومن جهة أخرى فإن برمجة النظر في هذا المشروع الذي ظل على الرفوف منذر ديسمبر 2015 ليوم 20 فيفري القادم ليس بريئا، وفيه محاولة لتهدئة خواطر الرأي العام الضاغط من أجل التسريع بسن هذا القانون وسحب البساط من تحت القوى الداعمة بقوة لتجريم التطبيع وفي نفس الوقت اخذ مهلة طويلة نسبية للشروع في نقاشه عسى أن تمر موجة الضغط الحالية.

في المقابل، فقد أعلنت كافة الكتل البرلمانية مساندتها لهذه المبادرة، في انتظار التأكيد الرسمي فور انطلاق لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية في مناقشة مشروع القانون فصلا فصلا وعقد جلسات الاستماع بخصوصه قبل مروره إلى الجلسة العامة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115