خاص: الباروميتر السياسي لشهر ديسمبر 2017 78،1 ٪ تونس تسير في الطريق الخطأ

قراءة وتحليل زياد كريشان: 

أكد الباروميتر السياسي لشهر ديسمبر 2017 الاتجاهات العامة للحالة النفسية لعموم التونسيين فالتشاؤم ما زال في مستوى مرتفع للغاية ويهم

حوالي أربعة أخماس التونسيين (%78.1) وبمستوى مماثل لما شهدناه في الشهر الفارط كما نلاحظ فيه ارتفاعا نسبيا لمنسوب الثقة في رأسي السلطة التنفيذية وتواصل صعود نجم يوسف الشاهد الذي بدأ في إحداث بعض الفارق مع ملاحقته الرئيسية في مؤشر الثقة في الشخصيات السياسية والمستقبل السياسي ونقصد بها بطبيعة الحال النائبة سامية عبو عن التيار الديمقراطي

للشهر الثاني على التوالي يبقى منسوب التشاؤم مرتفعا جدا عند التونسيين إذ يعتبر حوالي %80 منهم (%78.1 تحديدا) أن البلاد تسير في الطريق الخطأ ..

بمثل هذا المستوى من التشاؤم لا نجد أية فئة أو جهة أو شريحة اجتماعية أو عمرية يغلب عنها التفاؤل فكلنا في التشاؤم تونس إن جاز لنا التعبير ورغم هذا فبعض الشرائح والفئات أكثر تشاؤما من غيرها فالشمال الشرقي (بنزرت وزغوان ونابل) يحتل طليعة الترتيب في الجهات بـ%83.1 والنساء أكثر تشاؤما من الرجال (%83.5 للنساء مقابل %73.9 للرجال) والطبقة الشعبية هي بدورها الأكثر تشاؤما على مستوى الفئات الاجتماعية (%84.4)..

أما الرقم القياسي في التشاؤم فكان من نصيب الشريحة العمرية 26 - 30 سنة بـ%89 كما أن أصحاب مستوى التعليم العالي هم الأكثر تشاؤما حسب التقسيم المعرفي (%80.1)
وهذا يعطينا نموذجا نظريا للمتشائم التونسي : امرأة شابة ما بين 26 و30 سنة من أهالي ولايات الشمال الشرقي تنتمي للطبقة الشعبية ولديها مستوى تعليم عالي..
أما نموذج «المتفائل» التونسي أو بالأحرى الأقل تشاؤما من غيره فهو رجل تجاوز الستين من عمره من أهالي الجنوب الغربي (قفصة وتوزر وقبلي) من الطبقة المرفهة ومن أصحاب مستوى التعليم الابتدائي .

ارتفاع نسبي للرضا عن رأسي السلطة التنفيذية
هنالك مفارقات عديدة في عالم المخيال الجماعي منها تشاؤم عام وتوجس كبير على مآل البلاد ولكن في نفس الوقت رضا هام عن أداء رأسي السلطة التنفيذية بل نجد أن يوسف الشاهد يحقق خلال هذا الشهر أفضل نسبة له منذ أن عيّن في القصبة (%81.7) وهو يضع بذلك حدّا للتراجع الطفيف الذي سجله في الأشهر الثلاثة الأخيرة محققا قفزة بخمس نقاط (%5.1) وبمنسوب ثقة عالية جدّا مرتفع (%36) مقابل %10.1 فقط لا يثقون فيه بالمرة وهذا يعني حصول نوع من الوشائج بين رئيس الحكومة وجزء من الرأي العام وذلك رغم عدم الرضا عن أداء الحكومة كما سنرى ذلك لاحقا وخاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي.
ولقد حقق رئيس الجمهورية بدوره قفزة بثلاث نقاط ليعود من جديد إلى منسوب رضا ايجابي (%50.3) ولكن على عكس يوسف الشاهد فنسبة الذين لا يثقون بالمرة في رئيس الجمهورية ارفع بكثير من نسبة الذين يثقون فيه بصفة كبيرة (%31 مقابل %13.7)
ولعل التفسير الأقرب لهذا الفارق في الرضا بين رأسي السلطة التنفيذية هو أن التونسيين يحملون رئيس الدولة المسؤولية الفعلية للسياسات العمومية وللوضع العام في البلاد بينما يعتقدون أن يوسف الشاهد سياسي شاب يحاول الإصلاح ما أمكن دون أن تكون لديه مقاليد الحكم الفعلية..أي أنه لا وجود لرأسين في السلطة التنفيذية بالنسبة لأغلبية التونسيين بل رأس واحد وهذا الرأس هو رئيس الدولة بلا منازع..

مؤشر الثقة الكبيرة في السياسيين : خماسي الطليعة وخماسي المؤخرة
نوضّح مرة أخرى للسيدات والسادة القراء بأن قائمة السياسيين في مؤشري الثقة الكبيرة والمستقبل السياسي يتم تحيينها كل ثلاثة أشهر عبر دراسة دورية لضبط قائمة الشخصيات العامة المعروفة لدى التونسيين أكثر من غيرها.
لا جديد في ترتيب خماسي الطليعة في مؤشر الثقة الكبيرة مقارنة بالشهر الفارط إذ نجد دوما في الطليعة يوسف الشاهد بـ%42 فسامية عبو (%39) ثم ناجي جلول (%30) فالصافي سعيد (%28) وعبد الفتاح مورو بـ%28 كذلك..
ولكن الجديد هو أن ثنائي المقدمة قد عمّق الفارق بينه وبين الثلاثي الذي يليه .لقد ربح يوسف الشاهد خمس نقاط كاملة واكتفت سامية عبو بثلاث نقاط بينما خسر الملاحقون ما بين نقطتين ونصف وثلاث نقاط ونصف..
والملاحظ أن هنالك ثماني شخصيات فقط تجاوزت عتبة %20 في مؤشر الثقة الكبيرة وهي خماسي الطليعة بالإضافة إلى كل من محمد عبو (%26 ) والباجي قائد السبسي (%24) والحبيب الصيد (%22).

وهذا المعطى يؤكد في حد ذاته درجة الارتياب بين التونسيين وطبقتهم السياسية..فعلى 32 اسما من السياسيين المعروفين 8 فقط تجاوزوا عتبة %20 من منسوب الثقة الكبيرة بينما نجد أن 13 هم دون عتبة %10 وتكفي هذه الأرقام لوحدها لتبين لنا انه على السياسيين بذل جهد ضخم لكسب الحدّ الأدنى المعقول من الثقة .
في الجهة المقابلة نجد أيضا نفس خماسي الشهر الفارط المتكون من مهدي بن غربية (%6) ونورالدين البحيري وبرهان بسيس والهاشمي الحامدي بـ%5 لكل واحد منه ويختم هذا الترتيب حافظ قائد السبسي بـ%4 من منسوب الثقة الكبيرة..

ومن يتتبع تطور نسب الرضا الكبير عن السياسيين منذ بداية الباروميتر السياسي في جانفي 2015 يلاحظ فيه نوعا من الاستقرار والتحولات تتعلق أساسا باقتراب أو ابتعاد بعض السياسيين عن دوائر الحكم الفعلية فناجي جلول الذي تربع على عرش هذا الترتيب لأشهر طويلة عندما كان وزيرا للتربية يجد اليوم نفسه في المرتبة الثالثة بعيدا عن ثنائي الطليعة ،ونفس الأمر أيضا وإن بنسب متفاوتة لكل من الحبيب الصيد وسعيد العايدي وأيضا محمد الناصر الذي ابتعد عن المراتب الأولى رغم بقائه في نفس المنصب ،في المقابل أكد الثنائي سامية ومحمد عبو أنهما الشخصيتان المعارضتان اللتان تحظيان بأكبر منسوب ثقة في حين أصبح يوسف الشاهد مع حملة الحكومة على الفساد هو المتصدر باستمرار لهذا الترتيب منذ أشهر ..

يوسف الشاهد يعمّق الفارق
هنالك معطى هام أصبح بارزا بوضوح وهو ارتفاع منسوب الثقة في صاحب القصبة في كل المؤشرات..
فلو نبقى في مؤشر الثقة ونرى حصيلة السياسيين في مجموع الثقة (ثقة كبيرة + ثقة نسبية) لرأينا الفرق الكبير بين صاحب المرتبة الأولى يوسف الشاهد بـ%79 وصاحبة المرتبة الثانية سامية عبو بـ%66 فقط..
ورغم اشتراك هذا الثنائي في جزء من العرض السياسي وهو مقاومة الفساد الا انهما ينتميان لمدرستين سياسيتين مختلفتين وكذلك، ولعل هذا هو الأهم ،لموقعين مختلفين،فالأول يمارس السلطة وإن لم يكن يحاسب على كل سلبياتها ،والثانية لها ملكة القول والتنديد..
وتعميق الفارق الذي تحدثنا عنه نلمسه بوضوح كذلك في مؤشر المستقبل السياسي للشخصيات العامة حيث يحقق يوسف الشاهد رقما قياسيا بـ%47 في حين لا تحقق سامية عبو سوى %39 ويأتي صاحب المرتبة الثالثة الصافي سعيد متأخرا جدا بـ%31..
ولكن كما أكدنا ذلك في أكثر من مناسبة الثقة لا تترجم بالضرورة إلى نوايا تصويت ثم إلى تصويت فعلي ..ولكي تتحول الثقة إلى تصويت لابد لها من عنصر إضافي وهو القدرة على الحكم وعلى الانجاز .. لا القدرة الذاتية بل ما يراه المواطنون في تمثلهم للشخصية السياسية..والسؤال اليوم هو ماذا سيفعل يوسف الشاهد بكل هذه الثقة في شخصه ؟ وهل له نيّة لتحويلها إلى شيء آخر أي الى مشروع سياسي سواء كان ذلك داخل حزبه (النداء) ام خارجه؟ ام سيكتفي بهذه الوضعية في انتظار أيام آخر ؟
أسئلة لا يعتقد تونسي واحد أنها لا تخامر ذهن صاحب القصبة الحالي ..

يتبع

في عدد قادم
• نظرة التونسي وتقييمه للأوضاع
• ثقة التونسي في المؤسسات والهياكل السياسية والإدارية
• تقييم التونسي لأداء الحكومة

الجذاذة التقنية للدراسة

العينة : عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي
مكونة من 993 تونسي تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر
تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الفئة العمرية،الولاية الوسط الحضري أو الريفي .
طريقة جمع البيانات : بالهاتــــــف
CATI (Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
نسبة الخطأ القصوى %3
تاريخ الدراسة : 1 ديسمبر 2017 الى 8 ديسمبر 2017

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115