القانون الأساسي المتعلق بالأحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية: ترحيب بقرار عدم دستورية القانون، وعودة الجدل من جديد ...

يبدو أن القانون الأساسي للأحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية سيشهد عملية تعديل قبل أن يحال على جلسة المصادقة صلب مجلس النواب، التي ستكون الثالثة في مساره

تراهن عليها منظمات من المجتمع المدني والقائمون اليوم على الهيئات ويأملون أن يقتنع النواب بضرورة التراجع عن فصول «تضرب» استقلاليات الهيئات وتجعلها تحت السيطرة.
أصدرت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين قرارها «عدد 9» المؤرخ في 23 /11 /2017 والقاضي بعدم دستورية الفصل 33 من القانون الأساسي المتعلق بالأحكام المشتركة للهيئات الدستورية، المصادق عليه في 27 أكتوبر الفارط. هذا ما أكده ممثلون عن الهيئات الدستورية، في انتظار صدور القرار معللا في الرائد الرسمي، كما سبق لقرار الهيئة عدد4 الصادر في أوت الفارط بشان ذات القانون.

هذا القرار يعني أن مشروع القانون سيعود إلى أنظار المجلس لتعديله مرة أخرى والمصادقة عليه للمرة الثالثة، بعد أن سبق له المصادقة عليه في مناسبتين، الأولى في جويلية الفارط والثانية في أكتوبر المنقضي، بعد أن أقرت الهيئة الوقتية في أوت من ذات السنة بأن الفصل 33 من القانون غير دستوري.

ذات القرار صدر منذ أيام، وهو أن الفصل 33 وما يتعلق به في الفصول و24 من القانون الأساسي المُتعلق بالأحكام المُشتركة بين الهيئات الدستورية، مُخالفين لدستور 2014، رغم التنقيح الذي ادخله مجلس النواب في اكتوبر الفارط، وجعل الفصل ينص على « في حالة الاخلال بالواجبات المحمولة على أعضاء مجلس الهيئة المنصوص عليها بالفصلين2 و9 من هذا القانون فإنه يمكن لثلثي أعضاء مجلس نواب الشعب إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء مجلس الهيئة بمقتضى طلب معلل يقدم لرئيس مجلس نواب الشعب ويحال وجوبا على العضو المعني. ويتم البت في طلب الإعفاء من قبل مجلس نواب الشعب بعد 60 يوما من تاريخ تقديم الطلب المعلل وبعد اتصال مجلس نواب الشعب بالرد الكتابي للعضو المعني على طلب الإعفاء، والذي يجب أن ير د على مجلس نواب الشعب في أجل أقصاه شهر من تاريخ إعلامه بالطلب المشار إليه. ولا يحول عدم تلقي مجلس نواب الشعب رد العضو المعني في الأجل المقرر دون التصويت بالجلسة العامة التي تكون مصادقتها على طلب الإعفاء بثلثي الأعضاء»

هذه الصياغة المصادق عليها في أكتوبر الفارط رفضتها الهيئة العليا الوقتية لمراقبة دستورية القوانين، وأقرت بأنها غير دستورية، كما كان الأمر في الصياغة الأولى التي كانت مطابقة لها وتنص «يمكن لمجلس نواب الشعب سحب ثقته من مجلس الهيئة أو عضو أو أكثر بقرار من ثلثي أعضائه، في أجل أقصاه 15 يوما من تقديم طلب معلل يقدم لرئيس مجلس نواب الشعب من ثلث الأعضاء على الأقل في الحالات التالية: *حياد الهيئة الفادح عن مهامها الدستورية، *الإخلال الواضح بالواجبات المحمولة على أعضاء مجلس الهيئة بمقتضى الفصلين 2 و9 من هذا القانون،* الإخلال بالواجبات المنصوص عليها في الفصل 24 من هذا القانون».

هذا الفصل، الـ33، سواء في صياغة جويلية او أكتوبر، طعن 30 نائبا في دستوريته، وتعلق الطعن بفصول اعتبرها النواب، كما عدد من منظمات المجتمع المدني، تضرب استقلالية الهيئات، وقد أقرت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين ذلك، واعتبرت ان الفصل 33 يتنافى ومبدأ استقلالية الهيئات الدستورية طالما أنه لا يحقق التناسب المطلوب بين مبدأي المساءلة والاستقلالية كما يتنافى ومقتضيات مساءلة هذه الهيئات المنصوص عليها بالدستور.

هذا الطعن في الدستورية سيعيد الجدل المحتدم بين الحكومة التي تمسكت الى حد الان بفلسفة الفصل 33 من القانون، وهي منح الصلاحية لمجلس نواب الشعب لسحب الثقة من الهيئات الدستورية بثلثي الأعضاء، وهي خطوة تشير الحكومة الى انها تضمن استقرار الهيئات واستقلاليتها باعتبار ان نصاب الثلثين لا يتوفر بيسر لاي جهة.
هذه الجهة التي تريد الحكومة ان تطمئن بها المعارضين لمشروع قانونها وخاصة لتوجهها الذي يوصف بأنه تضييق الخناق على الهيئات الدستورية برمتها، وجعلها تحت هيمنة وسيطرة أحزاب الأغلبية البرلمانية، وهو ما تتخوف منه منظمات المجتمع المدني التي تعتبر ان ما قدمته الحكومة هو انتكاسة عن الفلسفة التأسيسية للهيئات الدستورية، وهي توزيع الصلاحيات بين أجهزة الدولة.

ارتياح الهيئات ومنظمات المجتمع المدني
قرار عدم دستورية القانون أرضى ممثلي الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري وهيئة النفاذ إلى المعلومة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وقد عبروا عن ذلك في ندوة صحفية بمقر نقابة الصحفيين التونسيين، اثر ندوة تطرقت إلى واقع ومآلات المسار المتعلق بالهيئات الدستورية والمستقلة و لتباحث الخطوات المشتركة في المرحلة المقبلة بخصوص مستقبل الهيئات الدستورية.

ليعلن في بيان مشترك جمع نقابة الصحفيين والمادة 19 والرابطة التونسية لحقوق الإنسان، مع الهيئات السابقة، ان المنظمات وممثلي الهيئات يعبرون عن ترحيبهم بقرار الهيئة الوقتية لمُراقبة دستورية مشاريع القوانين، عدد 9 المُؤرخ في 23 نوفمبر 2017، القاضي بأن الفصل 33 وما تبعه في نفس السياق بالفصلين 11 و24 من القانون الأساسي المُتعلق بالأحكام المُشتركة بين الهيئات الدستورية، مُخالف لدستور 2014.

نقيب الصحفيين التونسيين ناجي البغوري أعلن عن تخوف النقابة مما سماه رغبة الحكومة المتزايدة في تهميش الهيئات الدستورية والمستقلة والسعي وراء إفراغها من صلاحياتها، ومن جهته أكد هشام السنوسي عضو مجلس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري على أن مشاريع القوانين التي قدمتها الحكومة بخصوص الهيئة والمقسمة بين قانون يتعلق بالهيئة وصلاحياتها وقانون خاص بكيفية التعديل، لا تخدم الهيئة في المستقبل وتفرغها من صلاحياتها وحذر من ضرب مسار الهيئات الوطنية والمستقلة عموما والسعي الى إفراغها من صلاحياتها وتدخل السلطة التنفيذية في تسييرها.

رفيق بن عبد الله عضو مجلس هيئة النفاذ إلى المعلومة اكد أن مسار تأسيس الهيئة مازال يعاني بعض التعثرات ، مثل تأخر صدور العديد من الأوامر الحكومية التي من شأنها تيسير عمل الهيئة. كما استغرب من تواصل عمل الجهات الحكومية بالمنوال القديم الحاجب للمعلومة وفق تعبيره، سيما فيما يتعلق بالشفافية ونشر المعلومة الآنية من تقارير مالية وغيرها من الإحصائيات وتأخر تحيين مواقعها الإلكترونية.

كما استغرب المهدي بن جمعة المكلف بمهمة لدى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد مشروع قانون هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد الذي لا يستجيب للتطلعات الوطنية الرامية إلى تركيز منظومة ناجعة تتصدى لظاهرة الفساد، كما أنه يفتقر لعديد النقاط الهامة المتعلقة بعمل الهيئة، مقارنة بالفصل 130 الذي جاء في الدستور والمتعلق بتنظيم عمل هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115