خاص: نوايا التصويت في الانتخابات البلدية والتشريعية والرئاسي أكتوبر 2017

قراءة وتحليل زياد كريشان
تفصلنا خمسة أشهر عن الموعد المحدد نظريا للانتخابات البلدية وحوالي السنتين عن التشريعية والرئاسية والواضح حسب نتائج نوايا التصويت الذي أجرته مؤسسة سيغما كونساي بالتعاون مع «المغرب» لشهر أكتوبر الجاري أن موازين القوى مازالت تراوح مكانها : تقدم كبير للنداء ثم النهضة في البلدية والتشريعية ومواصلة تصدر الباجي قائد السبسي في الرئاسية

مع صراع قوي بين يوسف الشاهد والمنصف المرزوقي على المرتبة الثانية..
أما العزوف عن التصويت فما زال مرتفعا رغم تراجعه النسبي في البلدية والتشريعية مقابل ارتفاعه بحوالي أربع نقاط في الرئاسية...
مرة أخرى تؤكد عملية سبر الآراء لنوايا التصويت في الانتخابات البلدية والتشريعية والرئاسية التي تجريها شهريا مؤسسة سيغما كونساي بالتعاون مع جريدة «المغرب» استقرارا في النتائج وأننا مازلنا أمام نفس موازين القوى الموروثة من انتخابات خريف 2014.
ولكن يظل العزوف عن التصويت هو العنصر المحير وخاصة بالنسبة للانتخابات البلدية القادمة إذ وصل في هذا الشهر إلى أكثر من ثلثي المستجوبين (%68.8) مسجلا تراجعا بنقطة ونصف مقارنة مع شهر سبتمبر الماضي ..

في سوسيولوجيا العزوف عن التصويت
على عكس فكرة رائجة عند النخب العزوف عن التصويت لا يعني دائما عدم رضا عن الطبقة السياسية وعن السياسة (la politique) بل عادة ما يترجم ابتعادا ذهنيا وحياتيا عن الشأن العام والسياسي (le politique) أي عن نوع من عدم الانخراط في التشبيك الاجتماعي والمعرفي المكثف وهو بهذا يعني نوعا من أنواع التهميش..والأرجح أن الموقف السياسي المنادي للمقاطعة مازال ضعيفا في بلادنا والدليل على ذلك هو الفئات الاجتماعية التي يتفشى فيها ما يمكن أن نسميه بالمقاطعة الفعلية لا المقاطعة كاختيار سياسي واع..
لو نظرنا بالتدقيق في مختلف نسب العزوف عن الانتخابات البلدية حسب الجهة والجنس والسن والطبقة الاجتماعية والمستوى المعرفي للاحظنا أن العنصر الجهوي هو الأقل تأثيرا وأنه لا يتقاطع مع النظرة السائدة حول المناطق الساحلية من جهة والمناطق الداخلية من جهة أخرى ،فالجهة التي نجد فيها اقل عزوف هي الجنوب الغربي (قفصة وتوزر وقبلي) بـ%65 مقابل ولايات الشمال الغربي (باجة وجندوبة وسليانة والكاف) حيث يكون فيها العزوف هو الأرفع بـ%72.5

للعزوف بعد جندري واضح فالنساء في بلادنا أقل إقبالا من الرجال عن التصويت ولكن الفارق (حوالي تسع نقاط) ليس كبيرا جدا بما يفيد بأننا لسنا بعيدين كثيرا عن التناصف في المشاركة الانتخابية..
ما يقال عن العامل الجندري يقال عن عامل السن كذلك فالشباب (18 - 29 سنة) وصغار الكهول (30 44- سنة) هم الأكثر عزوفا (%70و%73 ) مقارنة بالكهول وبمن تجاوزوا الستين من عمرهم (%63.5 و%64.6) ولكن يبقى البعدان الاجتماعي والمعرفي هما الأكثر وزنا في عملية العزوف ..
الطبقة المرفهة هي أكثر الفئات عزوفا على الإطلاق إذ لا تبلغ هذه النسبة عندها إلا %57 مقابل %74.7 في الطبقة الشعبية وتبقى فئة الأميين هي أكثر الفئات عزوفا بإطلاق (%81.7) وتتراجع هذه النسبة مع تطور المستوى المعرفي لتصل إلى %66.3 عند أصحاب التعليم العالي ..فيكون نموذج التونسي العازف عن التصويت هي امرأة أمية من صغار الكهول ومن الطبقة الشعبية من جهة الشمال الغربي بينما يكون المقبل على التصويت رجلا من الجنوب الغربي تجاوز الستين وهو من الطبقة المرفهة ومن أصحاب التعليم العالي ..
هذان النموذجان الافتراضيان هما للإنارة فقط ولتبيان بان العزوف عن التصويت يتقاطع مع هشاشات اجتماعية وجيلية وجندرية وليس فقط غضبا عن السياسة والسياسيين.

النداء والنهضة ثم البقية
ينبغي التذكير هنا بأن العينة التي اعتمدتها مؤسسة سيغما كونساي تتكون من 8883 تونسيا تتجاوز أعمارهم 18 سنة وموزعين وفق طريقة الحصص على كامل تراب الجمهورية والفئات الاجتماعية والعمرية بما يعطينا صورة قريبة جدا من موازين القوى الفعلية في البلاد ومع الإشارة أيضا بأن الأسئلة لا تتضمن اية اقتراحات وان كل الأجوبة تتم إذن بصفة تلقائية..
وننوه أيضا إلى أننا بعد التذكير بنسبة العزوف في كل صنف من أصناف الانتخابات لا نعتمد إلا على نوايا التصويت المعلن عنها في احتساب النسب المائوية لكل حزب تماما كما يحصل ذلك في الانتخابات الفعلية..
لقد تحسنت نوايا التصويت المعلن عنها من %29.7 في سبتمبر الماضي إلى %31.2 في أكتوبر الجاري وقد استفاد من هذا الارتفاع أساسا نداء تونس والجبهة الشعبية بينما تراجعت نسب آفاق تونس والوطني الحر ..
تحصل نداء تونس على %37.3 من نوايا التصويت المصرح بها وتلته حركة النهضة بـ%28.6 وكأننا هنا أمام نفس النتائج ،تقريبا،التي حصل عليها هذان الحزبان في تشريعية 2014..
بعيدا عن هذا الثنائي سجلت الجبهة الشعبية تحسنا ملحوظا لتستقر نسبتها في حدود %8 محدثة بذلك الفارق مع التيار الديمقراطي الذي لم يحصد سوى %4.5 ثم يأتي الوطني الحرّ بـ%2.2 فقط ..
تفيد نوايا التصويت هذه بأن لا شيء أو يكاد قد تحرك في المعادلة السياسية الموروثة عن 2014..

كل المشاريع الحزبية الجديدة التي بعثت هذه السنوات الأخيرة من اجل إحداث تعديل جوهري على المعادلة السياسية مازالت لم تتمكن من فرض نفسها في كل عمليات سبر آراء نوايا التصويت ،وحده التيار الديمقراطي بصدد ربح بعض المواقع ونراه في جلّ هذه التحقيقات في المرتبة الرابعة وأحيانا في منافسة قوية مع الجبهة الشعبية.
هنا لابد من التذكير بأن عناصر العينة المستجوبة يجيبون عن سؤال عام أي دون معرفة العرض الانتخابي الفعلي من قوائم حزبية ومستقلة ستكون في دائرتهم البلدية والعرض الفعلي قد يغيّر ولو جزئيا الجواب ، فنحن هنا أمام الإجابة العفوية الأولية قبل المرور إلى محك العرض الانتخابي الملموس..
ولكن تبقى الخلاصة الأبرز أننا سنبقى في حدود الصورة الموروثة من انتخابات 2014 وانه ينبغي حصول حادث استثنائي لتغيير عناصر هذه المعادلة..

نوايا التصويت في التشريعية : لا جديد يذكر
لم تأت نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية بجديد يذكر رغم تقدم نوايا التصويت بنقطتين (من %42.9 في سبتمبر الماضي إلى %44.8 في أكتوبر الحالي) فالنداء والنهضة في نفس مواقع انتخابات 2014 بـ37.4 و%27.4 من نوايا التصويت..
الجبهة الشعبية تتقدم قليلا بـ%8.2 مقابل تراجع نسبي للتيار من %5.6 إلى %5.1 وهذه المرة يختم آفاق تونس خماسي الطليعة بـ%2.7 وما قلناه بصدد نوايا التصويت في الانتخابات البلدية يصدق تماما على التشريعية .

نوايا التصويت في الرئاسية :
الباجي قائد السبسي في الصدارة ومنافسة حادة بين يوسف الشاهد والمنصف المرزوقي
اللافت للنظر في نوايا التصويت في الرئاسية هو تراجع نسبة المصرحين بتصويتهم بحوالي أربع نقاط من %55.7 إلى %51.9 وذلك في ظرف شهر واحد..
صحيح أن الانتخابات الرئاسية تبقى الأكثر جاذبية ولكن بريقها قد خفت قليلا هذا الشهر..

يمكننا أن نقول بأن موازين القوى السياسية في نوايا التصويت للانتخابات الرئاسية لم تتغير كثيرا مقارنة بسنة 2014 رغم بروز فاعل جديد قوي وهو رئيس الحكومة يوسف الشاهد ولكن يمكن أن نقول بأن جلّ الأصوات التي اختارت يوسف الشاهد اليوم سبق لها أن اختارت الباجي قائد السبسي في 2014..
يحافظ إذن رئيس الجمهورية على صدارة الترتيب بـ%22.6 ويبدو أنّه قد عمق الشقّة بينه وبين صاحب القصبة الذي تراجع كثيرا مقارنة بالصائفة الماضية حيث كان على بعد نقاط قليلة من قائد السبسي اما اليوم فهو يبتعد عنه ب10 نقاط كاملة (%12.6)
الملاحظة اللافتة هي التقدم المستمر لرئيس الجمهورية السابق المنصف المرزوقي الذي تحصل على %11.8 من نوايا التصويت وهو على بعد 30.000 صوت فقط عن يوسف الشاهد .. علما وان القاعدة الانتخابية الواسعة لحركة النهضة لم تتحرك بعد بصفة كثيفة والأرجح عندنا بان الاقتراب من موعد الانتخابات الرئاسية سيرفع ولاشك من رصيد منصف المرزوقي إلا في حالة واحدة وهي ترشح رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ونزول حزبه بكل ثقله في الحملة الانتخابية ..عندها سيكون المرزوقي هو الخاسر الأبرز اما لو لم ترشح الحركة الإسلامية احد ابرز قيادييها فاحتمال إعادة سيناريو 2014 ليس مستحيلا..

نحن نتحدث بالطبع عن افتراض نظري لأننا لا نعلم من هم المترشحون لهذا الموعد الهام ولأن الفترة الفاصلة ما زالت طويلة وقد تشهد تقلبات عديدة..
هذه صورة وقتية للتوازنات السياسية اليوم ..صورة جلّ عناصرها موروث عن المشهد الذي خلفته انتخابات 2014 مع بروز بعض العناصر الجديدة وإن كان ذلك بصفة خافتة.
صورة وقتية وحتما ناقصة إذ لن تستكمل كل عناصرها إلا يوم الاقتراع وعندها فقط سنعلم هل نحن أمام استمرارية شبه كلية لمعادلات 2014 أم أننا في دينامكية جديدة لن تكتمل إلا في الانتخابات العامة لسنة 2019.

الجذاذة التقنية للدراسة

العينة : عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي مكونة من 8883 تونسيا تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر .
تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الفئة العمرية،الولاية الوسط الحضري أو الريفي .
طريقة جمع البيانات : بالهاتــــــف
CATI (Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
نسبة الخطأ القصوى %1
تاريخ الدراسة : 2 أكتوبر 2017 إلى 19 أكتوبر 2017

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115