حديث الأنا: الحرّاقة هم المسؤولون

هذا دليل آخر على ضعف الدولة، على حظّها المنكود. هذا دليل آخر أنّ الحاكم في عجز وأنّ عجزه يدفع بالناس الى الافساد في الأرض، الى التخريب... رغم ما لها من شرعيّة، ظلّت الحكومات المتعاقبة في وهن شديد. محلّ تطاول وتهافت الجميع... تونس اليوم بلا حاكم وبلا رقيب. هي خلاء مخليّ. كلّ يأتي ما شاء من السوء. كلّ يفعل ما خطر على باله من خروق...

هذا شباب حطّه اليأس. أكلته البطالة. هو يريد وظيفا عموميّا فيه قعود وترقيّات وأجور. امتلأ الوظيف العمومي. فاض... انّها لحكومة بائسة، عاجزة عن توفير «الرزق» لطالبيه. انّها لحكومة فاشلة لا توفّر التنميّة في كلّ جهة. هذا ما يقولون...

الشغل في تونس متوفّر، لكنّه عسير وأجره ضعيف. لا يرضى الشباب التونسيّ بمثل هذه الظروف. الشباب التونسيّ يفضّل الرحيل. في الغرب، هناك شغل ميسور ومال وفير. يجب الرحيل الى الغرب. خلسة. بغير قانون... تونس تحيا بلا قانون. العالم في نظر التونسيين يعيش بلا قانون.
ها هو الشباب «يحرق» وتراه فوق مراكب مهزوزة، فرحا بالرحيل. أحيانا، تمنعه السلط من الرحيل فيغضب الحرّاقون وأهاليهم ويلعنون. أحيانا، يغرق الحرّاقة ويموت الكثير. عندها، تشتعل البلاد ويهيج الأهل والقبائل وتحرق الأرض ويضرب البوليس. الدولة هي المسؤولة عن غرق الحارقين. الدولة مدعوّة الى نجدتهم والبحث عن جثثهم. الدولة مدعوّة الى دفع التعويضات لعائلات المفقودين...

بعض المتعاطفين يقولون انّهم ضحايا الوضع السيّء والبؤس المنتشر. هم ضحايا عجز الحكومات التي لم توفّر العيش الكريم. هم شهداء الوطن الكئيب... الى غير ذلك من الكلام الفارغ ومن التحريض.

هذا الشباب الحارق هو المسؤول عمّا يحصل من خير ومن شرّ. هو من دفع بنفسه الى البحر. هو من خالف القانون. يعلم أباء الحارقين وأمّهاتهم أنّ أبناءهم يقدمون على أمر ممنوع وأنّهم يأتون خطرا بليغا... فكيف هم اليوم يصرخون ويقولون انّ الحاكم هو المسؤول؟ أمّا مركب الجيش فلا أظنّ أنّه من دفع بهؤلاء الى الموت، الى ركوب مراكب غير مضمونة الوصول...

بعيدا عن العاطفة، عن التهافت، يجب أن نقول لهؤلاء وغيرهم من الخارقين للقانون، أنّهم خالفوا وأنّهم المسؤولون عمّا حصل لهم من مكروه بل يجب متابعتهم وفقا للقانون. أمّا من غضب وأحرق منشآت الدولة ومراكز البوليس وعمل فوضى في الطريق العام وعطّل الشؤون فهؤلاء يجب أيضا محاسبتهم وتسليط ما يلزم من عقاب شديد...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115