تعقيب: حذار: فتونسنا ليست أرض فتح

نورد فيما يلي تعقيب الدكتورة نائلة السليني على المقال الذي جاء ردا من اتحاد العلماء المسلمين (فرع تونس) على مقالها السابق «رسالة إلى السيد رئيس الحكومة: هل أبلغوك أن تجار الدين نفقت تجارتهم بتونس» وفي هذا المقال دحض بالحجة لوسطية هذا الفرع الذي اعتبرته بمن فيه يحتمون بجبة شيوخ الزيتونة وكلهم هوس بوجوب التسريع في تثبيت اديولوجيتهم الاخوانية حسب قولها وفي ما يلي تعقيب السليني.

«أتاني ردّ الإخوان على مقالي، وبعد قراءته أدركت أنّ الفرصة سانحة لأن أقدّمه إليكم نصّا تطبيقيا في فهم الفكر الإخواني، وأن نحلّله من غير خوف التعسّف على أفكاره.
فقد ملئ هذا النصّ وفاء لمبادئ التنظيم وزخر بقيم تجديد العهد والولاء لأولي الأمر بتبنّي أهمّ المراحل التي يسير عليها الإخوان منذ ثلاثينات القرن الماضي، وهي فرصة سانحة حتى أوقف مجتمعي التونسي على خطرهم وأنبّهه إلى وجوب تنكّب مزالقه. وعلى هذا الأساس سأركّز كلامي، أو قل شرحي لهذا النص المثال، على مسألتين:

• أنبّه أوّلا إلى قضية أخلاقية بالأساس عليها يكون قوام الحوار: فعندما كتبت مقالي المنشور بجريدة المغرب يوم الخميس 28 سبتمبر أمضيت في آخره باسمي الحقيقي « نائلة السليني» ، ومن المفروض أن يصلني الردّ من شخص حقيقي لا افتراضي، ويحتمي براية التنظيم، فيمضي « عن فرع الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين بتونس». ولا أخفيكم، بقيت حائرة قبل كتابة الردّ في المخاطَب الذي تقرّه لغتنا العربية جهة معلومة لا مجهولة، ومع ذلك سأردّ على هذا « الإنس/ الجنّ» وخليفتي على الله.
لهذه الملاحظة دلالة هامّة يا سادتي: لأنّ هؤلاء يصدرون من مبادئ تنظيم أشبه شيء بما يعرف باللغة الفرنسية « secte « تمحق شخصية الفرد، وتتنكّر لعقله حتى تذوب في شخصية الداعية الزعيم وتتبنّى قوله وتردّد فكره، فتصير مواقفها أشبه شيء بآلة تسجيل لحقها عطب. وتبعا لذلك فشكل الرسالة مكتمل الشروط في أن يكون لها الطابع الإخواني.
أمّا الردّ فقد قام على مسألتين أساسيتين وإن أوهمنا بنقاط خمس، فأمّا النقطة الأولى فهي تدور على إقناع القارئ، وليس إقناعي أنا بل أنتم، لأنّهم قطّعوا منّي حبائل الآمال على قول أبي العتاهية. هم حريصون على أن تبتلعوا الحربوشة السحرية التي يستحضرونها في كلّ محفل ومأتم، وهي أنّهم دعاة وسطية واعتدال. وفي هذه المسألة أتساءل: عن أيّة وسطية يتحدّثون؟

وسطية بين الجمود والتحجر ؟ بين العنف الكلامي والعنف المادّي؟ كيف لهؤلاء القدرة على تناسي ما عانيناه في سنة 2012؟ وإن كانت ذاكرتهم ترفض الاستقامة والتمدّد فإنّ ذاكرتنا الجمعية حيّة، يغذّيها المجتمع في كلّ دقيقة وثانية. فصحيح أنّكم تتمتّعون بتأشيرة لنشاطكم، لكنّكم تحصّلتم عليها في زمن قيادتكم لتونس، «وما تصح الصدقة إلاّ ما تتزّزى الرعية»، ولم يكن ممكنا أن تحصلوا عليها قبل 2012 ولا حتّى بعد 2014. إذن كفاكم مراوغة. ألم يسع الإخوان في تونس عندما حكمونا في 2012 إلى الشروع في التبشير بمشروعهم الإخواني؟ فكانت حملة استيراد الدعاة ليحلّوا بأرضنا الطيّبة وهتكوا عرضها. وإن نسيتم فنحن لا ننسى، وإليكم قائمة فيما استقدمتم ليبشّروا بعقيدتكم:
في جويلية 2011 قدم زغلول النجار الإخواني، وفي سبتمبر 2011 محمد موسى الشريف المعروف بكتبه عن المرأة : المرأة الداعية.المرأة شؤون وشجون. مصطلح حرية المرأة بين كتابات الإسلاميين وتطبيقات الغربيين. حياء النساء عصمة وأنوثة وزينة. ولكم أن تتأمّلوا في دلالة العناوين. وفي جانفي 2012 قدم علينا حسان الدباغ السلفي و صفوت حجازي أحد القيادات المتهمة بالتحريض على قتل المتظاهرين على مرسي. وفي فيفري 2012 طلع بدر وجدي غنيم وهو العلم الذي في رأسه نار.فهذا الإخواني « الوسطي والمعتدل» ، والعضو القار في الهيئة المركزية برئاسة القرضاوي قضت المحكمة بإعدامه شنقا لأنّه بعث خلية إرهابية باسمه واعتبرت المحكمة الحكم «جزاء له لمواجهة فساده في الأرض» . هذا المشهور أشاد

عند قدومه وتنجيسه أرضنا الطيبة بالنساء المنقبات وطالب الرجال بإطالة اللحى . وكان له الفضل في تنامي الأفكار السلفية والتغرير بأبنائنا للجهاد في سوريا. ودعا الحاضرين نساء ورجالا في قبّة المنزه إلى اعتبار ختان الإناث عملية تجميلية. وظلّ إلى اليوم يحلم بالأيام التي قضّاها في تونس، وظلّ يطيل عنقه في قلق لهبوب نسمات الحداثة والاعتدال. بل ذهب به غروره ليعتبر نفسه أعلى مرتبة حتى من رئيس الجمهورية ورماه بالكفر.

في نوفمبر 2012 استقدمتم الداعية محمد عبد الرحمان العريفي الذي اشتهر بفتاوى ما أنزل بها الله من سلطان، ولعلّ أشهرها في 2013 فتوى جهاد النكاح في سوريا، ودعا النساء اللائي يرغبن في دعم الثوار في سوريا إلى الاستجابة إليهم خلال الاستراحات من المعارك. نتج عن ذلك أنّ معظم النساء اللاتي يأتين الأراضي السورية صغيرات السنّ ومن أصل تونسي. وقد أظهرت شهادات معظمهنّ تعرّضهنّ لعمليات اغتصاب قاسية واعتداءات جنسية ضدّ القاصرات وصناعة عالمية لرجال يرسلون نساءهم وبناتهم إلى سوريا لأنّ الشيخ وعدهنّ بالجنة مقابل الخدمات الجنسية التي سيمنحنها للعناصر الإرهابية في سوريا. و لا يفوتني أن أذكّر بالفتوى التي أصدرها القرني في تحريم جلوس البنت مع أبيها إلاّ بمحرم لكن وكعادته، كلّما علا استنكار الناس تراجع في فتواه...

والقرضاوي زعيمهم؟ وأعلم أنّ الحديث يطول عن هذا الرجل، ويستحقّ مقالات لوحده. لكن أكتفي بالتنبيه إلى أنّه حرص في السنوات الأخيرة على تنزيل موسوعته في الجهاد على الصفحة الرسمية للاتحاد العالمي « الإخواني». وفي هذا السياق أذكر نادرة وأنا أدرّس الفكر الإخواني بالجامعة: فقد قمت بنسخ صفحة من موسوعة القرضاوي وصفحة من موسوعة كتاب فقه الدماء لأبي عبدالله المهاجر، الشيخ الروحي للزرقاوي. ومحوت الاسمين لأسأل الطلبة عن استخراج مقومات الخطاب الديني في النصين والاهتداء إلى نصّ القرضاوي.. وأقسم بالله جميعهم ذهب إلى نصّ المهاجر واعتبره أقلّ عنفا.

أليس ما يدعو إليه القرضاوي شفرة لا يفكّ رموزها سوى الجهاديين على حدّ تعبيره وما هم في الحقيقة سوى أولئك الإرهابيين المتطرّفين؟ أليس في دعوته إلى احتلال فضاءات العبادة والانتصاب لتلقين الناس «المبادئ الصحيحة» للشريعة، وما يقدمونه هي فقط مبادئ الإخوان والسلفيين؟ ألم يسارع في توظيف الأحداث السياسية التي مرّت بها سوريا والعراق لزرع البذرة الأولى للخلافة. هي ردّة يعاني منها المسلم المعاصر في داخله: فوضى المرجعيات والتناحر على أهلية الاجتهاد. تكريس الإعلام لتسويق الخطاب الرسمي والإيديولوجي وإرساء مقاربات متنوعة الجامع بينها التناقض. هي الفوضى فيما أثمرت عنه هذه الصورة الجديدة: ظهور فرق إيديولوجية وكلّها تعتبر نفسها الناجية: وما نشأة الدواعش سوى نتيجة حتمية لما شهدته المجتمعات الإسلامية من طفرات وشطحات . وفي وهمها أنّها تحدث مقاربات جديدة لإرجاع كلمة الله في الكون: الدواعش ليسوا سوى أولئك الشباب المتوسّط التكوين والمفتقد للزاد المعرفي العقلاني لقّنهم القرضاوي وأشباهه أنّ الجهاد هو الأصلح والانضواء تحت أحكام الشريعة هو الأسلم.

هذا قليل من كثير يحكي وحده بمفهوم وسطيتكم واعتدالكم. غير أنّه تعليل ترمون من خلاله إلى الاحتماء بجبّة شيوخ الزيتونة، وتطمعون في نشر ما تسوّقون بتزكية زيتونية. وفي هذا السياق أحذّركم لأقول لكم: حاشى الزيتونة وعلماءها الأحرار أن يكونوا من دعاتكم.. فللزيتونة شيوخ أعرفهم شخصيّا ودرّسنا معا، فأين أنتم من الشيخ جعيط والشيخ بن محمود؟ أين أنتم من الطاهر والفاضل بن عاشور؟ أين أنتم من الثعالبي والطاهر الحدّاد؟ أين أنتم من المعاصرين أمثال عثمان بطّيخ ومحسن العابد الذي جمع إليه باحثين من الدول الإسلامية؟ ومنهم الحافي الذي أتمّ ترجمة « التلمود البابلي».

إن همّكم ليس نشر المعرفة بقدر ما أنتم مهووسون بوجوب الإسراع في تثبيت أيديولوجيتكم: ويقيني أنّ هذا النصّ ناطق صادق بما يكمن في نواياكم، كما هو شهيد بمدى استفحالكم في تونس العميقة. فلهذا النصّ مزيّة كبيرة في إنارة أشياء كثيرة كنّا نجهلها، وفي هذا السياق أشيد بالسيد رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة للعمل فورا على إنقاذ مجتمعنا من شرّكم.
فالنصّ من أوّله إلى آخره يشهد على نفسه بأنّ عمل هؤلاء الجماعة دعويّ بالأساس، ولا أحد يمنعني من الاستنتاج بأنّ فصل الدعوي عن السياسي في حزب النهضة قام على أساس تكليف هذا التنظيم بالدعوي حتى يغوص في تونس العميقة بجميع فئاتها الاجتماعية، « فمنهم الموظفون ومنهم المحامون وأصحاب المهن الحرّة ومنهم ربات البيوت» كما ورد في النصّ. وهنا الخطر الجسيم، لأنّ تأثيرهم قد لحق جميع أصناف المجتمع، وعملية التدارك صارت معقّدة إن لم أقل مستحيلة. ودقّت ساعة الجدّ حتى ننقذ ما بقي صالحا.

إن صمت حكومتنا يزعجني، ولِينُها معهم يخيفني ويدفعني إلى الريبة في المستقبل، كيف لا وهم يعترفون بأنّ لهم اليد الطولى» في الزيارات المباشرة المتكررة للوزارات والمؤسسات ذات العلاقة ليطلعها تباعا على أعماله ويتشاور معها». كنّا جميعنا نظنّ أنّ عملهم خارج حيطان مؤسسات الدولة فإذا بهم شركاء في الحكم.. كيف لنا أن نطمئنّ على مستقبلنا ومستقبل أبنائنا ولهؤلاء الرخصة في الانفراد بهم؟ أين وزارة التربية؟ وأين وزير التعليم العالي؟ الذي يبلغه أنّ أساتذة من الجامعة الزيتونية يدرسون عندهم؟ ألا يوجد قانون في الترخيص للأساتذة الجامعيين بالتدريس في مؤسسات أخرى باعتبارها حصصا إضافية؟ ما هذه الفوضى؟ كيف صرنا في يوم وليلة فريسة كلّ غادٍ ورائح؟
فعلا يا شعبي، لقد بلغنا القاع، وأطالب الجهات الحكومية أن تسرع في ترميم ما هدِّم، وأنا على علم أنّ هذا الترميم سيأخذ منّا سنوات وسنوات.. أمّا إذا تواصل الصمت... فيا خيبة المسعى.

• النقطة الثانية تنطلق من الإشارة إلى أنّ الردّ مليء بالعنف، هو عنف لفظي في بدايته، من إيحاء إلى ألفاظ من نوع الاستئصالية والاستبداد...وهذا دليل على أنّ ما قلت يمسّ جوهر عملهم. وفي هذا السياق أستحضر قولة الشهيد شكري بلعيد: سيلجأون إلى العنف كلما زاد اختناقهم، كلما زادت عزلتهم السياسية وكلما تقلصت شعبيتهم.» وقد يلجأون إلى وسائل أخرى في محاولة لإسكاتي، وعلى هذا الأساس أحمّل السيد رئيس الحكومة مسؤولية ما قد ينالني منهم.. لأنّهم يمحقون كلّ من يعترض طريقهم.
أمّا تهديدهم برفع قضية ضدّي فإنّي أقول لهم: لا بأس فليكن.. لكن وبنفس المناسبة ماهو مصير القضايا التي رفعها الأئمة « الزيتونيون» في السيد الخادمي بتهمة عزلهم وارتهان المساجد لنشر الإرهاب والدعوة إلى العنف؟ .. خاصّة وقد أظهرت التفتيشات الأمنية وجود أسلحة في بعض من المساجد.. وبنفس المناسبة أيضا فلترفعوا قضية في الجامعة العامّة للتعليم العالي والبحث العلمي التي أصدرت بيانا يوم 28 سبتمبر تبنّت فيه كلّ ما ذكرت في تقريري . وعلى فكرة كتب الأمين العام للنقابة اسمه وهو الأستاذ حسين بوجرّة. وإليكم نسخة من البيان آملة في أن تقرؤوه.. لأنّه يبدو أنّكم تشتغلون بالسماع، وأكاد أوقن أنّكم لم تقرؤوا مقالي، والمثال على ذلك استنتاجكم أنّني أسقطت حقوق الإنسان الذي اعتبرتموه علما.. ولم يبق سوى أن تعتبروا كرة السلّة علما كذلك».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115