بعد المصادقة على قانون المصالحة الإدارية: انقسام كتلة النهضة

هناك دائما لحظات نحدد من خلالها تقويما جديدا للزمن –وان بشكل ظرفي- ما قبل وما بعد، وإحدى تلك اللحظات ما عاشته تونس يوم الأربعاء 13 سبتمبر الجاري، تاريخ المصادقة على قانون المصالحة، فبات لنا ما قبل قانون المصالحة وما بعده، وفق المدير التنفيذي لنداء تونس الذي قد يكون غير مدرك بان قوله سليم ان تعلق الأمر بحليفته»حركة النهضة» التي

سيقيم التاريخ لديها بما قبل المصالحة وما بعدها خاصة وان القانون لم يمر دون أن يشق كتلتها إلى نصفين.

مر قانون المصالحة الإدارية بفصوله الثمانية بـ117 صوتا، وفي ظل الجلبة التي رافقته مرت تفاصيل دقيقة دون إثارة الانتباه، كغياب 32 نائبا عن حركة النهضة ساعة التصويت على القانون رغم وجودهم قبل ذلك في المجلس، على الأقل بالنسبة لـ25 منهم. اذ وفق منشور لحركة النهضة يوم الأربعاء الفارط على الساعة 17:42 دقيقة كان عدد المتغيبين 8 وهو ما اعتزت به الحركة معتبرة ان اقل معدل غياب سجل لديها بـ12 % من أصل كتلتها البالغة 69.

تغيب 25 نائبا إضافيا من النهضة عن عملية التصويت، رفع من نسبة الغياب إلى 46.5 %، لكنه بالأساس عبر عن موقفهم ليس فقط من القانون، ولكن من خيارات الحركة السياسية منذ انتخابات 2014، خيارات لم يكن المتغيبون فقط من عارضها بل 6 نواب آخرين، خمسة منهم صوتوا ضد القانون وهم ليلى الوسلاتي، نذير بن عمّو، محمد بن سالم، منية بن براهيم، معز بلحاج رحومة، فيما احتفظ البشير اللازم بصوته.

أرقام تغير من طبيعة المعادلة بشكل جذري، فكتلة النهضة التي دافعت يوم الأربعاء واستماتت من أجل تمرير قانون المصالحة، وفق مداخلات نواب عنها، أشادوا برئيس الدولة وثمنوا كل أفعاله كما ثمنوا خيار التوافق، لم يتبق منهم للتصويت غير 31 نائبا يقودهم رئيس الكتلة نور الدين البحيري ونائبا رئيس الحركة علي العريض وعبد الفتاح مورو.
31 كانوا «مع» مرور القانون ولكنهم بالأساس كانوا مع الحفاظ على علاقة جيدة برئيس الجمهورية، فهم من مناصري خط التوافق في الحركة- وهنا التوافق ليس عنصر فرز في النهضة فجميعهم مع التوافق لكن الاختلاف في كيفية ذلك- وتحديدا هم من القائلين بان التوافق/التقارب الاستراتيجي يجب الحفاظ عليه مهما كان الثمن «مهينا».

فتفاصيل الأحداث والتصريحات التي سبقت عملية التصويت على القانون تشرح كيف تنازلت النهضة من اجل الحفاظ على «مظلتها الحامية» فالقانون الذي لمحت الحركة عشية طرحه على المجلس في 2015 انها معه فلسفته ولكنها تريد ان يكون شاملا في اطار مصالحة وطنية تلحق ابناءها من المتمتعين بالعفو التشريعي العام. قبلت بان يمر القانون دون ذلك، اي انها تخلت عن «المقايضة» من اجل سلامتها.

سلامة شعرت الحركة بانها مهددة، فطرحت على لسان رئيسها مقايضة جديدة، سد الشغور مقابل تمرير قانون المصالحة، واتفقت مع النداء على هذا لكنها عادت بخفي حنين، اذ أن جلسة سد الشغور فشلت في توفير النصاب القانوني لانطلاقها فيما نجحت جلسة تمرير قانون المصالحة، رغم محاولات محتشمة من الحركة صباح الاربعاء بعقد جلسة عامة لسد الشغور بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

تراجع يراه تيار في الحركة بانه تكتيكي، يهدف الى تجنب «هدم البيت فوق رؤوس الجميع»، لكن هذا التراجع تضمن تنازلات «مهينة» وفق قادة نهضاويين باتوا يعلنون صراحة تذمرهم من «الشيخ» وفريقه الذين أدت خياراتهم إلى ان تصبح الحركة تابعة للرئاسة ولنداء تونس.

خيارات هي اليوم عامل الفرز في الحركة بين شقين، لا خلافات ايديولوجية او فقهية تقسمهم، بل خيارات سياسية لا تتناقض في عمقها بقدر تناقضها في التفاصيل والهوامش، فكلا الفريقين يتفقان على مقاربة التوافق، لكن الثمن او كيفية التوافق هي محل خلاف بينهما، فدعاة الاحتماء باي ثمن يسبقون سلامة الحركة على استقلالية قرارها فيما يرى معارضوهم ان هاجس الاحتماء افقد الحركة قدرتها على المناورة واستقلاليتها.

استقلالية يعتبرها جزء من قادة الجيل الخمسيني والستيني، ضرورية لتحافظ الحركة على هويتها لدى قواعدها التي باتت في حالة غليان نظرا لتتالي المصائب على الحركة. فمن الضربات الإستراتيجية الثلاث، الموقف من شرط عدم الترشح لانتخابات 2019، الإقرار بخطأ تقييم مدى مدنية حركة النهضة، والتحوير الوزاري فقد كانت مضامين مداخلات نواب الشق الاحتمائي في الحركة «صادمة».

مداخلات جعلت ابرز الوجوه في الشق الداعى للاستقلالية عن الرئاسة ونداء تونس، يبحثون عن مخرج من الوضع الذي باتوا فيه، فكانت عملية انسحاب 25 نائبا من جلسة التصويت إحدى المخارج التي تدق جرس الإنذار في وجه رئيس الحركة، الا أنها عبرت صراحة عن ان الكتلة الاكثر تماسكا في المجلس، لم تكن كذلك رغم محاولات الظهور بهذا الشكل.
محاولات عرتها عملية التصويت على قانون المصالحة، التي أجبرت -أو وجدها شق فكّ الارتباط مناسبة لبعث رسائل- من في الكتلة على التمايز من منطلق سياسي يبزر بشكل صريح بالاطلاع على أسماء من تغيبوا/انسحبوا من جلسة التصويت. وأبرزهم سمير ديلو وعبد اللطيف المكي وناجي الجمل (انظر المؤطر).
اسماء برزت في المؤتمر الـ10 كمعارضين لرئيس الحركة ومنافسين جديين على مراكز النفوذ والقرار في الحركة وفق مقاربة سياسية مختلفة عما يتبناه رئيسها راشد الغنوشي، الذي قد يجبر تحت وقع الضغط على التراجع خطوات في خياراته السياسية خاصة وان ما بطن في الرسالة، هو تهديد ضمني.

نواب الحركة الغائبون عن جلسة التصويت دون مبرر شرعي
هالة الحامي
كلثوم بدر الدين
شهيدة فرج
حياة الغانمي
وفاء عطية
صفية خليفي
محمد محسن السوداني
امل خليف
دليلة الببة
محمد علي البدوي
راضية التومي
ناجي الجمل
جميلة الجويني
لطيفة الحباشي
الزهير الرجيبي
سلاف القسنطيني
عبد اللطيف المكي
الحسين اليحياوي
زينب براهمي
جميلة دبش
ايمان بن محمد
محبوبة بن ضيف الله
سليم بسباس
الحبيب خضر
محمد سيدهم

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115