وسط أجواء مشحونة.. وتراشق بالتهم.. وفوضى تعم الجلسة العامة مجلس نواب الشعب يصادق على مشروع قانون المصالحة الإدارية

في سابقة من نوعها، تخرج جلسة عامة في مجلس نواب الشعب عن سيرها الطبيعي، فوضى عارمة شهدتها مداولات الجلسة العامة المنعقدة يوم أمس، نتيجة احتجاج المعارضة على مشروع قانون المصالحة فور الانطلاق في مناقشته. المعارضة تجندت بشتى الطرق الممكنة من أجل التصدي لهذا المشروع في ظل تعنت كتلة حركة نداء تونس بالمصادقة عليه

خلال هذه الجلسة، إلى جانب المحاولات المتكررة للضغط على رئاسة المجلس من أجل التخلي عنه في انتظار الرأي الاستشاري للمجلس الأعلى للقضاء واستكمال عملية سد الشغور في هيئة الانتخابات.

بالرغم من تمسك المعارضة في مجلس نواب الشعب بضرورة انتظار ما ستؤول إليه الاستشارة ومراسلة المجلس الأعلى للقضاء بخصوص مشروع القانون المتعلق بالمصالحة الإدارية. إلا أن الجلسة العامة انطلقت في مناقشة مشروع القانون ضاربة بذلك مطالب المعارضة المتمثلة في انتظار قرار المجلس القضائي عرض الحائط والمصادقة على مشروع القانون برمته بـ 117 نعم و1 محتفظ و9 ضد. مجلس الأعلى للقضاء بدوره تعرض لعديد الانتقادات خلال جلسة يوم أمس خصوصا من قبل نواب كتلة حركة نداء تونس، حيث قال رئيس الكتلة سفيان طوبال أن رأي المجلس الأعلى للقضاء بشأن هذا المشروع استشاري للاستئناس به، وأن عدم إبداء الرأي فيه إلى حد جلسة يوم أمس يثير عديد الشكوك، وهو ما يستوجب ضرورة إعداد مبادرة تشريعية في الغرض لضبط آجال إبداء رأي المجلس الأعلى للقضاء في مشاريع القوانين المحالة إليه.

نقطتان خلافيتان
الجلسة العامة لم تكن عادية بالمرة، فقد دخلت في سجال على امتداد اليوم، حادت في أكثر من مناسبة عن سيرها الطبيعي وذلك من خلال التراشق بالتهم بين نواب المعارضة وبين نواب حركة نداء تونس. الخلاف الحاصل مع انطلاقة الجلسة العامة، يتعلق بنقطتين أساسيتين، النقطة الأولى تتمثل في تشبث المعارضة بجدول الأعمال وهي الانطلاق بسد الشغور صلب هيئة الانتخابات ثم مناقشة مشروع قانون المصالحة. في حين تتمثل النقطة الخلافية الثانية في المطالبة بضرورة انتظار الرأي الاستشاري للمجلس الأعلى للقضاء قبل انطلاق مناقشة مشروع قانون المصالحة. بداية الجدل صلب الجلسة العامة جاء من خلال نقطة النظام التي تحصلت عليها النائبة عن التيار الديمقراطي سامية عبو التي اعتبرت أن جدول الأعمال مضمن في عريضة ممضاة من قبل عدد من النواب للنظر في نقاط معينة، لذلك لا يمكن تغيير جدول الأعمال إلا بعريضة أخرى مماثلة، وهو ما يستوجب الانطلاق في عملية سد الشغور ثم مناقشة مشروع قانون المصالحة.

المعارضة تجندت من أجل تعطيل انطلاق مناقشة مشروع القانون بكافة الطرق الممكنة، وتقديم الحجج اللازمة في النقطتين الخلافيتين، سواء من خلال النقاش القانوني والتقني وحتى السياسي حول استشارة المجلس القضائي، وكذلك حول تغيير جدول أعمال الدورة الاستثنائية. وفي هذا الإطار، بين النائب عن التيار الديمقراطي غازي الشواشي أن هناك قرارا سابقا من مكتب المجلس يقضي بإرجاء النظر في مشروع قانون المصالحة إلى حين ورود استشارة المجلس الأعلى للقضاء الذي يعتبر استشارة وجوبية، مشيرا إلى أن مناقشة مشروع القانون المذكور سابقة لأوانها، حيث يجب إرجاء النظر في مشروع القانون إلى حين ورود الاستشارة. في حين حمل النائب عماد الدائمي رئيس المجلس المسؤولية التامة معتبرا أنه تم تسجيل في جلسة أول أمس انسحاب عدد من نواب نداء تونس ومشروع تونس وآفاق تونس، في حين عادوا يوم أمس بقوة لتمرير هذا القانون، وهو ما يطرح عديد التساؤلات.

بين المعارضة وحركة النهضة
المعارضة عرفت مساندة قوية من قبل كتلة حركة النهضة التي طالبت بدورها بضرورة استكمال سد الشغور صلب هيئة الانتخابات ثم مناقشة مشروع قانون المصالحة، حيث قالت النائبة منية إبراهيم عن حركة النهضة أن مداولات مكتب المجلس لم تنصّ على تواريخ عقد الجلسات العامة، إضافة إلى أن الرأي الوجوبي للمجلس القضائي يقتضي انتظاره، خصوصا وأنه في الجلسة السابقة تم تأجيل الجلسة لعدم ورود الاستشارة لذلك لابد من احترام المؤسسات الدستورية. كما دعم الحبيب خضر هذا الموقف من خلال قوله بأنه يجب المرور إلى النقطة الأولى واستكمال سد الشغور ثم الانطلاق في مناقشة مشروع القانون، حيث لا يحق لا لمكتب المجلس ولا لرئيس المجلس تغيير جدول الأعمال.
نزال على أشده في مجلس نواب الشعب حلبته الجلسة العامة، نزال بين المعارضة والمساندين لمشروع القانون المتعلق بالمصالحة أمام محاولة حركة النهضة لعب دور الحكم باعتبارها قبلت مطالب المعارضة وفي نفس الوقت أعلنت مساندتها لمبدإ مناقشة مشروع قانون المصالحة حسب ما صرح به النائب عن كتلة حركة النهضة عماد الخميري. من جهته، قال رئيس المجلس محمد الناصر أنه تمت مراسلة المجلس القضائي للحصول على رأيه، لكنهم اعتبروا في مناسبة أولى أن الوقت غير كافي لذلك تم تأجيل الجلسة العامة آنذاك وتم ترك المسألة إلى آخر شهر أوت الفارط قبل أن يتم تحديد موعد الجلسة العامة، مشيرا إلى أن الرأي غير ضروري باعتبار أنه من الممكن أن لا يتم أخذه بعين الاعتبار.

شد وجذب بين الكتل
لكن في الأخير، تم رفع الجلسة العامة من أجل التشاور بطلب من رئيس كتلة الجبهة الشعبية أحمد الصديق حسب النظام الداخلي للمجلس الذي يتيح الفرصة لرؤساء الكتل بطلب مهلة للتشاور. الجلسة العامة خرجت عن سيرها العادي لتتحول إلى شد وجذب بين الكتل، تطورت في بعض الأحيان إلى محاولة تعطيل الجلسة بالقوة بعد وقوف نواب المعارضة وسط قاعة الجلسات فور إعلان رئيس المجلس الانطلاق في تلاوة تقرير لجنة التشريع العام المتعلق بمشروع قانون المصالحة، والذي يليه الانطلاقة الرسمية في مناقشة الفصول. ومع استئناف الجلسة العامة، طالبت الجبهة الشعبية بضرورة احترام جدول الأعمال من خلال الانطلاق بسد الشغور صلب الهيئة، ثم انتظار الرأي الاستشاري للمجلس القضائي. لكن في المقابل، قال رئيس المجلس محمد الناصر أنه ستتم مناقشة مشروع المصالحة، على أن يتم فسح المجال خلال هذا الأسبوع من أجل التوافق حول الأسماء المرشحة لسد الشغور يوم الثلاثاء المقبل، ثم يتم عقد جلسة عامة في الغرض لسد الشغور يوم الأربعاء القادم.

فوضى وتشابك بالأيدي
قرار رئيس المجلس الذي عرف مساندة من قبل الكتل الممثلة في الحكومة، لم يرض نواب المعارضة الذين جربوا كافة الوسائل من أجل تعطيل الجلسة حتى بلغ بهم الأمر، إلى الوقوف أمام «الكاميرا»، والتصفيق والضرب على الطاولة وإطلاق النشيد الرسمي حتى لا يسمع صوت رئيس لجنة التشريع العام خلال تلاوته للتقرير. لكن وبعد طول انتظار وعدم السيطرة على احتجاجات المعارضة، تمت تلاوة التقرير وسط ضوضاء وفوضى عارمة، ثم تم رفع الجلسة العامة من أجل مزيد التشاور والتفاهم في اجتماع استثنائي لمكتب المجلس. وبعد مرور أكثر من 3 ساعات تقريبا لم يتمكن المجلس من كسب التوافق لتستأنف الجلسة العامة دون أي تغيير يذكر.
الجلسة العامة انطلقت بالنقاش العام مع احتجاج المعارضة بالتصفيق والهتافات وأجواء مشحونة بلغت خارج أسوار البرلمان بين المحتجين عن حملة «مانيش مسامح» وبين قوات الأمن، حتى أن تدخلات النواب لا يمكن سماعها. وبالرغم من ذلك فقد تدخل نواب الشعب من كتل نداء تونس ومشروع تونس وحركة النهضة في مداخلات مقتضبة وأغلبهم تخلى عنها باعتبار كثرة الضجيج، خصوصا بعد التشابك بالأيدي بين النائب عن كتلة الحرة محمد الطرودي والنائب عماد الدائمي. لكن في المقابل، فقد تطرقت إلى أهمية هذا المشروع الذي من شأنه أن يرفع الظلم عن عدد من الإطارات الإدارية الذين لم يكن لهم من خيار إلا تنفيذ القرارات المسقطة من قبل أعرافهم، إضافة إلى أنه يكمل مسار العدالة الانتقالية.

المصادقة على مشروع القانون
ومع نهاية النقاش العام، انطلقت الجلسة العامة في المصادقة على فصول مشروع القانون والمقدر عددها 8 فصول دون أي مقترح تعديل يذكر، إلى جانب عدم مشاركة المعارضة في عملية التصويت بالرغم من حضورها ومواصلة احتجاجها صلب الجلسة العامة. وقد كانت نتيجة التصويت على كافة الفصول بنفس النتائج تقريبا بين أكثر من 110 صوتا موافقا، وأقل من 10 أصوات ضد، لتتم في الأخير المصادقة على مشروع القانون برمته بـ 117 نعم و1 محتفظ و9 ضد.

سليم العزابي مستشار رئيس الجمهورية
مشروع قانون المصالحة لا يبيض الفساد
بعد نهاية النقاش العام، قال سليم العزابي مستشار رئيس الجمهورية في الجلسة العامة، أن مؤسسة رئاسة الجمهورية قامت بمبادرة فيها مصلحة لتونس، حيث أن هذه النسخة تغيرت عن النسخة الأولية المقدمة إلى لجنة التشريع العام. كما بين أن رئيس الجمهورية قد رحب بكافة التعديلات، وتنازل عن عديد النقاط حتى يكون مشروع القانون أكثر توافقا، حيث يضم محورا أولا يخص الموظفين ثم محورا ثانيا يتعلق بالمواطنين، ومحورا ثالثا يتعلق بالصرف.

كما أوضح العزابي أن المحور المتعلق بالصرف سيتم اخذه بعين الاعتبار في مشروع قانون خاص به، كان قد أعلن عنه رئيس الحكومة يوسف الشاهد في خطاب منح الثقة لأعضاء الحكومة الجدد في مجلس نواب الشعب، إلى جانب أنه وقع التخلي عن المحور المتعلق بالمواطنين من قبل اللجنة. وبهذا تضم النسخة الحالية محورا وحيدا يتعلق بالإداريين الذين لم يحققوا أية منفعة مباشرة أو غير مباشرة، إلى جانب أن مشروع القانون لا يبيض الفساد بل هو يعطي فرصة للادارة التونسية التي تراجعت مردوديتها بـ 50 بالمائة

مشروع قانون أساسي يتعلق بالمصالحة في المجال الإداري
الفصل الأول : يهدف هذا القانون الأساسي إلى تهيئة مناخ ملائم يشجع خاصة على تحرير روح المبادرة في الإدارة وينهض بالاقتصاد الوطني ويعزز الثقة في مؤسسات الدولة .كل ذلك تحقيقا للمصالحة الوطنية.
الفصل 2 : لا يخضع للمؤاخذة الجزائية الموظفون العموميون وأشباههم على معنى الفصلين 82و96 من المجلة الجزائية بالنسبة للأفعال التي تم القيام بها والمتصلة بمخالفة التراتيب أو الإضرار بالإدارة لتحقيق منفعة لا وجه لها للغير شريطة عدم الحصول على فائدة لا وجه لها لأنفسهم وبموجب ذلك تتوقف التتبعات والمحاكمات في شان تلك الأفعال .
ويستثنى من ذلك من كانت الأفعال المنسوبة إليهم تتعلق بقبول رشاوى أو بالاستيلاء على أموال عمومية
الفصل 3 : ينتفع بالعفو العام الموظفون وأشباههم المبينة بالفقرة الأولى من الفصل 2 من هذا القانون الأساسي الذين تمت مؤاخذتهم بحكم اتصل به القضاء من اجل ارتكاب الأفعال الواردة بالفقرة الأولى من الفصل 2 المذكور وذلك مع مراعاة الاستثناء بنفس الفصل.ويسلم الوكلاء العامون لمحاكم الاستئناف كل حسب اختصاصه شهادة في الغرض.
ويشمل كذلك العفو مبالغ جبر الضرر المادي والمعنوي المسلطة على الأشخاص المبينين بالفقرة الأولى من الفصل 2 من هذا القانون والمحكوم بها لفائدة الدولة أو الجماعات المحلية أو المنشات العمومية.
الفصل 4 : لا تشمل الإجراءات المنصوص عليها بالفصلين 2و3 من هذا القانون غير الموظفين العموميين وأشباههم على معنى الفصلين 82و96 من المجلة الجزائية.
الفصل 5 : كل خلاف حول تطبيق أحكام هذا القانون يرفع إلى هيئة تتألف من الرئيس الأول لمحكمة التعقيب وعضوين من أقدم رؤساء الدوائر بها.وبحضور ممثل النيابة العمومية لديها.
وتنظر هذه الهيئة في مطالب الطعن في شهادة العفو.

وعلى كل من يهمه الأمر أن يرفع الدعوى بمقتضى مطلب كتابي مصحوب بما لديه من مؤيدات.
وعلى رئيس هذه الهيئة أن يحيل هذا الملف حالا إلى وكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب ليقدم طلباته في اجل أقصاه عشرة أيام.
وتبت الهيئة المذكورة في الموضوع خلال اجل لا يتجاوز الشهر من تاريخ تقديم طلبات.
وقرارات تلك الهيئة لا تقبل الطعن بأي وجه من الأوجه.

الفصل 6 : في صورة حصول الخلاف المنصوص عليه بالفصل 5 من هذا القانون أمام سلطة قضائية ، فان تقديم المطلب الكتابي يستوجب توقيف النظر في الأصل إلى أن يقع البتّ في ذلك الخلاف من قبل الهيئة المذكورة .
الفصل 7 : إذا ثبت أن المتحصل على شهادة العفو قد تعمد إخفاء الحقيقة أو تعمد عدم التصريح بجميع ما أخذه دون وجه حق.يستأنف التتبع أو المحاكمة أو العقوبة.
الفصل 8 : تنطبق أحكام هذا القانون على الفترة الممتدة من غرة جويلية 1955 إلى 14 جانفي 2011.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115