الإصلاحات الاقتصادية الكبرى : اتحاد الشغل يقبل النقاش بشأن الصناديق ويرفض الشراكة بين العام والخاص

في دقائقه الـ48 تضمن خطاب يوسف الشاهد أمس تصور حكومته للإصلاحات الكبرى التي تهدف إلى إنعاش الاقتصاد وتغيير منوال التنمية عبر جملة من الإجراءات «القاسية»، لكن هذه الخطة تضمنت نقاطا قد تعجز الحكومة عن تحقيقها ان لم تجد تجاوبا من المنظمات الاجتماعية الكبرى، فإصلاح الصناديق الاجتماعية وصندوق الدعم وإعادة هيكلة المؤسسات

العمومية وتطبيق الشراكة بين العام والخاص، ليست بالملفات التي يسهل فيها إقناع اتحاد الشغل.

قدم الشاهد ملامح الإصلاحات الكبرى التي تنوي حكومته القيام بها وفق برنامج يرتكز على 4 أهداف سياسية. التقليص التدريجي من عجز ميزانية الدولة إلى حوالي 3 % من الناتج في أفق 2020، استقرار مستوى المديونية دون 70 % من الناتج القومي سنة 2020. التحكم في كتلة الأجور لتنخفض من 40 % من الميزانية إلى حوالي12.5 % سنة 2020.
كشف مؤشرات الوضع الاقتصادي والاجتماعي المراد تحقيقها في المرحلة القادمة كانت مقدمة ليعلن الشاهد أن خروج تونس من الأزمة المالية العمومية سيكون في إطار نظرة متوسطة المدى 2020 مبنية على جملة من التضحيات تتقاسمها المجموعة الوطنية، ينتظر منها ان تساهم في تغيير منوال التنمية القديم الذي وصل إلى حدوده القصوى، في ظل هشاشة المالية العمومية.

تحميل مسؤولية الخروج من الوضع الصعب لا يشمل الجميع بذات الدرجة إنما يختص الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي ورغم رفضه لقانون الشراكة بين القطاع العام والخاص فان رئيس الحكومة شدد يوم أمس على ان منوال التنمية الجديد سيرتكز بالأساس على هذه الشراكة مع محافظة الدولة على الاستثمار العمومي في عديد المجالات الحيوية والإستراتيجية.
الشاهد وهو مدرك لما ينتظره من «صدام» مع اتحاد الشغل، حرص في خطاب التعين أمس، على إن يقدم ابرز الإصلاحات الموجعة التي ينوى القيام بها، اصلاح الصناديق الاجتماعية لوقف عجزها عبر اقتراح الترفيع في نسبة المساهمة وسن التقاعد وخفض جراية التقاعد.
ثلاثة اجراءات لا ينظر اليها اتحاد الشغل بعين الرضا، حيث أكد سامي الطاهري الناطق الرسمي باسمه، ان الاتحاد منفتح على النقاشات لكنه متمسك بمصلحة الشغالين، مشيرا إلى حرصه على الوصول إلى توافقات في هذا الملف، لكن ليس في الوقت القريب وفق ما لمح، اذ انه من الصعب وفق قوله الوصول الى توافق كلي بشأن ملف التقاعد في السنة الحالية بل هو مستحيل وفق قوله.

ملف التقاعد لن يكون وحده العقبة بين الشاهد واتحاد الشغل، فملف صندوق الدعم وكيفية معالجة أزمته ستكون محل شد وجذب بينهما، فالحكومة التي أعلن رئيسها أنها مع ترشيد الدعم وتوجيهه لمستحقيه تواجه معضلة فالاتحاد وان كان مع قولها إلا انه يشدد على انه لا يجب ان يكون الحل على حساب الأجراء وأصحاب الدخل الضعيف، فأي حل لا يراعي هذا الأمر لن يجد دعما من الاتحاد.

ملف الصناديق الاجتماعية وصندوق الدعم قد يكونان الأيسر في النقاشات، فالاتحاد يعرب عن رغبته في الوصول إلى حل بشأنهما، لكن في الملف الثالث وهو الشراكة بين القطاع العام والخاص، موقف الاتحاد ظل كما هو عليه، رفض العمل بقانون الشراكة المصادق عليه من مجلس نواب الشعب، بل والإعلان عن نيته التصدي لتطبيقه «في الميدان».
التلويح باللجوء الى «الميدان» ضد اجراءات حكومية، لا يقتصر على قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بل يشمل هيكلة المؤسسات العمومية، فالاتحاد يعلن انه لن يقبل بالتفويت في اية مؤسسة وان قررت الحكومة القيام بذلك فانه سيلجأ الى الشارع.

اللجوء الى الشارع سيكون في حال تخلي الحكومة عن تعهداتها للاتحاد التي تتضمن عدم التفويت في المؤسسات، والانطلاق في إعادة الهيكلة والدعم للمؤسسات التي تعاني من أزمة، وهو ما يدعمه الاتحاد على قاعدة إضفاء النجاعة والشفافية على عمل المؤسسات.
رفض التفويت لا يقتصر على المؤسسات الناشطة في القطاع التنافسي بل يشمل تفويت الدولة في أصولها، فالاتحاد يعتبر اشارة الشاهد الى ضرورة تثمين اصول الدولة من أراضي وعقارات بمثابة «التفويت المقنع» وتخلي الدولة عن مسؤليتها.

هنا يشير سامي الطاهري الى ان الإجراءات التي تحدث عنها الشاهد لها عنوان وحيد وهو تخلي الدولة عن دورها كقوة اقتصادية ومنقذ استراتيجي في ظل الوضع المتردي، وان هذه السياسة تمكن بعض رجال الأعمال من الاستحواذ على مؤسسات الدولة ومنشآتها بثمن بخس، قائلا «هناني بناني».
موقف اتحاد الشغل الأولي من الإصلاحات الكبرى التي تحدث عنها رئيس الحكومة يكشف أن الأيام القادمة ستكون صعبة على الشاهد، خاصة انه سيجد نفسه في «خلاف» مع منقذه في أزماته الأخيرة، خلاف لا يتعلق بالتفاصيل بل بالأصل.

فالاتحاد لم يعلن رفضه لبعض التفاصيل الممكن تداركها بل أعلن رفضه لتوجه عام تسلكه الحكومة عبر تقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي وتحرير السوق تدريجيا، وهو توجه ليبرالي وان كان له بعد اجتماعي، سيجد رفضا من الاتحاد، المنظمة ذات الميول اليسارية رفض قد يتطور للمطالبة بإسقاط حكومة الشاهد التي بالكاد مرت في الشهر الاخير من عدة فخاخ كادت تودي بها

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115