خاص: الباروميتر السياسي لشهر سبتمبر 2017: تقييم التونسي للعمل الحكومي

نجاح في إرساء الأمن ومكافحة الإرهاب وفشل في البقية
• 76٫1 ٪ يثقون في رئيس الحكومة مقابل 55٫6 ٪ يثقون في الحكومة

• 77٫1 ٪ يرغبون في أن يلعب الشاهد دورا هاما في المستقبل
• 55٫5 ٪ مستقبل أبنائنا سيكون أسوأ من حاضرنا

قراءة وتحليل زياد كريشان
رأينا في عدد يوم أمس أن الباروميتر السياسي لشهر سبتمبر الذي تنجزه مؤسسة «سيغما» بالتعاون مع جريدة «المغرب» قد تميّز بأشياء ثلاثة:

- تفاقم نسبة التشاؤم عند التونسيين
- فك الارتباط بين رأسي السلطة التنفيذية، فالثقة في رئيس الحكومة في مستوى عال جدّا وهي نسبيا مستقرة رغم الانخفاض البسيط هذا الشهر بينما الثقة في رئيس الدولة قد شهدت نزولا وأصبحت سلبية من جديد...

في مؤشر الثقة الكبيرة في الشخصيات السياسية نرى تقدما هاما لشخصيتين يفرق بينهما التموقع السياسي والايديولوجي ويوحد بينهما في نظر التونسيين محاربتهما للفساد وهما يوسف الشاهد وسامية عبو.
وسوف نرى اليوم في بقية استعراضنا لنتائج الباروميتر السياسي تأثير كل هذه المستجدات على نظرة التونسي للأوضاع العامة للبلاد ولوضعيته الأسرية كذلك وتقييمه للحكومة وللمؤسسات الادارية والسياسية للبلاد...

احدى المفارقات الكبرى التي نلاحظها في هذا الباروميتر هي ما يمكن أن نسميه بفك الارتباط بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد وبقية منظومة الحكم فنسبة الرضا على أداء يوسف الشاهد مرتفعة جدّا رغم تراجعها الطفيف هذا الشهر: 79٫3 ٪: أقل من نصفها (36 ٪) هي الرضا الكبير والبقية (43٫3 ٪) هي الرضا إلى حدّ ما. وفي نفس هذا المستوى نجد أن رئيس الحكومة يحظى بثقة ثلاثة أرباع التونسيين (76٫1 ٪) منها 42٫9 ٪ من الثقة الكبيرة وأن نسبة مماثلة (77٫1 ٪) ترغب في أن يلعب يوسف الشاهد دورا هاما في الحياة السياسية مستقبلا..
ولكن مقابل كل هذا نجد أن الثقة في حكومته نسبية جدّا: 55٫6 ٪ من الثقة فيها 20٫9 ٪ فقط من الثقة الكبيرة وفي مجموع انعدام الثقة (43٫7 ٪) نجد أن 23٫7 ٪ لا يثقون بالمرة في هذه الحكومة...
تفسيرنا لفك الارتباط هذا بين رئيس الحكومة وحكومته وكذلك رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية هو أن جزءا هاما من التونسيين لا ينظرون إلى يوسف الشاهد كمسؤول عمّا يجري في البلاد بل كفرد يسعى للاصلاح - وخاصة مقاومة الفساد - دون أن يكون هذا السعي - في ذهن هذا الجزء من التونسيين - سياسة عامة للسلطة الحاكمة اليوم...

• نجاح في ارساء الأمن ومكافحة الإرهاب وفشل في البقية
يقيم الباروميتر السياسي منذ احداثه المجالات التسعة الأساسية في عمل الحكومة وهي مقسمة إلى ثلاثة محاور أساسية:

- الأمن: ارساء الأمن ومكافحة الإرهاب
- الاقتصاد والمعيشة: تحسين البنية التحتية والتنمية الجهوية وتحسين الاقتصاد والتشغيل وتحسين ظروف العيش
- المحيط الاجتماعي: تحسين القطاع الصحي واصلاح التعليم

وعندما نسأل العينة عن مدى نجاح أو اخفاق الحكومة في كل مجال من هذه المجالات يكون الجواب واضحا ولا يحتمل أي تأويل: نجاح ملحوظ في ارساء الأمن (86 ٪) ومكافحة الارهاب (85 ٪) وفشل صارخ في المعيشة وعندما ننظر إلى ما يعتبره التونسيون نسبة نجاح كبيرة نرى أنها في حدود الثلث في مجالي ارساء الأمن ومكافحة الإرهاب ودون 5 ٪ في المجالات السبعة الأخرى وتصل هذه النسبة الى 1 ٪ في مجالي الحدّ من البطالة وتحسين الاقتصاد...

وعندما نقارن هذه النتائج بالشهر الماضي نرى أن جل هذه المؤشرات في تراجع طفيف باستثناء القطاع الصحي...
أما عندما نسأل هذه العينة عن اخفاقات الحكومة نجد أن حكم التونسي قاس جدّا فبالنسبة له مثلا الحكومة قد أخفقت في تحسين ظروف العيش بنسبة 89 ٪ منها 65 ٪ من الاخفاق الكبير وقد أخفقت أيضا بنسبة 83 ٪ في الحدّ من البطالة منها 56 ٪ من صنف الاخفاق الكبير..
ومع المقارنة بنتائج الشهر الفارط نرى استقرارا في الحكم السلبي على الحكومة..

• الأولويات المنتظرة من الحكومة
نطرح على التونسيين أولويات عشر (التسع الواردة في تقييم الحكومة ونضيف اليها مجال مكافحة الفساد المالي والاداري) ونطلب من المستجوبين اعطاءنا أولوية واحدة يعتبرونها أولوية الأولويات...
على امتداد هذه السنوات الماضية كانت أولويتان تتنازعان الصدارة وهما: مكافحة الإرهاب والتشغيل ومكافحة البطالة ولكن منذ شهر أفريل الماضي أصبحت أولوية مكافحة الفساد المالي والاداري في صدارة اهتمامات التونسيين بل حققت رقما قياسيا في باروميتر جوان الماضي ببلوغها 28٫6 ٪ وكان ذلك مباشرة اثر إعلان الحكومة حربها على الفساد...
ولكن الغريب أن هذه الأولوية ما انفكت تتراجع منذ تلك الفترة الى أن أضحت الأولى فقط عند15٫8 ٪ من التونسيين مقابل عودة مكافحة الإرهاب الى الصدارة بـ 16٫8 ٪ وصعود تحسين ظروف العيش والحدّ من غلاء المعيشة ولأول مرة الى المرتبة الثالثة بـ 13٫3 ٪ متقدمة على «التشغيل والحدّ من البطالة» التي لم تذكر إلا عند 12٫7 ٪ فقط...
نحن اذن أمام عملية تجميع الأولويات الأساسية للتونسيين فلم تعد هنالك أولوية أو أولويتان طاغيتان على الاهتمام بل جملة من الأولويات فيها ما له بعد وطني عام وفيها المرتبط مباشرة بالمحيط الشخصي للأفراد ولكنها كلها تدل على تنوع الانتظارات والاحساس بأن جلها لم تحقق بعد بالشكل المرضي...

• في سوسيولوجيا أولويات التونسيين
تجميع الأولويات على المستوى الوطني لا يعكس دوما الانتظارات الخصوصية للجهات والطبقات الاجتماعية والفئات العمرية والجندرية...
فمكافحة الإرهاب هي أولوية الأولويات في جهات تونس الكبرى والشمال الغربي والوسط الشرقي والوسط الغربي والجنوب الغربي بينما تتراجع الى المرتبة الثانية في الشمال الشرقي (بنزرت وزغوان ونابل) وتتقهقر إلى المرتبة السادسة في صفاقس وفي الجنوب الشرقي (قابس وتطاوين ومدنين)... ففي هاتين الجهتين الأولوية القصوى هي لمقاومة الفساد...
ثم تأتي المسائل ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي، من الناحية الجندرية تبقى النساء أكثر حساسية لأولوية مكافحة الإرهاب وبعد ذلك التشغيل والحدّ من البطالة بينما يركز الرجال على مكافحة الفساد المالي والاداري فمكافحة الارهاب...
وما ينبغي أن نتوقف عنده هو أن أولوية الأولويات بالنسبة للطبقة المرفهة هي التنمية الجهوية والاستثمار في الجهات وذلك بالتوازي التام مع مكافحة الفساد المالي والاداري...

وهذا يعني أن هنالك وعيا لدى هذه الفئة الاجتماعية بأن من شروط استمرار الرفاه النسبي أو الهام الذي تتمتع به هو أن يتم تعميم هذا الرفاه بواسطة التنمية الجهوية بداية ومكافحة الفساد ثانية...
بالنسبة للطبقة الوسطى العليا (الاطارات، كبار الموظفين، المهن العليا...) مكافحة الفساد هي أولوية الأولويات بينما نرى عودة الهاجس الأمني عند الطبقة الشعبية...
بالنسبة للفئات الشبابية الأولوية الأولى هي للحدّ من البطالة ولتحسين ظروف العيش، بينما تطغى الهواجس الأمنية عند الفئات المتقدمة نسبيا في السن..
وبقدر ما يتقدم التونسي في السلم التعليمي تصبح مكافحة الفساد أولوية أولوياته، بينما تتفوق أولوية مكافحة الإرهاب عند الأميين وذوي مستوى التعليم الابتدائي...

• تقييم التونسي للأوضاع العامة والخاصة
موجة التشاؤم التي عمت هذا الشهر نجد آثارها في تقييم التونسي للوضع العام في البلاد اذ بقدر ارتياحه للوضع الأمني (82٫3 ٪) فهو مستاء من الوضع الاجتماعي (75٫2 ٪) ومستاء للغاية من الوضع الاجتماعي (88٫2 ٪)..
هذا التقييم السلبي ينعكس على تقييم التونسي لوضع عائلته المالي اذ هو أسوأ من وضع السنة الماضية بالنسبة لأغلبية التونسيين (56٫9 ٪) بينما يعتبر 15٫2 ٪ أن وضعهم قد تحسن فيما يرى حوالي الربع (27٫8 ٪) أن الوضع المالي لأسرتهم قد بقي على حاله...
هذا التقييم السلبي للسنة الحالية لا ينفي مسحة من التفاؤل النسبي للسنة القادمة اذ ترى أغلبية طفيفة أن وضع أسرتها المالي سيتحسن خلال الأشهر القادمة... ولكن يعود التشاؤم ليهيمن على آذهان التونسيين عندما يتعلق الأمر بتوقع مستقبل أبنائهم فهو سيكون أسوأ بالنسبة لـ 55٫5 ٪ مقابل 40٫3 ٪ يرونه أفضل...

• ثقة التونسي في المؤسسات والهياكل
نختبر 13 هيكلا ومؤسسة لنرى مدى ثقة التونسيين فيها:
كالعادة هنالك ثقة شبه اجماعية في المؤسسة العسكرية بـ 98 ٪ منها 88٫4 ٪ من الثقة الكبيرة .. وتأتي المؤسسة الأمنية، كالعادة، في المرتبة الثانية بمنسوب ثقة مرتفع (82 ٪) ولكن بثقة كبيرة لا تتجاوز النصف (47٫8 ٪) وقد شهدت هاتان المؤسستان، رغم ارتفاع منسوب الثقة فيهما، زيادة بنقطة في هذا الشهر.. في المقابل تراجعت الثقة في كل الهياكل والمؤسسات الأخرى باستثناء الاعلام الذي حافظ على نفس النسبة (53 ٪) والمجتمع المدني (64 ٪) والبرلمان (32 ٪)..

أما أكبر التراجعات فكانت من نصيب رئاسة الحكومة بثماني نقاط (من 54 ٪ إلى 46 ٪) فالائمة ورجال الدين بسبع نقاط (من 57 ٪ إلى 50 ٪) فالحكومة بست نقاط (من 62 ٪ إلى 56 ٪)..
وكالعادة نجد في مؤخرة هذه القائمة مجلس نواب الشعب بـ 32 ٪ (منها 10٫3 ٪ من الثقة الكبيرة) والأحزاب السياسية بـ 20 ٪ منها 3٫7 ٪ فقط من الثقة الكبيرة.
هذه هي الوضعية النفسية للبلاد ونحن على مشارف تحوير وزاري ونستعد لانتخابات بلدية قد تجرى وقد لا تجرى هذه السنة...
البلاد بحاجة إلى رجة نفسية تعيد إليها الأمل..
بداية هذه الرجة كانت مع حملة الاعتقالات التي شملت بعض كبار المهربين ولوبيات الفساد.. ولكن بات من الواضح أن هذا لا يكفي لوحده ليضع البلاد من جديد في مناخ الأمل وبالتالي على سكة العمل..
الجذاذة التقنية للدراسة

• العينة: عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي، مكونة من 976 تونسي تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر.
تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas)حسب الفئة العمرية، الولاية، الوسط الحضري أو الريفي.

• طريقة جمع البيانات: بالهاتف
CATI (Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
• نسبة الخطأ القصوى: 3 %
• تاريخ الدراسة: من 21 أوت 2017 إلى 28 أوت 2017

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115