المنصف المرزوقي : «هاجس» كتابة تاريخ على المقاس

17 حلقة من برنامج «شاهد على العصر» أعاد فيها الرئيس التونسي السابق محمد المنصف المرزوقي كتابة تاريخ البلاد كما يشتهيه، فهو «المنقذ» و«المناضل» و«الوطني» و«المفكر» الذي

كان يحارب متآمرين وجهلة وفاسدين أثناء تقلده لمنصب رئيس الدولة لثلاث سنوات، كان بمقدوره أن يجعلها أكثر لكنه زهد في ذلك.

لم يكن الرئيس السابق المنصف المرزوقي لإعادة كتابة تاريخ تونس بحاجة الا لمنبر لبث روايته عن كل شيء يتعلق بتونس وشعبها والثورة والانتقال الديمقراطي، في تسجيلات تجاوزت 7 ساعات ونصف، وهي التسجيلات التي بثت في انتظار البقية.

كتب المرزوقي تاريخا خاصا به. تاريخ تحدث المنصف المرزوقي عن بعض تفاصيله الجديدة في الجزء 17 من شهادته في برنامج «شاهد على العصر» الذي يبث على قناة الجزيرة الإخبارية، حيث خصص الدقائق الـ26 للحلقة للحديث عن أصل الخلاف القائم بينه وبين حركة النهضة وعن علاقته بالجيش التونسي وكيف طورها بإبعاد الجنرال رشيد عمار، دون ان يغفل عن تقديم رواية جديدة لأحداث اقتحام السفارة الأميركية في 2012.

المرزوقي أقر أن المشاكل انطلقت مع حركة النهضة بعد رسالته إلى المشاركين في مؤتمر حزبه السابق، المؤتمر من اجل الجمهورية، حيث أكد ان الخلاف كان مرده سعي النهضة للسيطرة على مختلف دوائر الحكم، وتعيين أتباعها في المناصب الحساسة بالدولة، والمماطلة في تحقيق التنمية.

ثلاث نقاط أضاف إليهن ما يعتبره سبب الخلاف الفعلي وهو تقارب النهضة مع رجال النظام القديم وتقديم تنازلات لهم، وهنا يشدد المرزوقي على ان حركة النهضة اتبعت خلال تجربة الترويكا الأسلوب نفسه الذي كان يعتمده النظام السابق في التعيينات أساسا، حيث كانت تقدم الولاء على الكفاءة.

إعادة كتابة التاريخ هو ما قام به المنصف المرزوقي طيلة حلقات البرنامج، وخاصة في الحلقة 17 التي اكد فيها انه اختار ان يكون محررا للثورة والوفي لها فجعل محاربة الفساد قضيته المركزية، وجعل دوره الأساسي أن يكون شاهدا على الثورة، وأن يدفع بهذا «التغيير العظيم» إلى حيث يجب أن يذهب.

فالحقيقة ومصلحة البلاد هي الأهم بالنسبة للرئيس السابق من أي ارتباطات أو علاقات، ومن ذلك حدد دوره الذي قال انه «ليس دور إنسان مهمته البقاء في السلطة بأي وسيلة»، فهو لو رغب لظل فيها بابرام تحالفات مع «أعداء الثورة» ورموز النظام القديم كما فعلت النهضة، لكنه حمل أمانة دم الشهداء.

أمانة لم تكن تحول دون التنازلات الكبرى التي قدمها المنصف المرزوقي وهو في منصبه بقصر قرطاج أو دعمه لعدد من وزراء حزبه تنصل لاحقا منهم وكال لهم أوصافا عدة، ولم نره يعلن عن موقف رافض لسياسات وزير العدل في حكومتي الجبالي والعريض، نور الدين البحيري الذي بات بعد خروجه من قرطاج يتهمه بأنه العقل المدبر لتقارب النهضة مع النظام القديم.

البحيري الذي أعلن المنصف المرزوقي انه حال دونه وتقلد منصب رئيس الحكومة بعد استقالة الجبالي، وانه لولا رفض المرزوقي لذلك لوقع تعيينه متغافلا عن أن مجلس شورى حركة النهضة صوت لصالح ترشيح علي العريض الذي نافسه البحيري.

محاولة الظهور كالشخص الحاسم في الخيارات السياسية الكبرى في تونس، او عودته للحديث عن «غريمه» رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي وتقديمه في صورة «الجاهل بالسياسة» وبكيفية ادارة الدولة، ليس هما اخطر ما أعلنه المرزوقي الذي يواصل خرق مبدإ التحفظ الذي يفترض ان لا يقدم اية معطيات تتعلق بالامن الوطني.

لكنه فعلها وكتب التاريخ على مقاسه وهواه، خاصة في حديثه عن علاقته بالجيش، الذي يشدد على أنها تحسنت بعد استقالة قائده رشيد عمار، الذي اتهمه بالعصيان وتدبير انقلاب، عصيان تمثل في رفض انزال الجيش لتامين السفارة الامريكية بعد اقتحامها من قبل المتظاهرين من التيار السلفي.

هنا تحدث المرزوقي بإطناب عن دوره كمنقذ في أزمة السفارة الأميركية، التي عدّها من أخطر الأزمات التي مرت بها تونس، فأمام التقصير الأمني «غير المبرر» ورفض قادة أجهزة الأمن الرد على اتصالاته ، و اختفاء حمادي الجبالي. تدخل المنصف المرزوقي لينقذ الموقف.

عملية إنقاذه انطلقت بان طالب رشيد عمار، قائد اركان الجيش حينها، بإرسال وحدات من الجيش لحراسة السفارة، طلب لم تقع الاستجابة له واعتبر المرزوقي ذلك بمثابة العصيان له، عصيان استهل بـ«مماطلته في ارسال الجيش» قبل ان يعلمه رشيد عمار انه يحتاج الى أمر كتابي، وهو ما قبل به المرزوقي الذي قال انه «اكتشف قصورا أمنيا كبيرا وغير مفهوم».

هنا قفز المرزوقي فوق كل شيء وقدم نفسه كرجل دولة وقائد للجيوش يأمر بتحركها فلا تتحرك لان هناك مكيدة تحاك ضده، وغفل عن ذكر ان إرسال وحدات عسكرية إلى مقر سفارة أجنبية هو «إعلان حرب» ونسي أن السفارة الامريكية تتعرض لهجوم من السلفيين، الذين استقبل المرزوقي قادتهم في قصر قرطاج وجالسهم.

تغافل واقتطاع اجزاء من الوقائع بهدف تقديم روايته للتاريخ وتفاصيله شملت كل شيء لدى الرئيس السابق، الذي اعلن انه حال دون إنزال عسكري أمريكي في تونس، وقال ان وزير الدفاع حينها عبد الكريم الزبيدي اتصل به لأخذ موافقته على عملية الإنزال، لكن المرزوقي رفض، فلا سبيل الى قبول قوات أجنبية على الأراضي التونسية وفق قوله.

رفض اقترن بإعطاء تعليمات للأمن الرئاسي بحماية السفير الأمريكي وإبعاد المحتجين عن محيط السفارة، لإنقاذ البلاد من تدخل أجنبي. لكن هنا رواية المرزوقي ملأى بالثغرات وبأنصاف الحقائق والأكاذيب، ففي رواية مغايرة قال عبد الكريم الزبيدي ، وزير الدفاع حينها، ان مدير ديوان المرزقي اتصل به وطالبه بقبول عملية إنزال للمارينز في تونس، وأشار إلى انه وقع توجيه وثيقة تتضمن هذا الطلب للوزارة وكان ردهم عليها بالرفض.

كما ابرز ان عدد الجنود الأمريكيين الذين طلب من الوزارة قبول إنزالهم قارب الـ300 عنصر ، وان رفض وزارة الدفاع للأمر دفع إلى تغيير صبغته وخفض العدد الى بعض عناصر سمح لهم بالدخول بصفتهم أعوان حماية السفارة الأمريكية.

نسف رواية المرزوقي الباحثة عن كتابة جديدة لتاريخ تونس، ليس بالأمر الصعب، فقط يحتاج إلى العودة الى تصريحات ومواقف الرجل في الحكم وبعد مغادرته بقليل، او الوقوف على تناقضاته التي استمرت منذ الحلقة الاولى للبرنامج.

فالمرزوقي الذي شدد على ان الجيش التونسي غير مسيس ولا يتدخل في الشأن السياسي او يبحث عن تسيير الدولة، متمسك في روايته بوجود مخطط انقلاب، يلمح الى تورط الجنرال رشيد عمار فيه، وانه حال دون ذلك وابعد الرجل ليعود للجيش انضباطه والتزامه بعقيدته العسكرية.

ليس هذا فقط فالرئيس السابق الذي يشدد على ان النهضة انحرفت وتحالفت مع النظام القديم، وهذا خطأها الأكبر، كانت تخضع لتيار اقلي يقوده نور الدين البحيري متجنبا الحديث عن رئيس الحركة راشد الغنوشي، فهو يرغب في ترك مكان للصلح لاحقا مع «الشيخ» بهدف دعمه في الانتخابات القادمة ان قرر خوضها.

المرزوقي الذي تحدث عن خلفيته الحقوقية وكيف ظل وفيا للثورة وشعاراتها، غفل عن كونه كان فاعلا أساسيا في «الانحراف» الذي يشير إليه، وغفل عن أن أول سجين للرأي كان في فترة تقلده هو لمنصب رئيس الجمهورية، حينما حكم بالسجن 7 سنوات على شاب أعلن في تدوينة إلحاده، ورفض المرزوقي التعليق على قضيته او ان يشمله بالعفو، لولا تحرك منظمات دولية انته بالافراج عن الشاب.

في فترة المرزوقي الذي جعل محاربة الفساد هاجسه الأكبر، تورط عدد من قادة حزبه وممثليه في الحكومة في شبهات فساد وإهدار للمال العام لم يتحدث عنها، كما لم يتحدث عن تعيينه للعشرات في قصر قرطاج من منطلق الولاء كما تحدث عن النهضة.

رواية المرزوقي وشهادته على العصر لا هاجس لها الا اعادة كتابة تاريخ الرجل وتونس بما يتناسق مع رغباته، فهو الوطني المناضل الحقوقي والمفكر السياسي الثوري اما ما عداه فهم من أصحاب المساوئ والقيم المنحطة، وهذا ما اعلنه سابقا في أحد برامج الجزيرة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115