بعد بلوغ شوط هام في مناقشة مشروع القانون الأساسي للميزانية: المطالبة بضرورة التنصيص على آجال تقديم مشاريع الميزانيات وغلقها

يعتبر مشروع القانون الأساسي عدد 71 لسنة 2015 المتعلق بالقانون الأساسي للميزانية من أهم مشاريع القوانين التقنية المعروضة على أنظار لجنة المالية والتخطيط والتنمية، خصوصا وأنه يثير عديد النقاط

الخلافية خلال المصادقة على ميزانيات الدولة من كل سنة. هذه النقاط متمثلة أساسا في آجال تقديم مشاريع الميزانيات وغلقها، بالإضافة إلى مسألة منح الاستقلالية المالية والإدارية لبعض المؤسسات والهيئات والهياكل.

تواصل لجنة المالية والتخطيط والتنمية بمجلس نواب الشعب مناقشة القانون الأساسي عدد 71 لسنة 2015 المتعلق بالقانون الأساسي للميزانية، وذلك من خلال عقد سلسلة من جلسات الاستماع من أجل التعرف على نقاط ضعف القانون بهدف تطويره على أن تتم المصادقة عليه خلال المدة القادمة. وقد شملت جلسات الاستماع كلا من شوقي الطبيب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وعدد من ممثلي الهيئة وممثلين عن دائرة المحاسبات.

مشروع القانون الذي يضم 71 فصلا والمعروض على أنظار لجنة المالية منذ 20 نوفمبر 2015، شهد تأخيرا مبالغا فيه من أجل المناقشة، يهدف أساسا إلى مواكبة الممارسات الحديثة للتصرف في المالية العمومية وخاصة منها تلك المتعلقة بالتصرف في ميزانية الدولة حسب الأهداف. كما يهدف المشروع إلى تجاوز نقائص القانون الأساسي للميزانية الحالي المتمثلة في نقص المرونة في التصرف في الاعتمادات الموضوعة على ذمة المتصرفين وانعدام مقاربتها بالأداء، وإلى ملاءمة المنظومة المحاسبية مع التوجه الجديد للتصرف في ميزانية الدولة.

ضعف ميزانيات بعض الهيئات
جلسات الاستماع أبرزت عددا من النقائص على مستوى الميزانيات المرصودة لبعض الهيئات، منها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، حيث اعتبر رئيسها شوقي الطبيب أن الهيئة تعاني من عديد الصعوبات نتيجة ضعف الميزانية المرصودة لها، وهي نفس المسألة تقريبا بالنسبة للقطب القضائي المالي ودائرة المحاسبات وهيئات الرقابة إجمالا وخلايا الحوكمة باستثناء هيئة الحقيقة والكرامة. واعتبر ممثلو الهيئة أن مقاومة الفساد تتطلّب عمليات تحسيسية متواصلة وندوات، مشيرين إلى ضرورة منح الحكومة الإمكانيات اللازمة لهيئة مكافحة الفساد، خصوصا أن هناك بعض الخيارات التي يمكن أن تصنف بالخاطئة من حيث الاعتمادات المرصودة لبعض القطاعات. كما أكدوا على ضرورة التعاطي مع شبهات الفساد بطريقة جدية ومراقبة المال السياسي للجمعيات والأحزاب، ومع مشكل النصوص التطبيقية المنقوصة إلى جانب التركيز على الرقابة الداخلية.

بين منح الاستقلالية من عدمها
من جهة أخرى، قدم ممثلو دائرة المحاسبات رؤيتهم حول مشروع القانون، باعتباره سيساهم في تطوير التصرف في الميزانية حسب الأهداف المرسومة في مشروع القانون في ما يتعلق بحسن توظيف وتسيير المال العام وتسهيل الدور الرقابي لمجلس نوّاب الشعب في كامل أطوار الميزانية وذلك من خلال توفير المعلومة بكل شفافية ووضوح. كما اعتبروا أن الاعتراف بالاستقلالية المالية ينصهر تماما مع أحكام الدستور، في ظل التنصيص على تكامل عمل مجلس نوّاب الشعب ودائرة المحاسبات تكريسا لأحكام الفصل 117 من الدستور الذي يقّر بان محكمة المحاسبات تساعد السلطة التشريعية والتنفيذية على رقابة وتنفيذ قوانين المالية وغلق الميزانية. واعتبروا في هذا الصدد أن الاستقلالية المالية لدائرة المحاسبات قد غيّبت في مشروع القانون الأساسي للميزانية، مؤكّدين على ضرورة مراجعة بعض فصوله تدعيما وتعزيزا لهذه لاستقلالية بهدف تمكين الدائرة من ممارسة مهامها الرقابية على أكمل وجه.

لكن في المقابل، وبالرغم من أهمية مشروع القانون إلا أنه يعاني من بعض الهنات التي وجب تداركها خلال مناقشة مشروع القانون فصلا فصلا، وأهمها الفصل 18 من مشروع القانون الذي يحدّد قائمة الهيئات التي تضطلع بمهّمات خاصة، ولم ينصّ على محكمة المحاسبات. كما اعتبر ممثلو دائرة المحاسبات أن جميع الهيئات المنصوص عليها صلب الفصل يجب أن تشترك في ضرورة تمتّعها بالاستقلالية المالية. وبخصوص الفصلين 38 و41 ، فإنه يجب إضافة دائرة المحاسبات ضمن المؤسسات التي تخصّص لها اعتمادات من ميزانية الدولة على أساس حاجياتها من التمويل في إطار توازن ميزانية الدولة، بالإضافة إلى العمل على ضرورة ضبط آلية تحديد موارد الدولة المتأتية من الثروات الطبيعية لتمويل النفقات الموّجهة للنهوض بالتنمية الجهوية على مستوى وطني والمنصوص عليها بالفقرة الأخيرة من الفصل 10 من مشروع القانون، على أن يتم إحداث حساب خاص في خزينة الدولة لهذه الموارد.

عديد النقائص البارزة صلب مشروع القانون تم التطرق إليها خلال جلسات الاستماع، من بينها كذلك الفصل 57 المتعلّق بإمكانية تجميد الاعتمادات المرّسمة بقانون المالية أو إلغاؤها، على نسبة قصوى من الاعتمادات التي يمكن تجميدها ولاسيما ضرورة ضبط آلية رفع التجميد والتنصيص على ضرورة رقابة السلطة التشريعية على عملية التجميد.بالإضافة إلى الفصل 26 المتعلّق بكيفية مسك المحاسبة العامّة ومعايير ومبادئ تقديم القوائم المالية، والى الفصل 70 المتعلّق بآجال دخول أحكام الفصل 26 حيّز التنفيذ وذلك في اجل أقصاه سنة 2021. وفي هذا الإطار، تمت المطالبة بضرورة توّفر حيّز زمني على الأقل بسنة واحدة بين تقديم القائمات المالية والمصادقة عليها من قبل دائرة المحاسبات لكي تتمّكن الدائرة من تقييمها.

ضرورة تحديد آجال لتقديم الميزانية
ومن أهم الإشكاليات المطروحة التأخير المبالغ فيه في المصادقة على غلق الميزانيات ويعود بالأساس الى توازي تقديم مشروع غلق الميزانية ومشروع قانون المالية دون تحديد أي آجال أو حيّز زمني مما ينجرّ عنه إشكال في الرقابة. هذا الأمر يستوجب وضع آجال قصوى أو دنيا لتقديم وزارة المالية لمشروع قانون غلق المالية على الأقل قبل ستة أشهر من إحالته على مجلس نواب الشعب. في المقابل، تطرق أعضاء اللجنة إلى أهمية ضبط آجال لإعداد القائمات المالية وتقديمها إلى دائرة المحاسبات، وحول جدوى ذكر دائرة المحاسبات ضمن قائمة الهيئات التي تضطلع بمهمات خاصة والمنصوص عليها صلب الفصل 18 على اعتبار انّه تم التنصيص على المجلس الأعلى للقضاء والذي تعتبر دائرة المحاسبات جزءا منه. كما أكد النوّاب أن تمتّع دائرة المحاسبات بالاستقلالية المالية ليس شرطا لتوّفر وتحسين إمكانيات الدائرة. في حين اعتبر بعض النواب أنه لا يمكن منح الاستقلالية المالية لدائرة المحاسبات باعتبارها تفتقر إلى عديد الإمكانيات البشرية والمالية مما يجعلها غير قادرة على تقييم سياسات الدولة.

هذا ومن المنتظر أن يتم تنظيم مائدة مستديرة تجمع جميع الأطراف المعنية من السلطة التنفيذية ولاسيما التشريعية للتداول بخصوص أهم إشكاليات مشروع هذا القانون وإيجاد حلول لها قبل المصادقة على مشروع القانون، على أن يتم الاستماع خلال الأسبوع القادم إلى منظمة «بوصلة» بخصوص كيفية مناقشة مشاريع الميزانيات وآليات مراقبتها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115