حديث الأنا: أساس التنميّة كدّ وعمل وتعلّم

ما يجري في تطاوين يقلقني. هذا الحراك الشعبيّ في الجنوب يزعجني. أنا لا أحبّ الهرج، أصله وفرعه. ما يحصل في الجنوب يحيّرني وأرى فيه توتّرا لا ينفع. أحيانا، أرى في تحرّكات شعب الجهات هرجا مضرّا وألوم السلط وأدعوها الى التدخّل حتّى توقف هذا الصخب السيّء

والى صدّ المتظاهرين وقطّاع الطرق بما لها من عنف شرعي...

هل أنا رجعيّ؟ هل أنا من البورجوازيّة، عدوّ للشعب وحقّه في التنميّة...؟ أحيانا أسأل نفسي لماذا انقلب الفكر على فكريّ. لماذا غدوت مناهضا لتحرّك الشوارع وتحرّك الشوارع كان أسقط المخلوع ومن معه؟ أفليس الشعب هو من يعدّل الموازين ويكتب التاريخ؟ هذا ما كنت أعتقد وهذا ما كنت أقول.

لماذا أنا اليوم أقف في وجه الشارع ولا أرى نفعا في تحرّكات شعب الجنوب؟ أوّلا. لأنّي أومن أنّ الهرج والتشويش لا يثمران ولا يعطيان تنميّة ولا شغلا بل سيزيد الهيج الوضع تبعثرا والحال سوءا. ثانيّا. لأنّ التنميّة عمليّة جدّية يلزمها نظر وتدبير. حين يحصل الصخب ترتبك الأحوال ويختلّ الأمن وتتكدّر الأنفس ويشدّ كساد السوق. ثالثا. ما كانت التنميّة شأنا سياسيّا تقرّره الدولة على عجل، ارضاء للمحتجّين. كم من تنميّة حصلت في ما مضى وما هي بالتنميّة بل هي هدر للمال العام واحباط للنفوس. كلّ تلك المشاريع التي أسّسها الحاكم هي اليوم الى الافلاس أقرب. كلّ ذاك الشغل الذي بعثه الحاكم هي أكواخ بائسة، لا تسمن ولا تنتج...

كذلك فعلت حكومة الترويكا لمّا اقحمت في الوظيف عشرات الآف من المناضلين ومن البطّالين فأثقلت الموازين وأتلفت أموال المسلمين. كلّ تشغيل غير منتج، غير مربح فيه افلاس، هو نفخ في الريح. بعد الثورة، أقامت الحكومات المشاريع، على عجل، ارضاء للمهمّشين. خاب سعيها وتواصل الهرج وتفاقم العجز وها نحن اليوم نتسوّل، نستجدي مساعدات من قطر وقروضا من الصندوق. رابعا. الكلّ يعلم أنّ الميزانيّة في عجز كبير وأنّ الدولة لا تملك من الموارد ما يكفي لتأمين الأجور ولسدّ خسارات القطاع العامّ والصناديق... كيف للدولة التأسيس للتنميّة ومواردها قد نفذت وانسدّ أمامها الطريق؟ خامسا. الدولة المحترمة ترفض التهديد، بل هي تواجهه. الدولة المسؤولة لا تقبل المساومة والوعيد ولن ترضى المشي وراء الشوارع وان اشتعلت الشوارع نارا لهيبا...

الحكومة الحاليّة والسابقة كانت دوما تساوم، تهادن، تعد، تخاف الشوارع وتهاب المتظاهرين. كذلك، انفلت الشارع وكان التهافت وحصلت فوضى... منذ الثورة، أدرك الناس ما في الحكم من ضعف وهو المنتخب. أدرك الشارع أنّ الحاكم لا كفاءة له، مهزوم، مهزوز، لا يرى، لا يتدبّر، فامتلأت الشوارع وازداد الهيج وعلا الصخب... منذ الثورة، وفي تونس فيض نتن. فمتى ننتهي؟ يجب أن ننتهي. يجب أن نقول للحاكم انهض أو تخلّى ان لست للحكم بمتأهّل. يجب أن نقول للشارع كفى خروقات ولشعب الجنوب كفى تعطيلا للحياة، للعمل، للتعلّم وليعلم أهل الجنوب أنّ أساس التنميّة كدّ وعمل وتعلّم...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115