27,3 % حركة النهضة 27,2 % نداءتونس 9,4 % الجبهة الشعبية 6,3 % التيار الديمقراطي
قراءة وتحليل زياد كريشان
تفصلنا عن الانتخابات البلدية حوالي ثمانية أشهر وفي الحقيقة أقل بكثير من ذلك إذا ما اعتبرنا فقط الزمن المفيد وحذفنا فترة الامتحانات وشهر رمضان والعطلة الصيفية ..
ورغم أن جلّ الأحزاب لا تعلن عن طبيعة استعداداتها لهذا الموعد الانتخابي الهام إلا أننا نعلم أن جلّها قد بدأ يعد العدة لها منذ أشهر ويتحسس مواطن قوته وضعفه في أعسر امتحان ديمقراطي لكافة منظومتنا الحزبية..
سبر الآراء الذي أجرته مؤسسة سيغما حول نوايا التصويت في الانتخابات البلدية في أواخر شهر فيفري الماضي يبين تواصل المشهد السياسي العام الموروث منذ انتخابات خريف 2014 مع تراجع بيّن لحركة نداء تونس وتقدم طفيف للغاية لحركة النهضة يسجل لأول مرة في عمليات سبر الآراء لمؤسسة سيغما..
فيما تفتك الجبهة الشعبية المرتبة الثالثة بـ %9.4ويصعد التيار الديمقراطي إلى المركز الرابع بـ %6.3 ويختتم تيار المحبة خماسي الطليعة بـ%4.8 ..
من نافلة القول التذكير بأن عملية سبر نوايا التصويت تعطي صورة مؤقتة في الزمان وأن هذه الصورة مدعوة للتطور خاصة وان ثمانية أشهر كاملة مازالت تفصلنا عن موعد الانتخابات البلدية..ولكن لهذه الصورة أهمية قصوى كذلك لأنها تعطينا فكرة عن التوازنات السياسية الحالية وتسمح لنا بقيس توجهات الرأي العام وعلاقة الثقة أو الارتياب التي يبنيها مع مكونات المشهد السياسي الحالي ..
في نوايا المشاركة في الانتخابات
من الصعب القيس الدقيق لنوايا المشاركة في الانتخابات البلدية القادمة إذ نحن أمام مجالات كبرى للتغير فمن يؤكد اليوم نيته للمشاركة في التصويت قد يعزف عن ذلك غدا والعكس بالعكس ثم لا ننسى أننا نتحدث عن جسم انتخابي يقدر بحوالي 8800000 مواطن هم في سن الاقتراع ولكن حوالي 4 ملايين منهم غير مسجلين الآن في القائمات الانتخابية والعملية الأهم والأصعب هي إقناع جزء هام منهم عندما تفتح عملية التسجيل بان يقوموا بهذه العملية..
عندما يسأل المستجوبون عن نيتهم في المشاركة في الانتخابات البلدية من عدمها يقول ربعهم (%26) بأنه لن يصوت فيما لا يعلم حوالي الخمس (%18.7) هل سيصوت أم لا ويرفض %1.3 الإجابة ويعبر %54 من العينة عن نيتهم في ممارسة حقهم الدستوري وهذا ما يعطينا حوالي 4.750.000 نسمة من الجسم الانتخابي الإجمالي أي دون عدد المسجلين بقليل.
وتعتبر هذه النسبة ،رغم كل شيء، مرتفعة للغاية مقارنة بالانتخابات التشريعية والرئاسية السابقة وهذا ما يجعلنا نعتقد بأن التعبير عن نية المشاركة عند جزء من التونسيين هو أرفع من العزم الفعلي عن القيام بهذا الواجب الانتخابي
تراجع النداء وصمود النهضة
لو تقع الانتخابات البلدية سيتحصل كل من النهضة والنداء على حوالي %14.7 من نوايا التصويت من جملة كامل الجسم الانتخابي ولكن عندما نحتسب مجموع الأصوات المصرح بها (تماما كما سيكون الحال في الظروف العادية للانتخابات ) سنجد تقدما طفيفا لحركة النهضة بـ %27.3 على حساب نداء تونس بـ %27.2وهذا يحصل لأول مرة في استطلاعات الرأي لسيغما منذ انتخابات خريف 2014..
وبالطبع عندما نحتسب هامش الخطأ لا يمكن أن نجزم بتقدم حزب على الآخر بل كل ما يمكن قوله هو أنهما متعادلان في وزنهما الانتخابي ولكن مع فارق هام وهو أن حركة النهضة لم تخسر شيئا من قوتها الانتخابية مقارنة بتشريعية 2014 بينما خسر نداء تونس ثلث وزنه الانتخابي ..وهذا دون احتساب انعكاسات صراعاته الداخلية عندما نقترب من مرحلة الحملة الانتخابية ..
ولكن ما تؤكده كل عمليات سبر الآراء لمختلف المؤسسات التونسية وحتى الأجنبية أن نداء تونس مازال محافظا على تمثيلية انتخابية معتبرة وان الأحزاب التي تريد أن تنافسه على قاعدته الانتخابية ،كمشروع تونس مثلا ،لم تتمكن - إلى حدّ الآن – من افتكاك جزء هام من رأس المال الرمزي الذي مازال يتمتع به نداء تونس رغم كل انشقاقاته والمهازل التي تعيش فيها قيادته الحالية..ويبدو أن مصدر قوته الأساسي هو انه حزب الحكم وحزب رئيس الدولة وناخبوه ليسوا مستعدين لمغادرته إلا لحزب حكم آخر (ما عدا النهضة) وهذا العرض السياسي الذي يتنافس حوله كثيرون لم يحصل بعد في أذهان غالبية الناخبين ..
في سوسيولوجيا ناخبي النهضة والنداء والجبهة والتيار
سوف نسعى هنا للتعرف على المواصفات السوسيولوجية لناخبي الأحزاب الأربعة الأولى : النهضة والنداء والجبهة الشعبية والتيار الديمقراطي .
أغلبية ناخبي النهضة والنداء من الرجال ولكن الفارق أوضح عند الحركة الإسلامية ولا يتجاوزها هنا إلا الجبهة الشعبية (%57.6من الرجال عند النهضة و%58.6عند الجبهة ) وحده التيار الديمقراطي يتمتع بمناصفة انتخابية مطلقة..
العنصر الأساسي لمعرفة مواصفات ناخبي هذه الأحزاب الأربعة هو البعد الاجتماعي ..
تنقسم العينة، كما سائر المجتمع ، إلى أربعة مستويات اجتماعية : الطبقة المرفهة والطبقة المتوسطة العليا (المهن الحرة والإطارات والجامعيين..) والطبقة المتوسطة السفلى (صغار الأجراء والحرفيين وصغار التجار..) والطبقة الشعبية..
تمثل الطبقة المرفهة %8 من مجموع الناخبين ونحن نجد النسبة الأقل من هذه الشريحة الاجتماعية عند حركة النهضة بـ %5.9 بينما تكون النسبة الأرفع عند الجبهة الشعبية (%10.3) ويليها مباشرة التيار الديمقراطي بـ %9.4 أما نداء تونس فهو في المعدل الوطني بـ%8.3 .
ولكن الفارق الأكبر يتضح عند الطبقة الوسطى العليا التي تمثل حوالي ربع الناخبين (%24) وهي قريبة من هذه النسب عند النهضة (%27.1) والنداء (%28.4) ولكنها ترتفع إلى ما فوق الثلث عند الجبهة الشعبية (%37.9) وتتجاوز النصف بوضوح عند التيار الديمقراطي (%56.3).
تمثل الطبقة الوسطى السفلى %30 من مجموع الناخبين ونجدها بنسب متقاربة عند النهضة والنداء بـ %32.9 و%33.8وترتفع هذه النسبة قليلا عند الجبهة (%36.2) ولكنها تنخفض بوضوح كبير عند التيار الديمقراطي (%18.8)
أما فيما يخص الطبقة الشعبية والتي تمثل %38 من مجموع الناخبين ولكن اقل من ذلك بوضوح عند المصرحين بتصويتهم فان هذه النسبة تبقى مرتفعة عند النهضة (%34.1) وهامة عند النداء (%29.4) ولكنها تنهار عند الجبهة (%15.5) والتيار (%15.6) .
نحن هنا أمام مشهد غريب إيديولوجيا ولكنه متوقع في نفس الوقت فحركة النهضة ونداء تونس هما الحزبان « الشعبيان» الوحيدان في تونس أي أن تصويت الفئات الشعبية والطبقة الوسطى السفلى يمثل عندهما حوالي ثلثي قوتهما الانتخابية (%67عند النهضة و%63.2عند النداء ) بينما لا تمثل هاتان الطبقتان إلا نصف القوة الانتخابية للجبهة الشعبية (%51.7) بينما تنزل هذه النسبة عند التيار الديمقراطي إلى الثلث (%34.4)..
فالتيار الديمقراطي بهذا المعنى هو الحزب الأكثر نخبوية في تونس وقد يعود هذا لطبيعة المشروع السياسي لهذا الحزب المركز بالخصوص على محاربة الفساد وهذا ما يجد تجاوبا ايجابيا خاصة عند الفئات ذات المستوى الاجتماعي وكذلك الدراسي المرتفع كما سنرى ذلك فيما بعد..
الطابع « الشعبي « للنهضة والنداء و«النخبوي» للجبهة وخاصة للتيار الديمقراطي سنجده بوضوح عندما نرى هيكلة القاعدة الانتخابية لكل حزب وفق المستوى التعليمي لأفرادها..
يمثل الأميون حوالي خمس الجسم الانتخابي (%19.3) ولكن هذا الصنف من مجتمعنا هو الأكثر عزوفا عن التصويت لذا لا نراه يمثل إلا نسبا ضعيفة عند هذه الأحزاب الأربعة : %3.4 عند النداء و%1.7 للجبهة و%1.2 للنهضة وصفر بالنسبة للتيار الديمقراطي .
أصحاب مستوى التعليم الابتدائي يمثلون ثلث الجسم الانتخابي (%32) وهم أيضا يسجلون نسب عزوف كبيرة عن التصويت لذلك تراهم في مستوى %17.6 عند النهضة و%16.7 عند النداء وتنزل هذه النسبة إلى %6.9 عند الجبهة و%6.3 عند التيار ..
أصحاب مستوى التعليم الثانوي يمثلون %36.6 من الجسم الانتخابي وهنا الفرق بين الأحزاب واضح جدّا فعند القاعدة الانتخابية النهضوية يمثل هذا الصنف أكثر من النصف (%54.7) ثم تتراجع هذه النسبة إلى %45.6 عند النداء فـ%41.4 عند الجبهة أما عند التيار فهذه النسبة في الربع فقط..
والفارق يصبح جليا عند أصحاب التعليم العالي الذين يمثلون ثمن الناخبين (%12.1) ولكنهم يتجاوزون الربع عند النهضة (%26.5) والثلث عند النداء (%34.3) ويبلغون النصف عند الجبهة (%50) وهو أكثر من الثلثين عند التيار (%68.8) وعندما ترى توزيع نوايا التصويت حسب الفئات العمرية نجد أن القاعدة الانتخابية للنهضة والنداء تتناغم مع المعدلات الوطنية ولكن نجد ميزة خاصة للجبهة الشعبية وللتيار الديمقراطي في فئة 30-44 سنة التي تمثل %31.9 على المستوى الوطني وتصل إلى %48.3عند الجبهة وتتجاوز النصف عند التيار (%53.1) فناخبو هذين الحزبين هم خاصة من شباب الكهول بينما يتفوق نداء تونس في فئة ما فوق 60 سنة مقابل تراجع هذه النسبة عند الجبهة والتيار..
التوزيع حسب الجهات
قد يكون التوزيع حسب الجهات هو التوزيع الأهم من الناحية الانتخابية لأنه يبين مواقع القوة والضعف لكل حزب وإمكانية الفوز ببلديات في مختلف مناطق الجمهورية..
تقسم الجمهورية التونسية إلى ثماني مناطق :
تونس الكبرى (تونس وبن عروس وأريانة ومنوبة) والشمال الشرقي (بنزرت وزغوان ونابل ) والشمال الغربي (باجة وجندوبة والكاف وسليانة) والوسط الشرقي (سوسة والمنستير والمهدية)وصفاقس والوسط الغربي (القيروان وسيدي بوزيد والقصرين) والجنوب الشرقي (قابس ومدنين وتطاوين ) والجنوب الغربي (قفصة وتوزر وقبلي )..
مواطن قوة النهضة بقيت هي هي : كامل ولايات الجنوب بشرقيها وغربيها وصفاقس بينما بقيت مناطق الضعف نفسها : الشمال الشرقي والشمال الغربي والوسط الشرقي ويبقى وجودها في تونس الكبرى وفي الوسط الغربي متقاربا مع المعدلات الوطنية .
أما بالنسبة لنداء تونس قوته بقيت رغم التراجع في تونس الكبرى والشمال شرقيه وغربيه والوسط الشرقي بينما حضوره ضعيف نسبيا في صفاقس والوسط الغربي والجنوب الشرقي وتبقى نتائجه متناسبة مع المعدل الوطني في الجنوب الغربي..
مواطن قوة الجبهة الشعبية مازالت في الشمال الغربي والوسط الغربي وإنضاف إليها الجنوب الغربي بينما تبقى نتائجها متواضعة في بقية الجهات ..
أمّا الوجود الهام للتيار الديمقراطي فهو بالأساس في تونس الكبرى وصفاقس والجنوب الشرقي ..
لاشك أننا أمام نوايا تصويت قد لا تسمح باستنتاجات نهائية في مستوى سوسيولوجيا الانتخابية ولكن يمكننا أن نقول أن هنالك حزبين لهما تمثيلية أكبر للفئات الشعبية أحدهما مواقع قوته الأساسية في الولايات الجنوبية (النهضة) والثاني (نداء تونس) في ولايات الشمال والوسط الشرقي تماما كما حصل في انتخابات 2014.. أما الجبهة فبقيت تقريبا كما هي سوسيولوجيا في انتخابات 2014.. مواطن قوتها عند الطبقة الوسطى العليا خاصة المدن الكبرى مع وجود ذي بال في كامل الولايات الغربية..
التيار الديمقراطي يمثل ،إلى حدّ ما، استثناء فهو حزب الكوادر والطبقة الوسطى العليا ذات المستوى الجامعي وعند صغار الكهول تحديدا (30-44 سنة ) وهذه فئات لديها تجاوب هامة مع جوهر التموقع السياسي للتيار: ثورة دون شعبوية شعارها المركزي محاربة الفساد ..ولكن يبقى هذا الحزب محصورا في هذه الفئات ولم يتمكن إلى الآن من تجاوزها ليصبح تيارا شعبيا على نمط الحزبين الكبيرين في البلاد..
يبقى وضع نداء تونس المحيّر إلى حدّ ما فكل الخلافات والانشقاقات والمهازل التي نراها كل أسبوع داخل أروقة قيادته الحالية ومسألة التوريث التي تلاحقه منذ سنتين ..كل هذا لم يترجم إلى انهيار كلي لهذا الحزب بل مازال محافظا على مواقع هامة رغم تراجع قوته الانتخابية بالثلث مقارنة مع انتخابات 2014 ..ولا شك أن الانتخابات القادمة ستكون محددة لمصير هذا الحزب فإن حقق على الأقل هذا المستوى المتوقع من التصويت يكون قد أنقذ الأساسي أما لو نزل تحت %20 فسيكون بلا شك قد خسر خسارة كبرى خلال 3 سنوات فقط..
أما بالنسبة للأحزاب الأخرى فلم نر لها إلى الآن حضورا لافتا في نوايا التصويت رغم التقدم الطفيف لتيار المحبة وحراك تونس الارداة ولكن إلى حد الآن لم تتمكن هذه الأحزاب (نضيف إليها آفاق تونس والوطني الحر ومشروع تونس) من أن تفرض نفسها كبدائل على المستوى القريب..أما بقية الأحزاب الأخرى فوجودها يكاد يكون منعدما.. وهذه هي المفارقة التونسية : أزمة في المشهد السياسي ولكن التوازنات الموروثة من انتخابات 2014 لم تتغيّر بعد بصفة جوهرية..
الجذاذة التقنية للدراسة
العينة : عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي ، مكونة من 1062 تونسي تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر
تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الفئة العمرية ، الولاية ، الوسط الحضري أو الريفي
طريقة جمع البيانات : بالهاتف
CATI (Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Centre)
نسبة الخطأ القصوى : %3
تاريخ الدراسة : 25 فيفري 2017 إلى 28 فيفري 2017