حديث الأنا: 8. أي منوال للتنمية ؟ نحو بناء دولة معدّلة فيها الفرد حرّ وفاعل

الشركات الوطنيّة ليست وطنيّة. هي لا تخدم الوطن وما كانت نصيرة له. نظرا لما تأتيه من انفاق مفزع ومن نتائج سيئة، الشركات العموميّة عبء ثقيل يحمله المواطن قسرا. ما كانت الشركات العموميّة في خدمة الشعب ولا هي تعاضده. هي أولا في خدمة الدولة. تسمّي الدولة

فيها أهلها وأحبّاءها ومنها تستأثر. في الشركات العموميّة كما في الوزارات، الوزراء والمديرون ورؤساء البعثات والولاة وكلّ الوظائف الساميّة هي حكر على الدولة وعلى المنظّمة. يسمّى مديرا من كان مقرّبا من الدولة أو من المنظّمة الشغّيلة. علاوة على الدولة والمنظّمة، تخدم الشركات العموميّة أهلها. يلقى العاملون فيها أجورا بهيّة ومنحا دون جهد كبير، دون شقاء يذكر. كلّ الناس اليوم في تونس رجاؤهم الشغل في القطاع العامّ، حيث الأجر مضمون والعمل نادر...

تحبّ المنظّمة الشغّيلة والدولة والأحزاب أيضا الشركات العموميّة وقد غدت حكرا عليهم. فيها يشتغل أبناؤهم ومنها يستمدّون جاههم... الشركات العموميّة في يد اتحاد الشغل قوّة فاعلة. منها مال يدرّ وبها تساوم وتضغط...

يجب بيع الشركات العموميّة وقد تبيّن افلاسها واتّضح ما فيها من رداءة ومن سوء. يجب بيعها حتّى ننتهي من عجوزاتها، من اضراباتها، من احتكاراتها. يجب بيعها خاصّة لما فيها من أعباء ماليّة ولما تلهف من موارد. كان الأولى أن تذهب موارد الميزانيّة الى الصحّة، الى الأمن، الى التعليم، الى بناء الجسور... لن ينفعها الدعم وقد سكن فيها فساد دائم وعبث وخور. يجب بيعها لأنّ الخواص هم الأقدر في السوق ولهم دراية في التسيير ومعرفة بالتصرّف. ان أفسد الخواص التصرّف وأفلسوا فذاك شأنهم وما ضاع وأتلف هو ما رصدوا. ان لزم، تباع ديارهم وأرزاقهم لتسديد ما اقترضوا...

رغم ما تأتيه الدولة من سوء في التصرّف ومن تسلّط يوميّ، ترى الأحزاب والمنظّمة والناس العامّة يدعون الدولة أن تبقى في المركز، أن تظلّ ظلّ الله في الأرض. رغم ما أتى الحكم من غطرسة ومحسوبيّة، مازال الناس يثقون في الحكم ويدعون الدولة أن تواصل السير في المنهج. يعتقد الشعب أن الدولة في خدمتهم. رحيمة بهم. لم يدرك الناس، رغم ما نرى كلّ يوم من عبث، أنّ الدولة هي «عصابة» همّها البقاء في الحكم وتحقيق ما لها من مصلحة. ألم يدرك الناس أن لا يحكّ جلدك غير ظفرك وأنّ غاية رجال السياسة ورجال الدين هي التمتّع بما كان من نعم ولا يهمّهم أبدا ما يلقاه الناس من سوء ومن نكد...؟

مع الحكم الربّانيّ، خلقنا شعبا مهزوما، متواكلا. مع تضخّم الدولة، أصبح التونسيّ مستضعفا في الأرض، بكّاء، يمشي حيث تدفعه الريح والظروف... يجب أن ننتهي مع هذا الحكم السماويّ ونعيد النظر في القيم والمفاهيم علّنا نؤسّس لتونسيّ جديد، لفرد آخر مختلف، مصارع، ثابت. يحمل نفسه. تسكنه ثقة وفي فؤاده عزيمة...

يجب على الدولة أن تنسحب من المركز وتعيد الفعل لأهله، للأفراد حتّى يتأهّبوا وينهضوا. لو أعطي الأفراد المركزّيّة لمشت هممهم الى العرش، تشدّ النجوم والقمر... في تونس، قتل الفرد. أكلته الدولة. غدا ريشة تحملها الرياح السبعة. لا نظر يحمل. لا قرار له. يمشي في الأرض هائما، تدفعه الأيدي للحروب، للإرهاب، للخراب... لإعادة الروح في الناس والأمل للبلد، يجب على الفرد أن يتولّى أمره ويحمل نفسه ويسعى. يجب أن يتّكل على نفسه، أن تحرّر عنده المبادرة، أن يجتهد ويبدع وينطلق...

يجب على الدولة أن تنسحب من السوق، أن تتخلّى عن الشؤون الاقتصاديّة والتركيز على ما هو أهمّ وأنفع. يجب بيع الشركات العموميّة جميعا بما فيها تلك التي يسمّيها البعض بالاستراتيجيّة وما هي بالاستراتيجيّة. لا وجود حقيقة لشركات استراتيجيّة. كلّ الشركات من الممكن بيعها للخواصّ، دون أن يلحق بالسوق ارباك أو بالسيادة ضرر. في العالم جميعا، تخلّت الحكومات، شرقا وغربا، عن شركاتها كلّما حصلت منافسة...

هل تونس الجوّيّة شركة استراتيجيّة؟ هل الستاغ استراتيجيّة؟ هل السكك الحديديّة وفسفاط قفصة والبنوك العموميّة وشركات النقل وشركة اللحوم... هي شركات استراتيجيّة؟ لو فرّطنا في تونس الجوّيّة مثلا هل سوف يلقى المواطن عسرا في السفر؟ هل سوف يدفع ثمنا أرفع؟ العكس هو ما سوف يحصل. لسوف يلقى المواطن خدمات أفضل وسعرا أدنى. لو خوصصنا الستاغ، لأصبح التصرّف فيها أجدى وخدماتها أرقى...

كلمة وأنتهي. استمعت الى رئيس الحكومة مؤخّرا وتابعت ما قال. في ما أرى، أظنّ الشاهد غير مدرك لما نحن فيه من حال مفزع. أعتقد أنّه على غير بيّنة مما يجري في البلاد من انفلات، من تفكّك. أعتقد أن الأمور تجاوزته. أراه في شبه ضياع. ها هو يعد ويؤكّد أن سوف يفعل. كلّ الحوار، ملخّصه كلمة : «سوف». سوف يفعل، سوف يصلح... كيف «السوف» وهذه الدار تشتعل؟ لا أعتقد أنّ حكومة الشاهد قادرة على المواجهة. يعتقد رئيس الحكومة أنّ حلّ المشاكل سوف يكون بالتفاوض، بالتشاور، بالمشاركة. هل يدرك الشاهد أنّ

الوقت ولّى ومضى وأنّ «ظهر البهيم وفى»؟ في انتظار المواجهة، والمواجهة قادمة لا محالة، يلزمنا حكومة أخرى. حكومة قادرة...

(انتهى)

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115