ورقة الوراق 2017: انتهت الثورة

انتهت الثورة بدون أن تنجز أوكد مهامها. وانجازها الوحيد «الشبه ديمقراطية» لا يحتاج لثورة. انتهت الثورة شعور ينتاب كل من نزل الى المدينة يوم 14 جانفي. تقلّص الجمهور وغابت القيادات وتقاعست الأحزاب وتهرأت الشعارات. لم تبق الا الوجوه الشاحبة والأطراف الطفيلية.

الجبهة الشعبية وحدها تحتج يقودها زعماؤها بعدد قليل من الناس وبدون حماس. أما النهضة فقد فضلت الحضور المحتشم مقارنة برمزية الذكرى التي أخرجتها من الظلام الى النور.
نحن نصف وننقد. لا نتشفّى ولا نأسف. ان النقاش حول معرفة ان كان 14 جانفي ثورة أم انقلابا لا قيمة له. فحتى الثورة البلشفية هي الى حد ما انقلاب قام به لينين في ليلة ما قبل ان يتحول الى ثورة. ولم يكن في برنامج الثوريين الفرنسيين قلب النظام الملكي. وهلم جرا. والثورة ثورات. وأفضلها التي ترسي الحرية. المسألة هي ان نعرف هل نجحت الثورة أم فشلت وإن بدأت متى تنتهي. ان نصف نجاح ونصف فشل هو نصف حقيقة. والقول بأن الثورة تحتاج للوقت هو إضاعة للوقت. فضلا عن أنه تهرب من المسؤولية الأخلاقية التي تفرض أن نرفض اليوم ما قد يصبح أمرا عاديا غدا.

قامت ثورة حقا قبل محاولة انقلاب وبعد فشلها وفي الأثناء تصالحت بسرعة مع الطاقم السياسي السابق. حتى أن محمد الغرياني آخر مدير حزب للتجمع الدستوري المنحل اقتنع بأنها ثورة. سقط قانون العزل. وأصبح أحد رموز النظام السابق يسكن قرطاج حتى وان كان الباجي قائد السبسي غير متورط بصفة شخصية ومباشرة. وصاحب التصالح السياسي مصالحة اقتصادية (في الواقع لا في القانون) وحتى غض الطرف عن الراشين والمرتشين. ولم تقع متابعة المسؤولين عن التعذيب والقمع على مدى عقود. ولم يغلق بعد ملف شهداء وجرحى الثورة. ربما لم يكن هدف المحتجين متابعة رموز النظام السابق بقدر انجاز مهام أخرى. النتيجة وحدها تهم. الثورة أسقطت بنفسها شعاراتها. وأرست عدالة انتقالية مخضرمة وفرجوية. وذاك المشهد الباهت لحصص الاستماع لضحايا الاستبداد خير دليل. فبعد حصة الافتتاح التي حضرها الكل، لم يبق في الصفوف الامامية الا الثوريون جدا الخاسرون في الانتخابات (المرزوقي ومصطفي بن جعفر وألفاف المؤتمر من أجل الجمهورية) والنهضويون الغاضبون (ديلو والمكي وبن سالم) وبعض الضالين المضللين.
بقي ملف التنمية والعدالة الاجتماعية والمساواة بين المناطق. ارث ثقيل. هل هو جوهر الثورة أم لا؟ نحن لا نعلم قبل أن نرى نتائجه المباشرة في المرحلة القادمة. فشلت الثورة فشلا ذريعا في رفع التحديات الأولى للثورة. فكره المستضعفون الثورة حتى أن عمال حضائر الكاف أعلنوا في تحرك احتجاجي 14 جانفي «يوما أسود». ولا تعني الإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات الحالية بأن الثورة متواصلة. هي تبرهن أن الثورة انتهت بدون أن تنجز مهامها، العيش الكريم أي ما تسميه النخب «الكرامة». النخب وحدها تضع الحرية قبل الخبز. هي وحدها تحب الثورة. الشعب يفضل الاستقرار على الحرية. العامة وحدها تحب الفوضى وتسميها حرية. وها هي الغوغاء تنجح في ارسائها.

لنرجع لنظرية نصف نجاح نصف فشل. فالكل يبارك الثورة التي رغم نقائصها أرست نظاما ديمقراطيا. وهو يكاد يكون إنجازها الوحيد. ونتساءل: هل كان من الحتمي أن نمر بثورة؟ الثورة ظاهرة نادرة تنفرد بها بعض البلدان في تاريخ الديمقراطية (أمريكا، فرنسا وأنقلترا). الديمقراطية لا تحتاج لثورة عارمة طويلة المدى. وفي هذا الصدد يخلط الكثير بين الثورة والتحول الديمقراطي الراديكالي من التحت أي من رحم المجتمع بسلاسة وعقلانية وفي وقت وجيز بدليل ان أغلبية البلدان أي ما يتجاوز المائة وخمسين نجحت في التحول الديمقراطي بدون ثورة. ولكن معظمها صنفت كديمقراطيات مشوهة بما فيها تونس. نعم تونس شبه ديمقراطية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115