بالتزامن مع ذكرى الاستقلال: الكل بات بورقيبيا

لعل الصدفة وحدها جعلت من إحياء الذكرى 60 لاستقلال تونس، يتزامن مع احتدام الصراع بين الفرقاء السياسيين في تونس على من له الحق في الحديث باسم بورقيبة ومن هو حامل مشروع بعث الإرث البورقيبي، ليصبح المشهد السياسي غارقا في الطقوسية، يتنافس فيه الكل على التقرب من سيرة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.

تعددت الخطابات الموغلة في استرجاع ذكريات الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، وباتت تمجّد تاريخا يتصارع جل الطبقة السياسية اليوم على ان ينسب لنفسه جزءا منه، فمن البورقيبيين الجدد إلى الإسلاميين الكلّ بات يقحم اسم الحبيب بورقيبة والبورقيبية في خطابه.
ارث بورقيبة الذي عاد للنور بعد 2011هو اليوم محل نزاع بين أحزاب العائلة الدستورية بالأساس، لكن ذلك لم يعنى أن الحداثيين والإسلاميين لا يلجوا المنافسة، التي انحصرت بين حركة نداء تونس وأصحاب مشروع تونس الحرة، وهم من المنشقين عن الحزب الذي احيى مؤسسه الإرث البورقيبي في خطاباته.

هذا الإحياء الذي ساعد الباجي قائد السبسي رئيس الجمهورية التونسية، على الفوز في الانتخابات بعد ان ساعده على تجميع طيف واسع من السياسيين في حركته التي لطالما أكدت انها بورقيبية الهوى والسياسة.
والبورقيبية التي مثلها نداء تونس في مستوى الخطاب وخصوصا في القضايا المتعلقة بالمرأة والحريات، وباتت اليوم محل نزاع بينه وبين مشروع تونس الحرة، الذي يقدّم نفسه ايضا على انه امتداد للبورقيبية والحركة الاصلاحية التونسية.
فالصراع على من يحتكر الحديث باسم البورقيبية كان من اوجه الخلافات بين الفرقاء في نداء تونس قبل ان ينقسم الحزب، فبين البورقيبية الجديدة كما شرحها حافظ قائد السبسي والبورقبييين الجدد كما يشير محسن مرزوق انقسم النداء. وإن ظل الصراع مستمرا.
ففي 2 مارس الجاري، اجبر القائمون على مشروع تونس الحرة على عدم عقد تظاهرتهم في مدينة قصر هلال من قبل المتحدثين باسم البورقيبية وحماتها، وهؤلاء سيكونون غدا منقسيمن ايضا بين قبة المنزه، انصار المشروع، وبين قصر المؤتمرات انصار النداء وبقية البورقيبيين.

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

غير ان هذا الصراع الذي انشغل فيه الندائيون الحاليون والسابقيون، لم يستمر بحماسة بدايته، فالحركة التي كانت تتحدث باسم البورقيبية وتستحضر رموزها، على غرار النظارة والنفس الخطابي، باتت اليوم وفق رئيس هيئتها السياسية تقول انها حركة سياسية حداثية وليست بورقيبية، رغم اقراره ان البورقيبيين رافد من الحزب.

التخلي عن احتكار البورقيبية جاء بعد ان بات الاسلاميون، وتحديدا حركة النهضة ينتسبون للفكر الاصلاحي التونسي ويثمنون التجربة البورقيبة، بورقيبية ذاته الذي رفض راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة ان يترحم عليه واعتبره «المخلوع الأول».
الحبيب بورقيبة الذي يعود تمثاله الى وسط العاصمة التونسية بتكلفة قدّرت ب650 الف دينار، بات العلامة التجارية لمن يريد كسب اصوات الطبقة الوسطى، او يبحث عن تونسة حزبه، لكنه اليوم وفي الذكرى 60 للاستقلال بات سجين صورة طقوسية اضرّت به وبارثه.
فالحبيب بورقيبة الذي يقترن اسمه دائما بثالوث الاستقلال والدولة الحديثة والمرأة، حمّله أنصاره وخصومه ثقلا اضرّ بإرثه الذي يتجاوز بعض التماثيل التي أعلنت رئاسة الجمهورية في 9 افريل 2015انها ستعيدها الى المواقع التي ازيلت منها بعد 1987.

عودة التماثيل واسم بورقيبة ليقتحم المشهد السياسي من بوابة معارضيه وأتباعه باتت مناسباتيه، كالاعياد الوطنية وعيد المرأة، او ورقة يتزايد بها الحلفاء قبل الخصوم على بعضهم البعض، كما كان الحال بين النداء والنهضة زمن الخصومة، او كما هو عليه الحال اليوم بين النداء والمشروع بعد انتهاء الود.

في الذكرى 60 للاستقلال تونس حمّل بورقيبة بتاريخ «مقدّس» جعله هالة لا ملامح واضحة لها طالما ان الراحل وتاريخه ظلاّ مرتبطين بثنائية التمجيد والتدنيس، وبغياب ملامحه يشوه جزء من تاريخ بلد يحتاج لاعادة كتابة تاريخه.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115