رحيل حمادي العقربي: انتهى زمن السحر

ترتبط كرة القدم دائما بالصراعات والمنافسة، لكن أن تجد لاعبا يحظي بالإجماع والحب والتقدير من المنافسين قبل المحبين فهذا دليل واضح وكفي على القيمة

التي يحملها اللاعب حمادي العقربي من هذه الفئة التي تحظى بالتقدير والمحبة أينما حلت بل أكثر من ذلك بما أن الجميع تمنوا أن يكون العقربي رقما في تاريخ أنديتهم ولاعبا يسجل في أرشيفهم لما يتمتع به من أخلاق قبل الحديث عن سحر الأقدام التي جعلته يلقب بـ«ساحر الأجيال».
وفي تأكيد على القيمة التي يتمتع بها الراحل حمادي العقربي لدى الجميع بادر رئيس الحكومة الياس الفخفاخ بالإعلان عن تغير أسم الملعب الأولمبي برادس وإطلاق أسم الراحل عليه فيما أعلنت الهيئة المديرة للنادي الصفاقسي رسميا عن تغيير اسم مركب النادي الرياضي الصفاقسي إلى مركب حمادي العقربي عرفانا منها بما قدمه الراحل لفريق عاصمة الجنوب.
وعرفت جل ملاعب الرابطة المحترفة الأولى بمناسبة الجولة الثامنة إياب دقيقة صمت على روح الراحل ليصل الأمر إلى رسالة من قبل ملعب القاهرة الدولي بمناسبة القمة المصرية بين الزمالك والأهلي حيث اختار الثنائي الدولي التونسي علي معلول وفرجاني ساسي تحية الراحل على طريقتهما.

عاشق الساحرة المستديرة
فقدت كرة القدم التونسية واحدا من أبرز لاعبيها على مر التاريخ هو الأسطورة حمادي العقربي الذي نال لقب «ساحر الأجيال» بفضل لمساته الفنية التي أبهرت العالم خلال مونديال الأرجنتين سنة 1978.
وولد اللاعب الراحل في العشرين من مارس 1951 بمدينة عقارب التابعة لولاية صفاقس ومن هنا اشتق محبوه اسم حمادي العقربي نسبة لمسقط رأسه ويدعى في الأصل محمد بن رحيم وهو ما لا تعلمه معظم الجماهير الرياضية في تونس والعالم العربي عموما بعد أن تغنت بحمادي العقربي طويلا.
وكان العقربي مولعا بممارسة كرة القدم ويحلم بأن يصبح لاعبا كبيرا في يوم من الأيام رغم معارضة البعض من أفراد عائلته الذين رغبوا في أن يواصل دراسته وخاصة وأن المستوى الاجتماعي لأسرته كان ضعيفا وكان والده عاملا بسيطا بالميناء التجاري بصفاقس.
وينحدر العقربي من عائلة تضم 11 شخصا وكانت نظرة التونسيين لمن يمارس نشاط كرة القدم آنذاك سيئة وتنم في نظرهم عن تدني المستوي العلمي والثقافي للأطفال الذين يفضلون الساحرة المستديرة على مشوارهم الدراسي لكن وبمرور الوقت تأكدت والدته فاطمة أن المكان الطبيعي لابنها لا يمكن أن يكون غير الملاعب فشجعته على ذلك وكانت أبرز مساند له.
وفي سنة 1962 كان مدرب الفريق الأول للنادي الصفاقسي آنذاك اليوغسلافي ميلان كريستيك يتابع المباريات التي تدور في الأحياء الشعبية بالمدينة بهدف انتقاء أبرز المواهب فشد انتباهه ذلك اللاعب الصغير حمادي العقربي وقال عنه: «هذا الفتى لا يحتاج لمن يعلمه كرة القدم إنه رائع» لينضم إثر ذلك إلى الفئات السنية الصغيرة للنادي الصفاقسي في سن الـ12 ومن هنا انطلقت الحكاية.

والتحق حمادي العقربي بالفريق الأول لفريق عاصمة الجنوب قادما من فريق الشباب ليحقق نجاحات كبيرة مع ناديه وتوج معه بـ3 ألقاب للدوري إضافة لكأس تونس وله العديد من الإنجازات الشخصية أهمها الحذاء الذهبي لأفضل لاعب تونسي سنة 1975.
وأذهلت لمساته السحرية للكرة كل متابعي الكرة التونسية لدرجة أن جماهير الفرق الأخرى كانت تدخل خصيصا للملعب لمشاهدة مباريات النادي الصفاقسي لسبب وحيد وهو الاستمتاع بفنيات لاعب الوسط الرائع ويحكى أن جماهير الفرق المنافسة للصفاقسي كانت تحتج بقوة على لاعبيها جراء تدخلاتهم العنيفة على العقربي بحثا منها عن ضمان وقت أطول لمشاهدته فوق الميدان.

وترك العقربي بصمة واضحة في تاريخ المنتخب الوطني وشارك معه في 40 مباراة دولية كانت أهمها ضد المكسيك في الدور الأول من مونديال الأرجنتين 1978 حينما قاد تونس إلى انتصارها الأول في تاريخ المسابقة وقد سبق للمدرب عبد المجيد الشتالي أن وجد صعوبات كبيرة في إقناع العقربي بالتحول مع المنتخب إلى الأرجنتين وذهب إلى منزله خصيصا لإقناعه بالانضمام إلى الكتيبة التونسية بسبب احتجاج اللاعب على الممرن السابق للمنتخب عامر حيزم الذي لم يشركه أساسيا في إحدى المباريات المهمة.
وعرف حمادي العقربي بهدوئه وبأخلاقه العالية وهو إنسان خجول يحب العزلة وقد كسب احترام جميع التونسيين فكان محل ترحيب كبير في سنة 1989 وخصه النادي الصفاقسي بمباراة استعراضية في يوم اعتزاله واجه خلالها الفريق المنتخب الوطني كما تكفل الصفاقسي بنشر كتاب عن سيرته الذاتية حمل اسم «حمادي العقربي الفنان المبهر».

رفاقه ينعونه:
قالوا عن «ساحر الأجيال»
ما لا يقل عن 8 آلاف شخص كانوا حاضرين بملعب الطيب المهيري بصفاقس لتوديع ساحر الأجيال حمادي العقربي الوداع الأخير وقد حرص رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ على تسجيل حضوره إلى جانب حضور عديد الشخصيات السياسية والإطارات الإدارية ووفد عن الجامعة التونسية لكرة القدم وحرص العديد من نجوم منتخب 1978 على التنقل إلى مدينة صفاقس من سوسة ومن العاصمة وغيرها من المناطق لحضور موكبي التعزية والتأبين وتقديم تعازيهم لعائلة حمادي العقربي ولأسرة النادي الرياضي الصفاقسي وكان من ضمنهم نجيب غميض ومحسن الجندوبي وتميم بن عبد الله وعلي الكعبي إلى جانب حضور المدرب السابق لمنتخب 1978 عبد المجيد الشتالي وعديد اللاعبين الدوليين السابقين مثل محسن حباشة وعبد السلام عظومة ولطفي العروسي.

ولم تقف ردود الأفعال عند الحضور الكبير لجنازة حمادي العقربي بما أن عددا من النجوم السابقين للمنتخب نعوا الراحل من بينهم طارق ذياب ورفيق الدرب المختار ذويب والمدرب الوطني السابق عبد المجيد الشتالي دون نسيان الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي نعي الراحل شأنه في ذلك شأن نادي النصر السعودي الذي سبق أن لعب بقميصه حمادي العقربي.

«الفيفا» ينعى «المعلم» حمادي العقربي
نعى الاتحاد الدولي لكرة القدم عبر صفحته الرسمية الخاصة بمونديال قطر 2022 بـ››تويتر›› أسطورة كرة القدم التونسية ومايسترو النادي الرياضي الصفاقسي المرحوم حمادي العقربي الذي وافته المنية عن سن ناهزت 69 عاما بعد معاناة مريرة مع المرض.
وذكر الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» بأن العقربي كان أحد نجوم منتخب 1978 صاحب أول انتصار قاري في المونديال على حساب المكسيك بثلاثة أهداف لهدف وتألق بشكل لافت ضد منتخب بولونيا ولولا أن كرته انهالت على العارضة لترشح المنتخب إلى الدور الموالي.

جماهير النصر تتذكر العقربي
غزت جماهير النصر السعودي مواقع التواصل الاجتماعي منذ الإعلان عن وفاة الاسطورة التونسية للنادي الصفاقسي حمادي العقربي مطالبة المركز الإعلامي للنصر بنشر تعزية في قيمة اللاعب كان العقربي قد حقق لقب الدوري السعودي مع النصر سنة 1980 بعد تجربة دامت موسما ولم تنس جماهير النصر دور حمادي العقربي في التتويج وقدمت التعازي لعائلته وللنادي الصفاقسي.

المختار ذويب: «رحل الأخ وصديق الدرب»
أكد نجم ملحمة 78 المختار ذويب أن ساحر الأجيال كان بمثابة الأخ له نظرا للعشرة الطويلة بينهما سواء في النادي الصفاقسي أو في المنتخب الوطني أو حتى في الأيام العادية بعد مغادرة الملاعب.
وأضاف ذويب «كنا نتقابل دائما في المقهى أو المنزل كما أني كنت أزور العقربي دائما بعد التوعك الصحي الذي رافقه لمواسم خاصة وأن حمادي يعتبر أخا لا صديق الملاعب فقط لو يعود التاريخ فسوف يحكي الكثير والكثير على صولات وجولات العقربي وعقيد وباقي اللاعبين...رحيل حمادي خلف في قلوبنا اللوعة والحزن والحضور الكبير الذي رافق جنازته الوطنية يؤكد على حب كل التونسيين لهذا اللاعب المتخلق والصبور رحم الله الفقيد وان شاء الله من أهل الجنة.»

طارق ذياب: «كم تمنيته في الترجي»
وأكد نجم الترجي والمنتخب السابق طارق ذياب أن رحيل الاسطورة حمادي العقربي خلف اللوعة والحسرة في قلوب الرياضيين نظرا لدماثة اخلاقه وتسامحه والابتسامة الدائمة على وجهه...
وأضاف ذياب «حمادي كان ملاكا على وجه الارض وهو ما يؤكد حب كل التونسيين له لما يمتلكه من دماثة أخلاق كما أنه أدخل الفرحة الى قلوب التونسيين إلى أن أصبح معشوق الجماهير وبما أننا كنا جنبا إلى جنب في المنتخب الوطني فإني تمنيت مجاورته في الترجي لكنه كان دائما عاشقا كبيرا للنادي الصفاقسي، رحل عنا اليوم حمادي العقربي وخلف في قلوبنا اللوعة فتغمده الله برحمته الواسعة ورزق اهله جميل الصبر والسلوان.»

علي الكعبي: «أسم ساحر الأجيال يكفي لوصفه»
أكد علي الكعبي أن الحديث في هذا الموقف صعب خاصة أنه سيفتقد صديقا وأخا بعيدا عن ملاعب كرة القدم مضيفا أن جيل 78 لازال إلى حدّ اليوم مرتبطا لهذا فإن الفراق سيكون صعبا ومؤلما خاصة لحمادي العقربي الذي كان كالملاك لكن إذا تحدثنا عن الكرة ماذا عساني أقول فحمادي العقربي كان لاعبا استثنائيا ولن يتكرر وتسميته بساحر الأجيال تختزل قيمة هذا اللاعب ومسيرته.

على إثر تغيير تسمية ملعب رادس إشكال في غير محله
عرفت الساعات الماضية جدلا في غير محله بخصوص ما أعلنه رئيس الحكومة الياس الفخفاخ بتسمية الملعب الأولمبي برادس بأسم الراحل حمادي العقربي لينطلق الحديث من هنا وهناك بين مرحب بالبادرة ورافض لها.
أول ردود الأفعال جاءت من بلدية رادس التي أعلنت احترامها للعقربي وتاريخه لكنها ترفض تغير أسم الملعب مؤكدة أن القانون سيكون الفيصل في هذا الملف مع التاكيد أن رئيس الحكومة تسرع في أعلن القرار حيث قال رئيس بلدية رادس انه والمجلس البلدي يرفضون إعطاء اسم حمادي العقربي لملعب رادس وأضاف انه ورغم تقديره للاعب الفذ حمادي العقربي الا انه يستغرب من إقدام رئيس الحكومة على اتخاذ مثل هذا القرار دون الرجوع إلى بلدية المكان وأضاف أن القانون هو الفيصل.

وأكد رئيس بلدية رادس أنه لا مشكل بالنسبة إليه مع الشخص نفسه لكنه يرفض التوظيف السياسي للعملية واختتم السماري حديثه بالتأكيد على أن هناك اجتماعا إستثنائيا للمجلس البلدي برادس محوره الرئيسي هذا الموضوع ولو سمح القانون بإعادة التسمية فلا مشكلة لديهم.
وتحركت وزارة الشؤون المحلية أمس لترد على تصريحات رئيس بلدية رادس لتؤكد أن ملعب رادس هو ملكية عمومية لا تكتسي صبغة إدارية وذلك في بلاغ رسمي على صفحة الرسمية وفي ما يلي نصه: تبعا لتصريح رئيس بلدية رادس بخصوص تسمية الملعب الأولمبي برادس باسم الفقيد حمادي العقربي يهم وزارة الشؤون المحلية توضيح النقاط التالية:

أولا: أن «الحي الوطني الرياضي» باعتباره منشاة رياضية يتكون من الحي الرياضي بالمنزه والحي الرياضي للشباب والمدينة الرياضية برادس وهذا الحي بكل مكوناته مصنف مؤسسة عمومية لا تكتسي صبغة إدارية مجالها الرياضة ونشاطها صيانة وتعهد المنشآت الرياضية خاضعة لإشراف الوزارة المكلفة بالرياضة.

ثانيا: الملعب الأولمبي برادس جزء من المدينة الرياضية برادس التي تضم كذلك منشآت رياضية أخرى (ملاعب فرعية وقاعة مغطات متعددة الاختصاصات ومسبح وملعب ألعاب قوى).

ثالثا: أنه على خلاف المنشآت الرياضية التي تمت إحالتها للبلديات فإن هذه المنشآت الرياضية ذات الصبغة الوطنية لا تدخل ضمن الأملاك البلدية المنصوص عليها في الفصل 240 من مجلة الجماعات المحلية والتي تقتضي على أن «يتولى المجلس البلدي احداث المرافق العمومية البلدية والتصرف فيها مثل اتخاذ القرارات المتعلقة بمقر البلدية وأملاكها وتسمية الساحات والأنهج والمركبات البلدية والحدائق.

رابعا: أن «الملعب الأولمبي برادس» لا يدخل ضمن المعالم الجغرافية الخاضعة للأمر الحكومي عدد 613 لسنة 2019 المؤرخ في 12 جويلية 2019 المتعلق بضبط طرق إسناد أسماء أشخاص طبيعيين للمعالم الجغرافية التي تخضع له تسمية الأنهج والساحات والحدائق والأحياء والمدن والجسور والطرقات والمعالم المقامة ذات الصبغة الأثرية أو التاريخية وذلك على اعتبار أنّ هذه المنشأة الرياضية بناية عمومية ترجع بالملكية للدولة وهي تحت تصرّف إدارة الحي الوطني الرياضي التي يرجع لها استيفاء إجراءات تسمية الملعب طبقا للإجراءات المعمول بها.
وعليه فان هذا البلاغ تضمن موافقة على التغيير وسيقع الشروع بصفة رسمية في استكمال جميع الإجراءات.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115