الهجرة إلى البطولات الخليجية تتفاقم: هاجس تحسين الوضع المادي واغراءات بطــــــــــولات «البترودولار» تلقي بظلالها

كثيرا ما نسمع في تصريحات اللاعبين التونسيين عن أحلامهم في الاحتراف

في البطولات الأوروبية وصقل مواهبهم في ملاعب القارة العجوز، لكن بين الأحلام والواقع شق كبير يترجم الواقع الذي ترزح فيه كرتنا،نصدر اللاعبين الى البطولات الخليجية بدل ان تكون الوجهة أوروبية لعلنا ننهل قليلا من بحر الاحتراف الحقيقي ونغير العقلية ولكن تلك حدود بطولة لعبة الكواليس والمحاباة.
كانت النتيجة ملموسة على ارض الواقع، اذا اصبحنا نعجز عن ايجاد اسماء قادرة على صنع الفارق في الاوقات الصعبة بالنسبة الى المنتخب كما هو شأن منتخبات افريقية وعربية تستفيد من لاعبين تلقوا افضل تكوين في اوروبا وخبروا اجواء المنافسات القوية وتبقى البطولات الخليجية وان تطورت عاجزة عن ان توفر لاعبين بامكانهم الصمود لشوط كامل وفي افضل الاحوال لمبارتين بنفس الاداء.موسم الهجرة الى الخليج انطلق في الميركاتو الشتوي للموسم الماضي لكنه ‘ازدهر’ بصفة ملحوظة في الميركاتو الصيفي الحالي ولم يقتصر الامر على اللاعبين بل انتقلت العدوى الى المدربين...

الظاهرة انطلقت مع نجوم 1978
حتى لا نظلم لاعبي الجيل الحالي فإن طرق ابواب الاحتراف في البطولات الخليجية ظاهرة ليست جديدة بل بدأت قبل 4 عقود من الزمن وتحديدا بعد تألق منتخبنا في مونديال الأرجنتين 1978 والمشاركة الايجابية التي دخل خلالها منتخبنا التاريخ كأول منتخب عربي وإفريقي يحقق الفوز في كأس العالم من خلال فوزه على نظيره المكسيكي (3 1) في الدور الأول. لذلك نجد لهم عذرا لاختيار التجربة الاحترافية الخليجية لصعوبة الاحتراف في اوروبا وبحث اللاعبين عن تأمين مستقبلهم خاصة ان مسيرة اللاعب قصيرة ولم يكن اللاعب انذاك يتقاضى الشيء الكثير مقارنة بالفترة الحالية...بعد مونديال 1978، هاجر اكثر من نصف لاعبي المنتخب نحو البطولة السعودية فاحترف تميم الحزامي في الاتحاد السعودي وخاض كل من طارق ذياب ونجيب ليمام تجربة مع الاهلي السعودي فيما احترف نجيب غميض في اتحاد جدة وتقمص ساحر الاجيال حمادي العقربي والمختار ذويب زي النصر السعودي. وبعد سنوات، عادت وتيرة الهجرة الى الخليج خاصة منذ ان اختار يوسف المساكني الانضمام الى لخويا القطري في عنفوان تألقه بدل طرق باب تجربة اوروبية وحينذاك قيل ان بطولة قطر ليست الا قاطرة عبوره نحو القارة العجوز لكن مرت المواسم وبقي ذلك مجرد احاديث ضاعت معها ابرز مواهب الكرة التونسية في الخليج عوض ان تفجر طاقاتها في اوروبا.

تربّص قطر نقطة تحول
اجرى المنتخب الوطني تربصا في قطر في بداية شهر جانفي الماضي في اطار استعداداته للمونديال بقيادة نبيل معلول حيث كانت المشاركة مخيبة وخرج المنتخب من الدور الاول. ومنذ ذلك التربص انطلقت هجرة الاسماء الدولية نحو البطولات الخليجية على غرار الفرجاني ساسي نحو النصر السعودي، امين بن عمر الى الاهلي السعودي، فخر الدين بن يوسف في الاتفاق وفاروق بن مصطفى في نادي الشباب وايمن المثلوثي الذي خاض تجربة في الباطن قبل العودة الى البطولة التونسية من بوابة النادي الافريقي وكانت هذه الاسماء مسبوقة باحمد العكايشي محترف اتحاد جدة وعبد القادر الوسلاتي لاعب النادي الافريقي سابقا مع الفتح السعودي. الاسماء التي ذكرناها رشحها الجمهور الرياضي للاحتراف في اوروبا خاصة بالنسبة الى محمد امين بن عمر والفرجاني ساسي لكن تجربة الاول مع البطولة السعودية لم تتجاوز 4 اشهر فبعد الاصابة الشهيرة التي تعرض لها نفضت ادارة الاهلي يديها من التكفل بعلاجه خصوصا مع التضارب في تشخيص حالته من طبيب المنتخب...

راحلون بالجملة نحو دوري جميل للمحترفين
الثابت انه خلال الميركاتو الشتوي الحالي زادت وتيرة الهجرة نحو الخليج وتحديدا نحو دوري جميل للمحترفين في السعودية وكأن تجربة الاسماء التي احترفت في الميركاتو الشتوي اغرت البقية بتجربة حظهــــم وضمان الربح المالي خاصة مع الاوضاع المالية المتأرجحة التي تعرفها الفرق التونسية وتأخر الاجور لعدة اشهر فالملاحظة البارزة ان الاسماء التي التحقت بالبطولة السعودية في الميركاتو الصيفـــــي الحالي جلها من فرق وسط الترتيـب والتي تبحـــــث عن تحسيــــن وضعهـــــــا المالــــــــي...فحارس المرمى علـــــي العياري حـــــط الرحــال بالكوكـب السعودي بعد مروره بعـــــدة تجارب في البطولة التونسية اخرهـا في مستقبل قابس وسيرافقه في تجربته الجديدة شارك الرقيعي اللاعب السابق للترجي الجرجيسي. امــا بلال السويســي حارس مرمى نجم المتلــــوي فقد انتقل الى العدالة السعودي وتواصلت هجرة حراس المرمـى حيث اختـــار وسيم نوارة بعد تجربة بدأت مع النادي القربي مرورا بالترجي الرياضي والملعب القابسي ووصولا الى قوافل قفصة الانضمام الى نادي نجران السعودي لموسم واحد.وانضم يوسف الفوزاعي الى العدالة السعودي بعد تجربة مع الملعب التونسي في الموسم المنقضي ورافقه في تجربته الجديدة ياسين بوفالغة مدافع اتحاد بن قردان. اما حمزة لحمر لاعب النجم الساحلي ورغم حديث العروض الأوروبية فقد تعاقد مع نادي الكويت الكويتي لموسمين ليكون زميلا لصابر خليفة الذي سيخوض تجربة في الفريق ذاته على سبيل الإعارة لموسم واحد.
ويبدو ان بعض الاسماء اغراها تذوق الاحتراف الخليجي ففخر الدين بن يوسف جدد عقده مع الاتفاق لموسمين اما هشام السيفي وبعد نهاية فترة اعارته من الاتحاد المنستيري الى احد السعودي فقد اختار الاستمرار في تجربته الخليجية ولكن مع نادي العين بعقد يمتد لموسم واحد.

للبطولة المصرية نصيب
قبل سنوات قليلة لم تكن البطولة المصرية وجهة مفضلة للاعبين التونسيين فالاوضاع تكاد تكون متشابهة مع البطولة التونسية في وقت يبحث فيه اللاعبون عن تحقيق الربح المادي في اسرع وقت ممكن، لكن يبدو ان نجاح الظهير الايسر الدولي علي معلول مع الاهلي المصري شجع الاندية المصرية على متابعة الاسماء التونسية وحفّز هذه الاخيرة على خوض تجربة الاحتراف في مصر فبعد حمدي النقاز الذي انضم الى الزمالك في الميركاتو الشتوي ها ان الفترة الاخيرة تشهد التحاق الفرجاني ساسي به في الفريق ذاته بعد تجربة مع النصر السعودي فيما اختار لسعد الجزيري مهاجم اتحاد بن قردان التعاقد مع الاسماعيلي لمدة 3 مواسم وكانت بدايته موفقة من خلال التسجيل في شباك الأهلي في الجولة الافتتاحية من البطولة المصرية.

تجارب انتهت «في المهد»
كثيرة هي الآمال التي علقها اللاعبون على تجاربهم الاحترافية لكن الواقع باغتهم بمستجدات أخرى،حمزة الجلاصي اختار الاحتراف في البطولة المغربية من بوابة نادي طنجة بعد تجربة مع الملعب القابسي والنادي البنزرتي لكن تجربته الجديدة رافقتها عديد العراقيل فقد سقطت الصفقة في الماء بعد شهر من التعاقد حيث قررت ادارة الفريق المغربي فسخ عقده بعد رفض تأهيله من الاتحاد المغربي لعدم استجابته لشروط انتداب اللاعبين الاجانب والتي تفرض ان يكونوا قد اجروا 10 مباريات دولية على الاقل في السنوات الثلاثة الاخيرة.وعاد الجلاصي لدراسة بعض العروض المحلية وقد ينضم الى النادي الصفاقسي الراغب في الظفر بخدماته.
على غرار الجلاصي لم تكن تجربة اسامة الدراجي مطولة مع الوداد المغربي بعد ان نصح المدرب فوزي البنزرتي بانتدابه لكن مع رحيل البنزرتي وانتقاله لتدريب نسور قرطاج انهت ادارة الوداد تعاقدها مع الدراجي الذي عاد الى النادي الافريقي بعقد يمتد لموسمين.

عقود قصيرة المدى
باستثناء لسعد الجزيري الذي انتقل الى الاسماعيلي بعقد يمتد لثلاثة مواسم وعلي العياري الذي امضى مع الكوكب السعودي لموسمين كما هو الشأن بالنسبة الى حمزة لحمر مع الكويت الكويتي، فإن جل الاسماء لم تتجاوز مدة تعاقدها موسما واحدا على غرار شاكر الرقيعي مع الكوكب السعودي وياسين بوفالغة ويوسف الفوزاعي وبلال السويسي مع العدالة ومحمد علي الكزدغلي مع نادي حطين واحمد حسني مع هجر السعودي ووسيم نوارة مع نجران ومحمود بن صالح مع ضمك وهشام السيفي مع العين ...هذه العقود القصيرة تحيلنا الى ان الهاجس ليس تطوير المستوى والاداء بقدر ما هو بحث عن تحسين الوضع المادي وقد نلتمس الاعذار للاعبين خاصة ان جل النوادي لا تحترم تعاقداتها وقد يظل اللاعب اشهرا دون تسلم مستحقاته لذلك ففرصة ضمان مستقبله وتحسين ظروفه المالية ليست متاحة دائما ومن الصعب ان يستطيع مقاومة اغراء بطولات «البترودولار»...
من اختاروا أوروبا يعدون على اصابع اليد ...

في خضم تزايد الجالية التونسية في البطولات الخليجية قد يصبح الاحتراف في اوروبا عملة نادرة خاصة ان الملاحظة الابرز خلال الميركاتو الصيفي الحالي ان الاسماء التي اختارت الاحتراف في القارة العجوز تكاد تعد على اصبع اليد الواحدة ونذكر هنا مدافع الترجي الرياضي منتصر الطالبي الذي انتقل الى ريزسبور التركي لمدة 3 مواسم ومدافع النادي الافريقي سيف تقا الذي سيخوض تجربة فرنسية من بوابة نادي لونس لموسمين فيما تعاقد سليمان كشك ابن النادي البنزرتي و لاعب النادي الافريقي سابقا مع سان غالن السويسري لموسمين وانضم المدافع الدولي للنادي الصفاقسي ياسين مرياح الى اولمبياكوس اليوناني لمدة 4 مواسم. وبعيدا عن اوروبا سيعزز التيجاني بلعيد صفوف «FC Sriwijaya» الاندونيسي لمدة 6 اشهر على سبيل الاعارة من النادي الافريقي.

بورصة المدربين في ارتفاع
في المواسم السابقة كان عدد المدربين التونسيين محدودا وكانت بعض التجارب تمر في الظل امام عدم الاهتمام الاعلامي بها لكن ابرز التجارب قطعا نجاح فتحــــي جبال لسنوات مـع الفتح السعـودي وقد تكون النقطة التي رفعت اسهــم المدرب التونســي في الدوري السعودي خاصة والخليجـــــي عامة.فــــــي الميركاتـــــو الحالي، حـــزم أكثر من مدرب حقائبه نحو الخليج على غرار محــمد الكوكي المدرب الجديد لنادي ضمك وجلال القادري مع نادي الامارات ولطفي السبتي مع الجيل فيما اختار نبيل معلول العودة الى بطولات «البترودولار» من بوابة الدحيل بعد تجربة على رأس المنتخب الوطني كما عاد نبيل الكوكي الى الفيصلي الاردني بعد تجربة في الهلال السوداني ثم الملعب التونسي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115