وكلاء اللاعبين في تونس: «الدخلاء يغزون القطاع والمسؤولية مشتركـــــــة بين النادي واللاعب»

لم تعد كرة القدم مجرّد نشاط ترفيهي بل باتت في السنوات الأخيرة عملا تجاريا قائم الذات يدرّ على ممارسيه أموالا طائلة ومع مرور الزمن بدأت مهن جديدة في الظهور والتطور

أبرزها مهنة وكيل اللاعبين التي بدأت في السبعينات دون قيود تضبطها لكن في بداية الألفية الجديدة تبلورت قوانين تحميها وتحدد العمل بها وبدأ التسابق من الوكلاء او ما بات يسمى حاليا بالوسطاء على استمالة ابرز النجوم لنيابتهم في التفاوض المباشر مع الأندية وإذا كان البعض معترفا به من الاتحاد الدولي وكذلك الاتحادات المحلية فإن نسبة لايستهان بها تعمل في «الظلّ» بعيدا عن القانون وتستنبط كل الحيل لتحقيق مآربها.

والنبش في السجل العالمي يحيلنا ان بعض الوسطاء باتوا أكثر نفوذا ووجاهة حتى من الأندية وبعضهم كسب ثروة لا تحصى ولا تعدّ على غرار الايطالي رايولا الذي كان يمثل في 2015 كلا من زلاتان ابراهيموفيتش وماريو بالوتيلي وبول بوغبا وبلغت قيمة عقوده حينئذ 186 مليون جنيه إسترليني، حصل على نسبة 18.7 ملايين جنيه إسترليني منها أو الانقليزي جوناثان بارنيت صاحب المركز الثاني في قائمة أغلى وكلاء اللاعبين حيث يمثل غاريث بيل جناح ريال مدريد، وحارس مرمى المنتخب الانقليزي ومانشستر سيتي جو هارت، وآشلي كول الظهير الأيسر لروما وتشلسي سابقًا...وبلغت قيمة عقوده 287 مليون إسترليني، حصل منها على نسبة بقيمة 28 مليون ولا يمكن ان ننسى الاسباني خورخي مينديز صاحب الصفقة الأقوى في تاريخ الكرة والمتمثلة في صفقة انتقال البرتغالي كريستيانو رونالدو من مانشستر يونايتد الانقليزي الى ريال مدريد الاسباني بقيمة 93 مليون دولار. والى جانب رونالدو فإن مينديز يمثّل الكولمبي خميس رودريغيز متوسط ميدان ريال مدريد الذي انتقل مؤخرا إلى بيارن ميونيخ وهو أيضا وكيل راداميل فالكاو مهاجم موناكو الى جانب البرازيلي دياغو سيلفا مدافع البي آس جي كما أنه وكيل المدرب البرتغالي جوزيه مورينهو، وبلغت قيمة العقود التي أتمها في 2015 : 626.3 مليون إسترليني حصل منها على 62.8 مليون.

مهنة مضبوطة بلوائح وشروط
ظهرت مهنة وكلاء اللاعبين كما أشرنا منذ السبعينات وكانت انذاك تشق خطاها الاولى بمعاملات الهواة قبل ان ترى النور بنسختها الجديدة مع قوانين تحدد مهام الوسيط ودوره وشروط انخراطه في هذه المهنة.

ووكيل اللاعبين هو الشخص الذي يقوم بعرض لاعبين على الأندية من أجل التفاوض او إعادة التفاوض مقابل عائدات مضبوطة طبقا للشروط الواردة باللائحة. ويحيلنا التعريف على مهمة الوسيط في التفاوض مع الهيئة أو تقديم عرض للتفاوض ويجب عليه ان يكون ملما بالقوانين التي تسطّر اللعبة وبقائمة اللاعبين المحترفين حتى لا يقع في أخطاء تسبب مشاكل للاعبين.

ويجب على الوسيط أن ينال رخصة من الاتحاد الوطني حتى يتسنى له ممارسة نشاطه فيه وذلك بعد الخضوع ألى إختبار تحت إشراف الاتحاد الدولي علما أنه منذ 2001، ألغى الاتحاد الدولي لكرة القدم كلمة وكيل معتمد من «فيفا»، وأوكل مهمة اعتماد وكلاء اللاعبين للاتحادات المحلية.. والوسطاء المعتمدون من طرف كل اتحاد وطني (جامعة) يقع نشر أسمائهم ووسائل الاتصال المتعلقة بهم بالموقع الرسمي للاتحاد المعني.

نصيب وسيط اللاعبين
كان القانون الدولي ينص في السابق أن وكيل اللاعبين أو ما بات يعرف بالوسيط يحصل على نسبة تتراوح بين 4 و10 %من قيمة الصفقة ونفس القيمة من الراتب السنوي للاعب لكن قلص التعديل الجديد في نسبة ربح الوسيط الى 3 % وهو ما جعل بعض وكلاء اللاعبين يسعون إلى طرق أخرى لزيادة نصيبهم من الصفقات على غرار الرفع من أسعار اللاعبين بنسبة كبيرة وكذلك اشتراط راتب سنوي باهظ من أجل السبب ذاته. وتطورت الأمور وبات الوسيط يطالب بمنابه أيضا من عقود الإشهار التي يوقعها منوّبه.

على غرار كل المهن فإن مهنة وسطاء اللاعبين لا تخلو من الدخلاء الذين لا يتوانون عن إشباع جشعهم وعبادتهم للمال وآخر همهم تشويه سمعة هذا الاختصاص الذي لا يمكن لأي كان أن ينكر أهميته في المشهد الرياضي.

ويقتضي المنطق أن يكون وكيل الأعمال أو الوسيط صاحب مستوى علمي يخول له فهم القوانين الكروية حتى لا يقع في مشاكل من تبعات جهله أو تقصيره في فهم القانون لكننا بتنا نرى اليوم أسماء أكثر من أن تحصى على الساحة الرياضية رغم أن المعترف بهم في الموقع الرسمي للجامعة التونسية لكرة القدم يعدون على أصابع اليد الواحدة وعدد كبير منهم من الدخلاء الذين اغرتهم ما تدرّه المهنة من أرباح وبخبثهم من جهة وسذاجة بعض المسؤولين في الاندية فهم قادرون على مضاعفتها والاهم من ذلك أنهم يخرجون من المشاكل كالشعرة من العجين في غياب ما يثبت ضلوعهم في التجاوزات وكل ذلك بمساهمة غير مباشرة من مسؤولي الاندية الذين لا يهمهم إلا تقديم المسكنات للجمهور وابرام الصفقات. فيما يلي حاولت «المغرب» الحديث مع عدد من أهل الاختصاص بشأن مهنة وسيط اللاعبين والشهادات أجمعت على أنها ككل المجالات تجمع بين الغث والسّمين،بين أطراف تحكم ضميرها وأخرى لا يهمها إلا الربح المادي.

الناصر العتروس
(نائب رئيس نادي حمام الانف):
«تحريض اللاعبين واستغلال الثغرات الموجودة في العقود..»
يعدّ نادي حمام الأنف في هذه الفترة أكثر الفرق التي تضررت من وكلاء اللاعبين خاصة مع نزول الفريق الى الرابطة الثانية و تراكم المشاكل على الهيئة مما فتح الباب امام عديد الوكلاء والسماسرة لإغراء بعض اللاعبين بفسخ عقودهم مع النادي وخوض تجارب جديدة وكلنا يذكر إمضاء عمر زكري لفائدة النجم الساحلي وما رافقه من ردود فعل من هيئة فريق بوقرنين التي نفت أن تكون قد تلقت اتصالا من مسؤولي فريق جوهرة الساحل...وفي هذا الاطار يؤكد الناصر العتروس نائب رئيس نادي حمام الأنف ل’المغرب’ :»للأسف هناك بعض الوكلاء الذين يسعون الى التأثير على اللاعبين للتمرد على الأندية واستغلال بعض الثغرات القانونية و الجميع يعلم كم تضرر فريقنا من ذلك في الفترة الحالية ...السماسرة يستغلون فكرة أن سوق الانتقالات غير منظم وتحكمه الفوضى فيسعى بعضهم الى خدمة مصالحه وتطويع القانون لفائدته».
ولا ينكر محدثنا مسؤولية الأندية حيث يرى أن:»سلطة الوكيل قد تفوق سلطة النادي خاصة إذا كانت العقود التي تربطه بلاعبيه غير واضحة وتحتوي بعض الثغرات التي يمكن استغلالها لتحريض اللاعب على مغادرة فريقه دون تبعات.»ويضيف العتروس:»السلبي و الايجابي موجود في هذا المجال وهناك وكلاء لاعبين يعملون في كنف القانون على ضمان مستقبل موكليهم لذلك أرى أن المسؤولية ملقاة على عاتق النوادي لتختار الوكلاء الذين تتعامل معهم وتحرص على ضبط عقود مع لاعبيها دون ثغرات.»

هشام بالحاج قاسم
(لاعب سابق ومدرّب):
«كم من لاعب خسر مستقبله الكروي بسبب السماسرة»
على خلاف لاعبي الجيل الحالي فإن اللاعب السابق للملعب التونسي والمدرب الحالي هشام الحاج قاسم يؤكد انه أنهى مسيرته الكروية دون التعاقد مع وسيط للاعبين، وإجابة عن سؤالنا إن كان ذلك نابعا من موقف من المهنة أفاد أنه في تلك الفترة لم تكن ثقافة وكيل اللاعبين منتشرة بقوة «كما أن مهمة الوكيل حسب تقديري تتمثل في ضمان عروض خارجية أما السوق المحلية فهي لا تحتاج الى الاستعانة بوسيط».
ويضيف محدّثنا: «على غرار كل المجالات فهناك من يحترم مهنته ويحكّم ضميره كما هناك بعض المتحيلين الذين يتخذون من المقاهي نقطة بداية لمخططاتهم فيسمعون عن لاعب مطلوب بقوة في ناد كبير ويبذلون جهودهم للاتصال به وإقناعه بتوكيلهم لينالوا نصيبهم من الصفقة، للأسف هناك بعض اللاعبين الذين ينساقون لاغراءاتهم دون تفكير والتاريخ يثبت أن أكثر من لاعب ودّع الميادين بفعل وقوعه في فخ السماسرة، انظروا في المغرب وأوروبا لتكتشفوا أن المهنة منظمة ولكن في تونس هناك سماسرة يعيثون فسادا...».

سليم بولصنام
(وسيط لاعبين معترف به من الجامعة):
«الأندية هي التي تفتح الباب للدخلاء...»
يرى سليم بولصنام وسيط اللاعبين المعترف به من قبل الجامعة التونسية لكرة القدم أن الوسط يجب ان يكون له معرّف جبائي وان تكون معاملاته في كنف الوضوح والشفافية «خاصة ان هناك عددا هاما من الدخلاء يختفون بمجرد تسلم عمولتهم».
ويضيف بولصنام: «استغرب كيف تشتكي الأندية من بعض معاملات وكلاء اللاعبين والحال إنها المسؤولة عن ذلك خاصة عندما تتعامل مع وسطاء غير معترف بهم ولا يمتلكون مستوى علميا يخول لهم فهم اسس وقوانين لعبة كرة القدم ولذلك من الطبيعي ان يكون مآل جل العقود لجنة النزاعات».

ويشير محدثنا أن مفهوم الوسيط في العالم أكثر من مجرّد التفاوض مع الأندية بل هو إحاطة باللاعب ومحاولة تسويقه لكنه في تونس اختصاص تحكمه في الغالب الهمجية وغياب الجدية وليس هناك شروط تنظّم امتهانه فهو متاح للتاجر والموظف وغيره اما انا فهي مهنتي الأساسية و الوحيدة ولي من المعرفة العلمية (باكالوريا + 6 سنوات) ما يخول لي النجاح فيها.»

ويرى سليم بولصنام أن إصلاح القطاع يجب أن «يبدأ من النوادي حيث يفترض أن يقتصر تعاملها مع وكلاء اللاعبين المعترف بهم كما يجب على المكتب الجامعي أن يتصدى الى ظاهرة تزايد الدخلاء فضلا عن ضرورة تقنين العمليات المالية وتوثيقها والحرص على ان تحترم ما يضبطه الاتحاد الدولي لكرة القدم ‘فيفا’ من ان يكون نصيب وسيط اللاعبين في حدود 3 % من قيمة الصفقة «ويختتم محدثنا بالاشارة الى انه لابد من تكوين اللاعبين على حسن اختيار الوسيط الذي يمثلهم».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115