كتاب الأيام الأخيرة لمحمد للدكتورة هالة الوردي: لا يمكن أن نعانق المستقبل ونحن محكومون بعالـم الأموات...

كيف أمضى الرسول محمد أيامه الأخيرة؟ ما هو مرضه وعلّته؟ هل قدم أطباء لمعالجته؟ كيف كانت علاقته في تلك الأيام بأصحابه وعائلته وأحبته؟ هل كان بابه مفتوحا للزائرين قبل وفاته؟ هل كان راضيا عمّا يدور حوله أيام مرضه؟ هل انتقل إلى رحمة ربه مع أسرار لا يعرفها

إلا هو وقلّة قليلة من مقرّبيه، بعضها كُتم وبعضها طواها النسيان؟ هل حُسم أمر خلافة الرسول وهو حيّ يرزق؟ هل توفي محمد صلى الله عليه وسلم وقد تحلّق حوله الأطباء كما توفي أبو بكر محاطا بالأطباء من كل صوب؟ ما الذي حزّ في نفس الرسول عندما كان على فراش الموت؟

ما هي الأحداث التي أوجعت فؤاده وتعاظمت مع الأيام وارتسمت حزنا غائرا في عينيه وألما دفينا في قلبه؟ ما كان يخشى الرسول؟ وهل حدث ما يخشاه فعلا في أيامه الأخيرة؟ هل مُنع الرسول من كتابة وصيته قبل خمسة أيام من مماته؟ ومن منعه؟ ولماذا مُنع؟ هل خالف أبي بكر إرادة الرسول الذي كان على فراش المرض عندما أمره الرسول بالذهاب إلى سوريا مع جيش المسلمين ولم يفعل؟ هل حدثت فعلا مؤامرة ضد علي رضي الله عنه في حادثة سقيفة بني ساعدة؟ هل كان الرسول يخشى حقا أن يقع تسميمه؟ لماذا غضب عندما زالت عنه غيبوبته قبل أيام قليلة من وفاته ووجد مستحضرا على فمه؟ هل كان يشكّ حقا في أمر تسميمه؟

كيف كانت العلاقة بين فاطمة الزهراء وعائشة زوج الرسول؟ وهل هنالك تحالفات «سياسية» بين عائشة وأبيها وعمر بن الخطاب؟ وهل ترك علي بن أبي طالب وحيدا بعد وفاة الرسول؟ هل عُزل «سياسيا»؟ هل دفعت تحالفات ما لتولي أبي بكر خلافة الرسول؟ ما هو الدور السياسي الذي لعبته عائشة ابنة أبي بكر لخلافة الرسول؟ لماذا تختلف الروايات بشدّة كلما كان الحديث على لسان عائشة؟ هل أكلت حقا الماعز «آيات الرجم» التي كُتب على ورق النخل؟ وكم من آية تمّ أكلها؟ وكيف تمّ جمع القرآن الكريم بعد وفاة

الرسول في عهد عثمان بن عفان؟ هل جاء محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن والصحابة بالإسلام؟
أسئلة عديدة متراكمة نفهمها ونقرؤها بين السطور، أسئلة لا تنتهي، تبدأ احتمالات جديدة لتظهر أخرى.. معادلات واحتمالات وافتراضات، واستفهامات كثيرة، ولسان حالك يقول، من أصدّق؟
لم تقدّم الدكتورة في الحضارة والآداب الفرنسية هالة الوردي في كتابها « الأيام الأخيرة لمحمد» حقيقة بعينها، ولم تمل كل الميل لراوية من الروايات؟ بل تناولت بموضوعية كل الروايات التي تناولت الأيام الأخيرة للرسول وعقّبت بالإستفهامات والإستفسارات ولم

تستخلص سوى المزيد من الإستفهامات؟

اعتمدت هالة الوردي على العديد من المراجع، لم تهمل مرجعا بذاته، ولم تترك مرجعا إلا وضمّنته كتابها، مراجع متعدّدة وروايات مختلفة لحدث واحد.. جعلتنا هالة الوردي ندرك أن لا حقيقة مطلقة تاريخية، فكيف يتمّ تقديس رواية دون أخرى من روايات هذا وذاك؟ دفعتنا هالة الوردي كيف نفكّر ونتفكّر ونتساءل مرارا وتكرارا، من تصدّق؟ لذلك وجب التعامل بعقلانية مع الروايات، وهل يمكن أن يفهم العقل أحداثا ووقائع دُونت بعد وفاة الرسول بقرون؟

خطّت هالة الوردي كتابها الذي استغرق ثلاث سنوات من البحث، أملا في نفض الغبار عن أحاديث أصبحت مقدّسة وعن شخصيات غدت مؤلهة، وعن تفاصيل صارت هي جوهر الموضوع.. كل باحث وكل كاتب ينبش ويحفر ويتساءل عسى أن لا نتعصّب أكثر، عسى أن لا نتطرف بـ»حقائقنا» التي ندّعي، عسى أن نبني مفهوما جديدا لما نؤمن به قوامه التسامح ونبذ التطّرف والتعصّب..

لا يمكن أن تُبنى أيّ حضارة إلا عندما نتصالح مع الماضي، نفهمه أو نحاول فهمه ونعترف بالنقصان وبمحدودية الإنسان، لا يمكن أن نعانق المستقبل ونحن مكبّلين بجثث الماضي وخرافاته، ونحن محكومون بعالم الأموات.. لا يمكن أن نكوّن حضارة تحترم إنسانية الإنسان دون أن نزيل الغبار عن كُتبنا العتيقة، و«حقائقنا» العتيقة، ونعترف أننا بشر «مجالنا نسبي» وأن لا عزاء إلا للعلم والعقل والتسامح والإيمان بالإنسان..

لــم تـقدّم الدكتـورة هــالة الـوردي نفسها كمؤرخــــــة ولا كمالكة للحقيقية ما، وإنما كتبت مؤلفها بطريقة روائية غاية في التماسك والتسلسل والانسجام معتمدة على مختلف الروايات التاريخية، كتاب كرواية، وراوية كالتاريخ.. والحقيقة لا يعملها إلا الله.. فما الذي بقي للإنسان؟ ربما بقي له أن يكون إنسانا لا وحشا يقتل ويذبح، أن يكون إنسانا لا مالكا لـ«حقّ» يراه هو، مالكا وملكا متألّها، أن يكون إنسانا يبني الحضارات برحيق العلم ونور المعرفة ولبنة التسامح.. ويمدّه يده لمستقبل بعيد عن صراعات لا تنتهي إلا بحياته وحياة الآخرين..

الكتاب في أسطر

• العنوان: Les derniers jours de Muhammad

• الكاتبة: هالة الوردي

• الناشر: Albin Michel (مارس 2016)

• الحجم: متوسط

• عدد الصفحات: 363 صفحة

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115