الإخصائية النفسية سندس قربوج لـ»المغرب»: لا مجال للمصالحة بين الأنثوي والذكوري وبناء واقع غير تميزي دون المرور بالتربية على قيم المساواة عبر الثقافة بكل تعبيراتها

حدّثتنا سندس قربوج الإخصائية النفسية وأستاذة علم النفس بالجامعة التونسية والرئيسة السابقة لمنظمة العفو الدولية عن «بورتريه» الشخص العنيف وعن ضرورة مقاومته بالفعل الثقافي، كما حدّثتنا عن رأيها في مشروع القانون الشامل لمناهضة العنف ضد المرأة خاصة وأنها قامت بالعديد من الدورات التكوينية حول

مسألة النوع الإجتماعي والعنف المسلط على المرأة والطفل.

• ما هي تداعيات العنف المسلط على المرأة نفسيا خاصة؟
العنف المسلط على المرأة يترك أثارا على الضحية وعلى محيطها المباشر والمتسع، إذ أنّ ضحية العنف تعاني من اثار جسدية واثار نفسية من قبيل الإكتئاب والقلق النفسي تصل أحيانا إلى الانتحار ومن شأنها أن تعيق المرأة عن مواصلة حياتها بشكل عادي، كما أنّ هذه الاثار يمكن أن تتخذ أشكالا سلوكية عديدة، نلاحظها في تصرفات المرأة وسلوكها مثل التماثل مع المعتدي وهي ظاهرة تتمثل في استبطان العنف والتعبير عنه في شكل سلوكيات عدوانية تمس المرأة ذاتها.. أما على المستوى المجتمعي فإن العنف يعيق المرأة عن المشاركة التامة والفاعلة في الحياة العامة وفي الشأن الإقتصادي.. مما يعطل سير الحياة لا للمرأة وحدها ولكن للمجتمع ككل.
ولعل من أحدث المباحث العلمية في ظاهرة العنف مسألة الأطفال «شاهدي العنف» إذ تبين هذه المباحث أن الطفل الذي ينمو في وسط عنيف ليس شاهدا ثانويا أو سلبيا على العنف بل يتأثر به بشكل تام مما يعطل نموه النفسي والذهني ويمكن أن يجعله معتديا لاحقا.
من أثار العنف كلفته المادية التي تقع على كاهل المجموعة الوطنية ككل مما جعل منظمة الصحة العالمية تصف هذه الظاهرة بالافة الكونية.

• كمختصة نفسية لماذا أصبحنا اليوم نرى في تونس واقعا اكثر عنفا ؟
هناك من يقول ببروز العنف في 6 سنوات الاخيرة وخروجها من دائرة المسكوت عنه، وهناك أيضا من يقول بتفاقمها كميا ونوعيا.. يمكن اعتبار القولين صحيحين، اذ برزت اعتداءات وجرائم نوعية كما أنّ الاعلام الذي صار يتعاطى بحرية مع الظاهرة الاجتماعية ووسائل التواصل الاجتماعي ابرزا ظاهرة العنف وهذه الظاهرة لا يمكن ان تكون خاصة بمجتمعنا اذ ان العالم صار اليوم بمثابة قرية ولا حياد عن التأثير بموجات وأشكال العنف الكونية.

• كيف تقرئين شخصية العنيف نفسيا؟
في رأيي الخاص وفي قراءتي للشخصيات الفردية والجماعية سواء من ناحية الضحايا او المعتدين لا يمكن ان نغفل عن الجانب النفسي والثقافي في النسيج المجتمعي.. اذ ان مقاومة هذه الظاهرة لن تكتمل دون ان نأخذ شخصية المعتدي بعين الاعتبار فالعنف قائم على نظرة تمييزية وصراع بين الذكوري والانثوي سواء على المستوى النفسي او المجتمعي.
لعل ارتكاب العنف هو تعبير على أشياء عدة من بينها الاحساس بالخوف من الانثوي ويتجلى في الهجوم كأحسن وسيلة للدفاع..

• هل تعتقدين ان الفعل الثقافي قادر على مجابهة العنف؟
لا مجال للمصالحة بين الانثوي والذكوري وبناء واقع غير تميزي دون المرور بالتربية على قيم المساواة عبر الثقافة بكل تعبيراتها وترسيخ هذه المبادئ في كامل مراحل التنشئة والتربية.. وتتجلى أهمية الفعل الثقافي في مصالحة الفرد مع كامل مقومات شخصيته وخاصة مع الجسد الذي هو اداة العنف وضحيته.

• هنالك دعوات لعدم الاحتفال بذكرى اليوم، هل تشاطرينهم الرأي؟
من حقنا أن نحتفل ولكن هنالك سؤال يمكن أن نطرحه، بماذا نحتفل؟ نحتفل بذكرى الريادة والانجاز مقارنة بالعالم العربي والاسلامي، ولا أحد ينكر الإضافة فيما يخص الحقوق المدنية للمرأة والأحوال الشخصية، منها تحديد سن الزواج، وتنظيم الطلاق ومنع تعدد الزوجات والحضانة والنفقة... لكن الوقوف عند انجاز عمره 60 سنة والاحتفال به كمكسب نهائي هو شبيه بانسان يحتفل بالراديو في سنة 2016.. لهذا فإن الاحتفال بهذه المجلة وعيد المرأة تزامنا مع حدث أقل ما يقال فيه أنه مهم وهو مشروع قانون العنف الشامل ضد المرأة؟ ما هو مهم أننا يجب ان نقرّ أن مجلة الاحوال الشخصية والقوانين الموجودة لا تمنع من خطر الردة والنكوص .. وهو خطر يتجاهله قسم كبير من التونسيين والتونسيات الذين يعتقدون انهم في مأمن منه.. ولكن المتأمل في تاريخ الشعوب وفي تجارب بلدان عديدة على غرار اليمن وايران وافغانستان والسودان لا بدّ له ان يتحلى باليقظة لأن مسألة تحقيق مكاسب في مجال حقوق المرأة يبقى دائما مكسبا هشا لأن المسألة متعلقة أولا وقبل كل شيء بنمط مجتمعي أبوي ذكوري لا يتغير بسن قوانين فقط..

سن مشروع القانون الشامل هو استجابة لمتطلبات العصر منها الإحصائيات والارقام التي تشير الى ان هنالك حقائق لا تتماشى مع الفكرة السائدة حول حصول المرأة التونسية على كامل حقوقها، اذ ان نصف نساء تونس حسب احصائيات ديوان الاسرة والعمران البشري عرضة للعنف، واكثر من نصفهن حسب احصائيات الكريديف لسنة 2016 عرضة للتحرش والعنف في الفضاء العام.. ثم ان دستور 2014 سنّ الفصل 46 الذي يعتبر متطورا مقارنة بما جاء في مجلة الاحوال الشخصية اذ الزم الدولة بتوفير الحماية للمرأة ضد أشكال التمييز والعنف. ومن أهم اضافات مشروع القانون هو ادراج مفهوم الضحية بالنسبة للمرأة المعنّفة عوضا عن «المجني عليها» وفي ذلك مراعاة لخصوصية العنف المسلط على المرأة، كما أنه أعاد مفهوم «الاغتصاب» بطريقة اكثر علمية وشمولية.. ومن اهم مكاسب مشروع القانون هو أنه نقّح الفصل المتعلق بايقاف التتبعات ضد المغتصب اذا تزوج بالضحية..
بعيدا عن العدمية يبقى هنالك احساس بين مشروع القانون ليس شاملا كما نأمل، اذ ان مشروع القانون لا يتحدّث صراحة عن الاغتصاب الزوجي كاعتداء قائم بحد ذاته فان من الضروري تسميته باسمه.. كذلك فانه المشروع لم يدرج مسألة المساواة في الميراث بين المرأة والرجل كمواطنين متساوين ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115