Print this page

هنا تونس: حتى لا نحترق

وكأنّ الوضع العام في العالم تسلل إلى داخلنا كي يكون خاصا جدا.. وكأنّ الحياة هنا أصبحت تمضي على وتيرة واحدة، لا يمكن أن يمرّ ما نشاهده من عنف، واقتتال ودمار أن يمرّ مرور الكرام حتى لو كان جزؤه الكبير بعيد عنّا.. لا بدّ لتلك الصور أن ترافقنا.. في

السنوات الأخيرة صار الدم المسفوك مشهدا شبه يومي.. صارت أخبار الركود الإقتصادي هنا وهناك أخبارا يومية.. أصبح العالم مليئا بالقلق أكثر وبالتوتر والخوف.. وصار مستقبل الأجيال في خطر..

تسلل الوجع العام فأصبح وجعا خاصا.. أصبحت الكآبة والضيق والتوتر سمة الإنسان اليوم، فكأنّ الموت طال الأرواح وبقيت الأجساد هائمة على الأرض، تقتات ولا تعيش.. تتنفس ولا تحيا.. وكأنّ الإنسان أصبح مجرّد الة محقونة بالدم.. وكأننا في وضعية صدمة دائمة، بعضنا يبحث عن أفيون يحقن ألمه، وبعضنا بقي صامتا ينظر ولا يرى، يمشي وحياته قد توقفت..

مازلنا نبحث عن طريق للنجاة.. فقط نعيش لو دقيقة بكل حواسنا وأرواحنا، بكل صخب الحياة وألوانها.. نشم رائحة التراب المبلل بالمطر ورائحة الإسفلت، وكل روائح البلد..

لا نجد طريقا لنعيش كي لا تتغير طقوسنا التونسية أبدا، كي يبقى مذاق لرائحة القهوة، لكي يزهر «نوّار العشية» ولكي يفوح عبر الليل في الطرقات.. لكي تبقى الأغاني رحلة موجزة، إلاهية مطلقة.. لكي لا نستيقظ في الصباح مرهقين.. وننام مرهقين.. لكي تبقى رائحة الأم خالدة لا تُنسى...

كأننا ننتظر مصباحا سحريا... كأننا ننظر رحمة كبرى تتلقفنا من كل الإتجاهات.. ولا تأتي الرحمة بعد..

حتى لا نحترق.. لا بدّ أن نجد نقطة صغيرة نحارب الظلام من خلالها كي تتسع شيئا فشيئا لتصبح....

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

المشاركة في هذا المقال