بعد سجن الصحفيين والكتّاب بتهمة ازدراء الأديان والتحقير من الذات الإلاهية: الخيال المصري في حضرة محاكم التفتيش

الصحفي أحمد ناجي، الكاتب مصطفي مصطفي محمد عبد النبي، الباحث والكاتب إسلام بحيري، الكاتبة فاطمة ناعوت، الأستاذ جاد يونان وغيرهم مصريون يقبعون وراء القضبان لأنهم مارسوا حرية طبيعية اسمها «حرية التعبير» محاكمات، هرسلات، اعتداءات، أحكام بالسجن..

مثقفو مصر يصارعون «حارس الآلهة» الذي يقفل أفواههم ويحبس خيالهم ويحاكمهم لأجل حرية التعبير والضمير.. عادت محاكمات الملك المتألّه.. كتاب مسجونون بما يسمى ازدراء الأديان، وآخرون بتهمة التطاول على الذات الإلهية.. وآخرون متهمون بخدش الحياء العام.. مازالت الآلهة تحاكم الخيال الإنساني في مصر أمّ الدنيا..

في شهر جانفي2016 وحده صدرت ثلاثة أحكام في ثلاث قضايا خاصة بما يسمى ازدراء الأديان، أولها ضد الباحث والكاتب إسلام بحيري، والثانية ضد مدرس بالمنيا هو الأستاذ جاد يونان، والثالثة ضد المهندسة والشاعرة والكاتبة فاطمة ناعوت..
ضحايا الخيال..

ففي هذا الأسبوع حوكم الكاتب المصري «مصطفي مصطفي محمد عبد النبي»، بالسجن مدّة 3 سنوات، بتهمة «ازدراء الأديان وترديده عبارات من شأنها تحقير الذات الإلهية».. عبد النبي وجد مساندة واسعة غاضبة منددة بسجنه، فمن المنتظر أن ينعقد مؤتمر حاشد من قبل لجنتي الحريات والثقافة بنقابة الصحفيين بالتعاون مع جبهة الإبداع المصري ونقابة السينمائيين ونقابة المهن التمثيلية واتحاد الفنانين العرب واتحاد الناشرين واتحاد الكتاب وجمعية نقاد السينما للتصدي للهجمة على حرية الصحافة والإبداع، وللتضامن أيضا مع أحمد ناجي الذي صدر ضده حكم بالحبس سنتين بسبب نشر فصل من روايته في جريدة أخبار الأدب في محاكمة لخيال الكاتب. ويشارك في المؤتمر ممثلون عن كافة النقابات والهيئات المنظمة للمؤتمر وحشد كبير من الصحفيين والكتاب والادباء والفنانين.

وكان قد أصدر أكثر من 150 مثقفا وصحفيا وكاتبا مصريا بيانا ضد حبس الروائي أحمد ناجي وتزايد الممارسات القمعية وما نتج عنها من عصف بالحريات العامة .. واعتبر الموقعوعون على البيان من أن الحجب والمنع وقتل السياسة وإطلاق يد القوى المتطرفة وغض النظر عن الانتهاكات التي ترتكبها أجهزة الدولة سيؤدي إلى صدامات كارثية لا تتحملها البلاد.

كما عبروا عن شعورهم بالخوف الشديد على مستقبل مصر، في ظل استمرار هذه الرعونة والاستخفاف في التعامل مع الحريات، وتسييد خطاب قمعي يتشدق بمفردات مثل «الأخلاق»، بينما يفرغها- بأفعاله هو- من معناها في كل دقيقة، وينتهك الدستور يوما بعد يوم.
كما أعلنت 13 منظمة حقوقية، و4 أحزاب سياسية، و 84 شخصية من صحفيين ومخرجين وحقوقيين ومحامين، عن استنكارهم الشديد لما لاحظوه من تزايد المحاكمات المرتبطة بتهمة ازدراء الأديان بدرجة كبيرة في الفترة الأخيرة.. مطالبين بإلغاء المادة 98 من قانون العقوبات المعروفة بمادة ازدراء الأديان..وطالب الموقعون مجلس النواب بإجراء التعديلات التشريعية اللازمة لتفعيل المواد الخاصة بالتزام الدولة بحرية البحث العلمي، وحماية حرية الفكر والتعبير، وعلى رأسها إلغاء المادة 98 من قانون العقوبات المصري الخاصة بازدراء الأديان التي استخدمت منذ حشرها في قانون العقوبات في التنكيل بالمختلفين دينيًا، والتنكيل بالمفكرين المسلمين خدمة للسلفية التي وصفوها بالـ«متخلفة»، كما طالبوا الشعب المصري وقواه الوطنية والديمقراطية بدعم هذه المطالب العادلة، لمواجهة التقييد المتزايد للحريات التي نص عليها الدستور، من أجل دعم احترام الدستور وتفعيل مواده.

قال الإعلامي الساخر باسم يوسف على واقعة حبس الروائي أحمد ناجي، في صفحته على «فيس بوك»،معلّقا عن الأمر: «الحمد لله إن السيسي أنقذ مصر من الفاشية الدينية، ياللا نحبس إسلام البحيري وفاطمة ناعوت وأحمد ناجي وأي حد تاني، المهم الحياء، وتحيا مصر يا جدع».

سيد هويدي الناقد الفني ومستشار تحرير مجلة الخيال من القاهرة لـ«المغرب»:
أخطر ما في هذه القضية هو ظاهرة الخوف التي أصبحت سوطا يلهب الظهور
يقول سيد هويدي مستشار تحرير مجلة الخيال من القاهرة‎:»ظاهرة السجن بسبب النشر، ظاهرة قديمة وتظهر بقوة في أوقات ضعف الدولة، فتلجأ الحكومات والأجهزة إلى التكميم والمنع والمصادرة، والأخطر هو الأقصاء للخصوم والمختلفين في الرأي، والغريب في هذه الظاهرة كل مرة ترجع بالمجتمع إلي نقطة الصفر، والمربع رقم واحد، سواء سياسيا أو مجتمعيا، أو فكريا وثقافيا، كل مرة تناقش بنفس الكيفية، وكأننا نخترع العجلة كل مرة. علي الرغم من أن أجيالا عديدة دفعت فاتورة غالية ثمنا لمناهضة القوانين الإجراءات السالبة للحرية، أجيال وراء أجيال تدافع عن حرية التعبير. أما اذا كنا نتحدث عما يحدث الآن من الحكم بالسجن سنتين على الصحفي «أحمد ناجي» بسبب نشر فصل من كتابه استخدام الحياة في جريدة أخبار الأدب، فهذه القضية لها أبعاد كثيرة متشابكة.. أول هذه الابعاد فهو أنها قضية نشر، لكن النشر تم في مؤسسة من مؤسسات الدولة، التي تعد ملكية عامة، وليس النشر في كتاب مثلا، أما ثان الابعاد: التقييم الأدبي للموضوع المطروح، خاصة وأن الدستور في مواده التالية يقول ما نصه: حرية الفكر والرأى مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر.

حرية البحث العلمي مكفولة، وتلتزم الدولة برعاية الباحثين والمخترعين وحماية ابتكاراتهم والعمل على تطبيقها، لحرية الإبداع الفني والأدبي المكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة
لذلك لا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها الإ عن طريق النيابة العامة، والتوقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم الـتي تُرتكب بسـبب عالنية المنَتّج الفــني أو الأدبي أو الفكري، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد، فيحدد القانون عقوباتها.

إذن الحكم بسجن الصحفي يخالف الدستور المصري، والغريب أن القضية عندما طرحت على المحاكم في أول درجة تقاضي وحضر جلسة المحكمة الكاتب محمد سلماوي، والناقد د. جابر عصفور، والروائي صنع الله أبراهيم، حصل الصحفي علي حكم بالبراءة، لكن القضاء المصري يبدو أنه يقف بالمرصاد لقضايا النشر، وهنا لا نتعرض إلي قيمته الأدبية، نحن أمام قضية نشر، سواء في أي وسيط معرفي.

أخطر ما في هذه القضية هو ظاهرة الخوف أصبحت سوطا يلهب الظهور، المدهش أن كل الأطراف يحكمها الخوف من الطرف الآخر، السلطة تخاف من المبدعين، والمتأسلمين يخافون من السلطة، والمبدعون يخافون من القضاء، والقضاء يدعي الخوف على الناس، والناس تخاف من كل هؤلاء، وهو ما يفسر عدم الإجابة حتى الآن على سؤال: كيف نتقدم؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115