تحيّة الضحى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة...

من الآيات المفتاحية في القرآن الكريم ما ذكره سبحانه؛ تبياناً لمنهج الدعوة في سبيله، قوله تعالى:  ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن النحل:125، فقد بينت الآية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولمن بعده من الدعاة أن منهج الدعوة إلى الإسلام

قائم على هذه الأسس الثلاثة: الحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن. فعلى كل داعية أن يكون سالكاً للطرائق الثلاث: الحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، وإلا كان منصرفاً عن منهج القرآن في الدعوة إلى الإسلام، وغير خليق بأن يكون في صفوف الداعين إلى الله؛ لأن عدم التزامه بهذا المنهج سيؤدي إلى خلاف ما هو مقصود ومأمول.ولا يلزم الداعي إلى الله أن يلزم الطرائق الثلاثة مع كل مدعو، بل اللازم أن يسلك الطريقة الأنسب والأجدى مع كل مدعو؛ إذ ليس كل الناس سواء، فمن الناس من يَحْسُن مخاطبته بطريق الحجة والبرهان والحكمة، ومن الناس من يكون الأليق بمخاطبته طريق الموعظة والاعتبار، وثمة فريق ثالث لا يجدي معه إلا منهج المجادلة؛ ومن هنا كان على الداعي أن يتخير لكل مدعو ما يغلب على ظنه أنه الأفضل في حقه، والأقرب إلى قبول دعوته.على أنه قد يكون من الأنسب أن يُجمع في دعوة بعض المدعوين بين هذه الطرائق الثلاثة، وذلك بدعوته عن طريق الحجة والبرهان، ومن ثم الانتقال معه بالدعوة بالموعظة الحسنة. ويراعى في كل ذلك ما هو أقرب إلى الأذهان، وما هو أسرع إلى القبول. ومن مقتضى طريق الحكمة في الدعوة البدء بدعوة الأهم فالأهم، فدعوة العالم أولى من دعوة الجاهل، ودعوة القريب مقدمة على دعوة البعيد، ودعوة من يُرجى إسلامه أجدر ممن لا يُرجى إسلامه.
فعلى هذه الأسس الثلاثة يرسي القرآن الكريم قواعد الدعوة ومبادئها، ويعين وسائلها وطرائقها، ويرسم المنهج للرسول الكريم، وللدعاة من بعده.

هدا وقد اشتملت هذه الآية على جملة من اللطائف والفوائد منها:

• لما كان الناس من حيث الجملة ينقسمون إلى أقسام ثلاثة: حكماء محققون، وعوام مسلِّمون، وخصماء مجادلون، جاءت هذه الآية لتبين المناهج الثلاثة التي توافق ما عليه أقسام الناس. فالحكماء يخاطَبون بالحكمة، والعوام يخاطَبون بالموعظة، والخصماء يجادلون بالتي هي أحسن. وبهذا تكون الآية قد جمعت بين أصول الاستدلال العقلي الحق: البرهان، والخطابة، والجدل. وهي الأصول المعتبرة في الاستدلال عند أهل المنطق.

• قُيدت لفظة الموعظة بالحسنة، ولم تقيد الحكمة بمثل ذلك؛ لأن الموعظة لما كان المقصود منها غالباً الردع عن أعمال سيئة واقعة أو متوقعة، كانت مِظنة لصدور غلظة من الواعظ، ولحصول انكسار في نفس الموعوظ، فتوخَّت الآية كون الموعظة حسنة، وذلك بالقول اللين، والترغيب في الخير، كما قال تعالى:  فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى طه:44 . أما الحكمة فهي تعليم لمتطلبي الكمال من معلم يهتم بتعليم طلابه، فلا تكون إلا في حالة حسنة، فلا حاجة إلى التنبيه على أن تكون حسنة.

• اشتمل القران الكريم على الحكمة والموعظة والمجادلة؛ ففيه بيان آيات الله في الكون من خلق السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم المسخرات بأمره، وإنزال الماء، وإنبات النبات، وفلق الحب والنوى، فهذا كله من الحكمة. وفيه قصص الأقوام السابقة، وما نزل بالعصاة من خسف وزلزال وريح صرصر عاتية، وهذا من الموعظة الحسنة. وفيه مجادلة المخاصمين،

• يستبين مما أرشدت إليه الآية الكريمة من مناهج الدعوة واقعية هذا القرآن ومراعاته لكافة المستويات الإنسانية، فالنفس البشرية لها كبرياؤها وعنادها، وهي لا تنزل عن الرأي الذي تدافع عنه إلا بالرفق، حتى لا تشعر بالهزيمة، وسرعان ما تختلط على النفس قيمة الرأي وقيمتها هي عند الناس، فتعتبر التنازل عن الرأي تنازلاً عن هيبتها واحترامها وكيانها. والجدل بالحسنى هو الذي يخفف من هذه الكبرياء الحساسة، ويشعر المجادل أن ذاته مصونة، وقيمته كريمة، وأن الداعي لا يقصد إلا كشف الحقيقة في ذاتها، والاهتداء إليها. في سبيل الله، لا في سبيل ذاته ونصرة رأيه وهزيمة الرأي الآخر.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115