مسرحية «ايزدان» لمهند علي من العراق: صراعات الدول العظمى في العراق وقودها أبناء الشعب

إلهي هل تعلم أنهم يقتلون باسمك؟ يغتصبون النساء باسمك، يحرقون الاجساد الحية باسمك، ويبيدون الأقليات باسمك؟ الاهي، اتعرف ان «الله اكبر»

جملة أصبحت تمثل الرعب لدى الكثيرين فهي ارتبطت بالتفجير والموت والتلاشي؟ الاهي اتراهم من علياء سمائك وتصمت؟ لماذا لم تردّ الفعل؟ ام تنتظر قدومهم اليك واجتماعهم في مكان؟.
كذلك فعل كاتب مسرحية «ايزدان» كرار فياض جمع القاتل والمقتول في حيز مكاني واحد؟ جمع من فجّر نفسه بحزام ناسف ومن ذهب جسده اشلاء في فضاء واحد للحديث والحوار و»ايزدان» من اخراج مهند علي من العراق وتمثيل مدين مجيد واسماء عزيز وضرغام محمد وهي تجسيد مسرحي للواقع العراقي ودعوة مباشرة لنبذ العنف والتطرف من خلال الحوار واللقاء والتفكير في مصلحة الجماعة قبل المصلحة الفردية.
السينوغرافيا لكشف الوجع الجماعي
موسيقى قوية تنبعث من مكان ما، تبدو كفحيح الأفاعي او حفيف وريقات شجر يطيّرها الريح الغاضب، صوت انين جسد انثوي، قراءة سريعة من الكتاب المقدس، وترتيل متسارع للقرأن، تتداخل الأصوات وتختلف لتصنع موسيقى عرض «ايزدان» التي أبدع في تاليفها ذو الفقار علي ليحاكي واقع بلاده بالموسيقى.
في أقصى الركح يتمثل الديكور في مجموعة من العقارب الكبيرة لساعات عملاقة تختلف من حيث الحجم والحركة فبعضها تدور عكس الوقت،جسد يحرك تلك الساعات كلما خفتت حركتها، ملامحه غير ظاهرة لكنه جزء من الاحداث، الشخصيات تجلس على بقايا اشجار مقطوعة والخشب هنا يرمز الى العلاقة الوطيدة بالارض، فالشجرة عنوان للانتماء، كل مقعد به غصن اخضر ووريقات لازالت حيّة، ديكور العرض يوحي بمكان غير معلوم، فضاء هلامي تجتمع فيه الشخصيات، ليتضح مع تقدم الأحداث انه المكان الاول الذي سيجتمع فيه الناس بعيد الموت، فشخصيات المسرحية، موتى يناقشون مشاكل الاحياء.
تسرع الساعات في الدوران، يقرأ احدهم من كتابه الاحمر بصوت عال «قال لنخلق الانسان ليعبر عن صفاتنا» ثم قال «ليس من الجيد خلقه وحيدا» فتبدأ الاحداث في انسيابيتها وتستجمع الذاكرة شظاياها، ثلاث شخوص دون اسماء، يختلفون فكريا ودينيا، ثلاثة موتى يجتمعون في مكان ما ينتظرون «الله» وكل كيف يرى إلاهه (فالمسيحي يناديه طيلة الوقت بأبي وأبتي، والمسلم يحادثه عبر صلاته والايزيدية تناديه «ايزدان» مباشرة)، ليسالوه عن ثنائية «الحياة والموت» و»الامل والالم» وخاصة عن التطرف الديني في الارض.
الله يسمعهم، يرونه من بعيد لكنهم كلما اقتربوا ابتعد عنهم، وتلك المسافة ستصبح مساحة للبوح، فضاء يتشاركون فيه افكارهم ويتحدثون عن اختلافهم الذي عجزوا عن الخوض فيه وهم احياء، فالمسرحية رسالتها واضحة، نبذ العنف والتطرف والدعوة المباشرة الى الحوار، والركح هنا فضاء للاجتماع كما المسرح فضاء دائم للوحدة بين ابناء الشعب العراقي.
المسرح مساحة لالتقاء الافكار المتناقضة
«ايزدان» هو اسم المسرحية وهي اسم لاله في الديانات القديمة، يجعلونه وجهتهم لسؤاله عن القتل، والتقتيل الذي يحدث باسم «الرب» على الارض، هم ثلاثة، مسيحي يموت يوم الصلاة في الكنيسة، مسلم يفجّر نفسه بحزام ناسف «انا قاتل لكني لست منهم» وايزيدية تباع في سوق النخاسة فترمي نفسها في النار المقدسة «لم ارتكب ايّ خطيئة، فقط اردت أن اطهر نفسي من خطايا الاخرين».
ثلاثة أطياف متصارعة ومتناحرة في العراق، ثلاث افكار مختلفة، يقودها الرفض الأعمى للآخر، يضعها الكاتب كرار فياض في نصه ويبعث فيها المخرج مهند علي الروح على الركح، ليفتحوا كل الابواب الموصدة امام الحوار، ويصلوا الى نتيجة ان الشعوب العربية في النهاية هي لعبة بيد الدول المتصارعة على الحدود، والدول العظمى تزرع الخوف لتكسب اللعبة في النهاية، «فنحن فقراء، والفقراء وقود الحروب».
يرفضون الحديث اولا، تتشتت الاضاءة بين الشخصيات، كلما زاد التنافر يدخل ذاك الجسد الرابع بسيفه الطويل ليقطع العود الاخضر من الكرسي، كلما ظهر يقتربون جغرافيا، حدّ ان يصبحوا في رواق ضوئي واحد، حينها يتناقشون وكل يقدم افكاره الكثيرة التي حملها من «هناك» اي من الارض قبل موته، تتواصل نقاشاتهم، لا وجود لنص منطوق فقط الموسيقى تصبح اقل قوة والاضاءة يتغير لونها تدريجيا الى ان تصبح كما خيوط الشمس الذهبية ويقولون «المعرفة قادرة على فتح كل الأبواب» وهي رسالة كاتب النص ومخرج المسرحية.
كل منهما يدعو الى الحوار عبر الفن، وكلّ منهما يؤكد ان المسرح فضاء للحياة، المسرح وسيلة لاجتماع الافكار المتناقضة، والشارع العراقي يحوّلونه الى الركح، يعرّون كل الافكار المتطرفة ويناقشونها فنّيا علّ الفرقة والاختلاف الطائفي والديني والتطرّف يقلّ بريقه في ارض الثقافة والفنون وبلاد المعرفة منذ سبعة الاف عام «فالعمل موجه لكل الافكار المضللة للحقيقة وللواقع الذي يعيش بالضياع، لقد تصدعت جدران افكارنا وتصدعت عجلة الزمن واصبحنا وقود لالة الهيمنة والاستغلال، ونحتاج الى صرخة حقيقية مفادها صناعة الحياة» كما يقول مخرج العمل مهند علي.
يعيش العراق الفرقة والصراع منذ القديم، لكل حقبة تاريخية تناحراتها الدينية والحزبية ومنذ بداية الانسان والفقراء وابناء الشعب هم ضحايا لهذه الحروب، وما بعد 2003 أصبحت ساحات بغداد فضاء للصراع الطائفي المباشر وقتل الكثير من الشباب الوطني فقط لانه خالف الاعراف ودافع عن وطن عراقي لكل العراقيين، كل هذه الندوب تركت اثرها في المسرحيين، فكتبوا اعمالهم التي تنقد الواقع وتقدم بشاعته الى المتفرجّ علهم يفككون الشيفرات وينتصرون فقط للانسان والوطن.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115