جربة تحتفل بفنانيها التشكيليين: معرض جماعي يوثّق لذاكرة جربة مدينة وامرأة وفكرة

نحمل طفولتنا معنا أينما توجهنا، تسككنا ذكريات الصغر، نكبر بها ومعها ونعيد تشكيلها في الاعمال الفنية سواء أكانت كتابة أو رسما أو مسرحا، فالفنون باختلاف تلويناتها

جزء من الذاكرة البعيدة، ذاكرة الطفولة والسنوات الأولى لتشكل الإنسان والمبدع.
هكذا هي جربة أحبها أبناؤها، تجولوا بين أبراجها وتسابقوا في ساحاتها وسحروا ببحرها، جزيرتهم الصاخبة بالحياة زودتهم بطاقة إبداعية. اليوم وبعد أعوام يعيدون تشكيلها في اعمال تشكيلية ولوحات فنية تحول المدينة الى لون ورمز في اعمال حسن قرفالة وعياد بن حسن وفاطمة ميمطة وفوزية الهواري ومحمد الخامس المصراطي ولطفي الغول ورياض الخرشاني وفوزية ضيف الله وسامي الساحلي وكريم بن مسعود ووهيبة المقدم وعدنان بن عزوسين وسرور بالاشهب بمناسبة القمة الفرنكفونية.
المدينة تميمة ابداعية
يصنع من ذاكرته مساره الإبداعي، الرموز البربرية بمختلف معانيها هي التيمة التشكيلية الاولى لحسن قرفالة، الحناء رمز الخصب والحبّ، اللون الاحمر مع تدرجات البني لون الارض والانتماء يعيد الفنان تشكيلها في رموزه البربرية فتحمل متأملها الى «قلالة» البربرية الموجودة في الجزيرة، قلالة التي لازال سكانها يحافظون على عاداتهم ولهجتهم «الشلحة» كوسيلة للتواصل بين أفرادها موروثهم الامازيغي يحوله حسن قرفالة الى تميمة ابداعية ليتعرف زائر المكان على خصوصيات اهل الجزيرة بمختلف انتماءاتهم وأصولهم.
للخط سحره، للون شيفرات كثيرة أما الصوف فبعض من ذاكرة يد الجدة وإبداعاتها، تتماهى الزرقة مع مساحة من البياض والكثير من الأصفر الذي يبعث في النفس الهدوء، ألوانها الهادئة وسيلتها ليعرف متابعي اعمالها عوالم جربة وامتداد آفاقها، فاطمة ميميطة ترسم الرموز والمعاني، ترسم «الحوتة» والكتابة الامازيغية وخيوط المنسج وبياض القباب الدائرية والمثلثات الكثيرة الموجودة في النسيج وتترك لمتأمل العمل تفكيك هذه الشيفرات، فيجده امام جربة مدينة التثاقف والنسيج، مدينة الامازيغ والعرب والمالطيين، جربة المعنى الشامل للاختلاف.
هي امرأة تحمل مدينتها بين ثنايا الريشة، اللون يأخذها الى جزء خفي من الذاكرة البصرية فتستحضر الوان الطفولة، وترسم المرأة الجربية كما عرفتها، بلباسها التقليدي المختلف، من اللحفة الى البسكري الى الطبعية الموشاة بالاحمر والبرتقالي وهي الأكثر انتشارا في جربة وتلبسه النساء في اليومي وتحضر الظلالة (المظلة) دوما، فلا استغناء عنها لدى نساء الجزيرة، المراة بكل سحرها وعنفوانها تعيد رسمها ريشة فوزية الهواري، فنانة تعيد صياغة مدينتها في أعمالها، المرأة الجربية بلباسها المختلف عن نساء الجمهورية، المراة حارسة الذاكرة والهوية تنتصر لها ريشة فنانة تعشق ملاعبة الألوان ومراقصة الأفكار.
في بهاء المراة شموخ الجزيرة
تمنحنا ريشته مساحة للحرية، يحلق بألوانه الهادئة الى عوالم اكثر اتساعا، يحول رمل الجزيرة وخشب نخيلها الى مادة اولية للرسم، تلتقط عينه جزئيات مدينته، وتفاصيلها الساحرة، يدغدغ خلايا الدماغ بمجرد الوقوف امام لوحاته، الفنان لطفي الغول يرسم جربة امراة ومدينة، ينقل الوانها الثرية، زرقة بحرها وشموخ نخيلها، جمال نسائها وهنّ يتزين لحفل العرس، لوحة مبهرة تكاد تخبر متأملها عن قصص العشق في الجزيرة، خاتم الليرة، الوشوش، «مرود الكحل» والرموز التي تنسجها النساء على المرقوم كلها تتناغم في لوحة لطفي الغول الذي حوّل المراة الجربية الى انموذج للرسم، فكانت لوحاته الثلاث المعروضة نقل لجزء من ذاكرة النساء وحكاياتهنّ.
النساء دوما رمز للحياة، الجدات ثابتات في الذاكرة والمخيال، هنّ كما الأساطير، النساء رمز الأمل، هن الكادحات الصادقات، هنّ صانعات الفخار وصانعات النسيج كما ترسمهن ريشة فوزية ضيف الله، باعثة الحياة في الطين بلحافها الاحمر تنهمك في تدوير الجرة امامها لتصنع تحفتها الفنية، تلتقطها ذاكرة الرسامة وتحولها الى عمل تشكيلي تتقن عبره توزيع الالوان لتتماهى مع موضوع العمل، المراة الكادحة، الريفية العاملة تبدع في تشكيلها فوزية ضيف الله وتبرزها شامخة رغم انحناءة الظهر، من صانعة الطين الى النسيج، جولة عبر الزمن، رحلة الى ذكريات قديمة حين كانت الة الخياطة توجد في اغلب البيوت وكل الصبايا يتعلمن خياطة جهازهنّ بانفسهنّ استعدادا ليوم الفرح الاكبر «العرس»، صبية تجلس خلف الة الخياطة بشعرها المنسدل وابتسامة تعلو المحيّا، صورة الفرح بالوان هادئة رسمتها ابنة مدنين فوزية ضيف الله.
تنساب الريشة رسما، ويرقص اللون اعلانا عن مزيد من الفرح، تحتفل جربة بفنانيها ويحتفي الفنانين بجزيرتهم فيرسمونها ويبدعون في توصيف جمالها، عبر اعمال واقعية وتجريدية، بعضهم يميل الى رسم المكان، وآخرين يبدعون في كتابة ذاكرة المرأة ويختار فريق ثالث البعد الرمزي، فجربة مدينة ساحرة، ملهمة، مدينة للحب والفن وفي رحاب اختلاف معمارها وحضاراتها تكتب الريشة اجمل الاعمال الفنية التشكيلية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115