الشاعرة جهاد المثناني لـ«المغرب»: كتاباتي لملمة لجرح عربي

تعتبر جهاد المثناني من الأصوات الشعرية اللافتة للنظر في القيروان بجودة نصها الأدبي ونشاطها الحركي في المجال الثقافي فهي تكتب القصيدة الشعرية النثرية

والموزونة، كما تكتب القصة والخاطرة والأغنية باللهجة التونسية. وفي رصيدها ثلاث مجموعات وتستعد لنشر مجموعاتها الشعرية الرابعة وقد التقت «المغرب» مع الشاعرة فكان لنا معها الحوار التالي.
• كيفَ جئتِ إلى عالم الأدب؟
جئتُ إلى عالم الأدبِ بشغف الطّفلة الّتي تفرح عندما يستحسِنُ المعلّمُ أعمالَها الإنشائيّة وتُعلّقُ إنتاجاتُها على جدران قاعة الدّرسِ.. فأنا صاحبةُ «المعلّقات السّرديّة « منذ نعومة أظفاري وقبل أن أعيَ معنى المعلّقات ثمّ في المرحلةِ الثانوية (نظام قديم) كنت متميّزة جدّا في مادّة العروض مع أستاذي الأمجد الوسيعي رحمه الله حيث كُنّا نُمتحن فيه كمادّة مستقلّة وكنت صاحبةَ أحسن عدد دائما وكانت معه محاولاتي الأولى في الكتابة الموزونة الّتي لا تخلو طبعا من إخلالات عروضيّة وكانت كتاباتي وليدةَ الوضع الاجتماعي والسياسي حينها فكنت ممتلئة بالهمّ العربي وكانت كتاباتي البسيطة وقتها تعبّر عن بداية تشكّل الوعي بقوميّتي العربيّة تزامنًا مع احتلال العراق وما تلته من أحداث كانت وراء الحراك الشّعبي وانطلاق المسيرات المندّدة بالعدوان الأمريكي وما رفعناه وقتها من شعارات كانت أقرب إلى الصياغة الشعريّة بنية وإيقاعًا
• في إصداراتك الشعريّة الثلاثة ما هي أهمّ المسائل الّتي تطرّقتِ إليها ؟
كما هو هاجس أغلب المفتونين بالكتابة في شتّى أشكالها فإنّ الوطن والوجدانيّات هما أهمّ موضوعيْن كتبتُ فيهما وهما نقطة التلاقي بين الإصدارات الشّعريّة الثّلاثة حيث كتبتُ للوطنِ بمفهومه الخاص (تونس/ القيروان) وبمفهومه العامّ الموسّع (الوطن العربي : القضيّة الفلسطينية / العراق / سوريا / اليمن ...) وكتبتُ في الوجدانيّات والحبّ ( الغزل / والإخوانيّات) فكانت كتاباتي لَمْلَمَةً لجُرح عربّي ورَتقًا لِما فَـتَـقَه الحُكّام العرب من جهةٍ وفيضًا من مشاعر الحُبّ الّتي بها نحيَا ونكتبُ ونعيش فسحةَ الأمل من جهة أخرى فتشكّلت كلّ المجموعات من جغرافيا القلب وتاريخ الأرض رغم تنوّع الأشكال الشّعريّة فيها
• على مستوى الشّكل أيّ نصّ شعريّ تكتبينه : قصيدة الّثر أم قصيدة التّفعيلة أم الومضة الشعريّة ؟
إنّ المتأمّل في مجوعاتي الشّعريّة يلاحظُ نوعًا من التدرّج وتحسّس الطّريقِ صوب ما يقولني حقّا بالنّظر إلى مطالعاتي وما درسته بالجامعة على يد أساتذة كبار بحجم الدكتور محمد الغزّي والمنصف الوهايبي ورشيد القرقوري والطاهر بن يحي والصّحبي العلّاني والمهدي المقدود وغيرهم من أساتذتي الأجلّاء .. حيث تنوّعت الكتابة فكانت مجموعتي الأولى «ليلٌ بلا ذاكرة» نصوصًا من قصيدة النّثر لكنّها تميل إلى الموزون باعتماد قافية أو لازمة معيّنة بعد كلّ مجموعة من الأسطر الشعريّة .. علما أنّ هذه المجموعة قدّمها أستاذي الدكتور المنصف الوهايبي ثمّ في مرحلة موالية صرتُ أشعر بأن التجربة الشعريّة بدأت تأخذ مجرى مختلفًا في المجموعةِ الثّانية «ولاذَ الماءُ بالغرقِ» حيث ضمّت المجموعة نصوصًا من قصيدة النثر وأخرى من الشعر الموزون بين العموديّ أو قصيدة البيت وبين شعر التفعيلة لتأتي بعد فترة تأمّل للذّات وبعد بعض ملاحظات أساتذتي الّذين اطّلعوا على كتاباتي بعين النّـاقد والشّاعر في ذات الآن مثل الشّاعرة القديرة السيّدة جميلة الماجري والدكتور محمّد الغزّي وجدتُ نفسي أميل إلى كتابة الموزون بشكليْه العمودي والتفعيلة لكن طبعا مع التّجديد في الصّور وإحياء هذا النمط من الكتابة ببعدٍ حداثيّ صورًا ومواضيعَ, لتكون مجموعتي الشّعريّة الثالثة «زهرة الحنّاء» زبدةَ تجاربي السّابقة فضمّت نصوصًا عموديّةً ووجدتني أكتب بعدها في شكلٍ واحدٍ تقريبًا وهو الموزون بصنفيه : العموديّ والتفعيلة .. إضافة إلى تجربتي البسيطة في كتابة النصّ الغنائي باللهجة العامّية التونسيّة وهي تجربة كُتب لها النّجاح بأن لُحِّنت عدّة نصوص ليغنّيها فنّانون ومطربون تونسيون قد أذكر منهم الفنان القدير صلاح مصباح وغيره من الأصوات التونسيّة الشابّة
• عادة ما لا يكتفي الشّاعر أو الشاعرة بالبقاء في عالم النصّ الشّعري فينفتح على عالم السّرد من قصّة ورواية ’ فهل جرّبتِ اقتحام مجال الكتابة النثريّة ؟
ـ اقتحَمَ البابَ : دَخلهُ عُنوةً وعُنفًا وقُوّةً .. وكثيرون فعلوا هذا واقتحموا بابَ الرّواية والقصّة بعنفٍ فنالهم جانب من الفشلِ ربّما لذلكَ اخترتُ اللّينَ والسّلاسةَ في ولوجِ عالمِ النّثرِ وكتبتُ بعضَ المحاولاتِ في القصّةِ القصيرةِ والخواطر بلغةٍ هي أقرب إلى الشّعرِ .. اكتفيتُ بنشرها الكترونيًّا لأنها تجربة مازالت بعدُ في طور التشكّل وتحسّس الطّريق .. وربّما ليس عسيرا على الشّاعر أن يكتبَ السّردَ وتجارب عديدة تثبتُ نجاح بعض الشّعراء في أن يكونوا روائيين متميّزين وقصّاصين لهم فرادتهم وتفرّدهم وأستدلّ دائما بتجارب أساتذتي من شعراء القيروان الشّاعرة جميلة الماجري والشّاعر المنصف الوهايبي والشّاعر محمّد الغزيّ .. وبتجربة الرّوائيّ المتميّز الدكتور عبد القادر بن الحاج نصر الذّي قال في إحدى حواراته إنّه بدأ شاعرًا ثمّ توجّه إلى السّرد لكن نجاحهم لا يعني ضرورة أنّي سأخوض هذه التجربة فقط لمجرّد التقليد والاقتداء .. أؤمن كثيرا بالقدرات وقد لا تسعفني قدراتي ليكون لديّ طول النفسِ في الكتابة لأخوض تجربة الرّواية لكن تجربتي في كتابة بعض القصص القصيرة والخواطر قد تكون بقعة ضوء تبشّر بانبساط هذه الطّريق أمامي ذات يوم وهو ما أرجوه طبعا لكن دون اقتحامٍ ينبئُ بالفشل المسبق .. فأجمل القصائد هي الّتي تكتبنا وليست تلك الّتي نتعسّف عليها ونكتبها بتصنّع وتكلّف .. وهكذا الأمر مع السّرد.
• ما هي مشاريعك المقبلة؟وكيف يبدو لكِ المشهد الأدبي في بلادنا بعد 2011؟
ـ القادمُ وردِيّ بحول الله .. حيث أنّني أستعدّ لطباعة المجموعة الشّعريّة الرّابعة, هي مسألة وقت وتفرّغ لمراجعة النّصوص فقط .. كما أنّ تجربة جديدة في الأفق تتمثّل في إنتاج ثنائيٍّ مشترك أو إصدار شعريّ ثنائيّ بيني وبين الشّاعر الكردي الدكتور «فرمان هدايت» حيث نستعدّ لنشر قصائد باللغتيْن العربيّة والكرديّة فقد تُرجمت بعض قصائدي النثريّة القصيرة إلى اللغة الكرديّة وتُرجمت بعض قصائده إلى العربيّة لتكون في مجموعة شعريّة بعنوان : «كلّ فصولي خريف»
وقد اخترت أن تكون مشاركتي بجملةٍ من قصائد النثر نظرا لِما في ترجمة الموزون من صعوبات قد تعطّل المشروع وسعيًا إلى التخفيف من خيانات الترجمة الّتي يعلمها كلّ مشتغل بالحقل الأدبيّ في علاقته بالترجمة .
أمّا المشهدُ الأدبيّ في بلادنا بعد 2011 فهو مشهد يتأرجح بين الجيّد والرّديء وتجدر الإشارة إلى أنّه مشهد يحتاج إلى طفرة نقديّة تلائم الكمّ الهائل من الإصدارات الأدبيّة في الشّعر والسّرد .. فالغزارةُ هي مؤشّر صحّي من جهة حيثُ أنّ الكتابةَ في حدّ ذاتها فعلٌ إيجابيّ وممارسة مطلوبةٌ لكنّها كذلك قد توحيِ من جهةٍ أخرى باستسهالِ البعض للكتابةِ والنشر إلى أن صرنا نشهد تزايدًا عجيبًا لدُورِ النّشر وتراكمًا غير مسبوق للإصدارات وكأنّ همّ المثقفين وأصحابِ دور النّشر الكمّ والعدد لَا «الكيْف».. ثمّ أين القارئُ وسط هذه الزحمة الأدبيّة؟ فالمشهدُ الأدبي في تونس يحتاجُ إلى فاعليْن أساسييْن هما النّاقدُ من جهة والقارئ من جهة أخرى كي يجري نهر الإبداع بين ضفّتيْهِما...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115