Print this page

ملتقى القصيدة الومضة بسوسة: خير الكلام ما قلّ ودلّ ...

يقال ان لكل عصر شكسبيره، ولكل عصر شكل ادبي يميزه عن غيره ولكل فترة شعر يعبر عن ادبائها و في هذا السياق احتفت مدينة سوسة او آخر الاسبوع المنقضي بملتقى «القصيدة الومضة» تحت اشراف المندوبية الجهوية للثقافة وبالشراكة مع جمعية احباء المكتبة والكتاب نظم الصالون الثقافي بسوسة

الملتقى الذي طرحت فيه مجموعة من الاسئلة عن القصيدة الومضة هل هي جنس ادبي مبتكر يقطع مع الشعر العمودي ام شكل مكثف من التعابير بحضور ثلة من الشعراء التونسيين ومنهم صالح السويسي و عنان العكروتي وحبيب مرموش وعبد المجيد يوسف ونظرائهم من ليبيا فاطمة الحاجي ومن الجزائر عاشور بوكلوة وفاطمة نصر وايطاليا دجوزابي نابولاتوني وجميعهم تجندوا للغوص في ثنايا القصيدة الومضة و الحديث عن القصيدة الومضة و الهايكو الياباني.

فهل الهايكو هو قصيدة الومضة؟ أم أنّ اختلافات تقوم بينهما لتميزهما عن بعضهما البعض؟ وإن كان الأمر كذلك ما هي هذه الاختلافات؟ هل يمكن للهايكو أن يكون غير يابانيّ دون أن يتنكّر لجوهره ويمّحي من الدّاخل؟ أم يمكن له أن يظلّ مُلهما للتّجارب الأخرى في كتابة الشّعر الوجيز المكثّف جدّا مع الحفاظ على فويرقات معه؟ ما هي هذه الفويرقاتُ إن وجدت؟ وكيف يتّصل ما هو ثقافيّ حضاريّ فيها بما هو فنيّ؟ اسئلة طرحت ايام الملتقى في اكثر من ورقة علمية.

لكل فترة شعرها والقصيد الومضة سمة الراهن
«القصيدة الومضة» هي شكل ادبي يعرفه الانقليزي هربرت ريد انه «الشكل والمحتوى مندمجان في عملية الخلق الادبي، فعندما يسيطر الشكل على المحتوى»الفكرة» أي عندما يمكن حصر المحتوى بدفقة فكرية واحدة واضحة البداية والنهاية،بحيث تبدو في وحدة

بيّنة،عندها يمكن القول أننا أمام القصيدة القصيرة :
ويعرفها محمود جابر عباس انها هي أنموذج شعري جديد له تشكيله،وصوره،ولغته،وإيقاعاته(الداخلية والخارجية) وتنبع خصوصية هذا الأنموذج الشعري بما يكتنزه من ملفوظات قليلة،ذات دلالات كثيرة،وإيحاءات خصبة،تتخلَّق من ذاتها،وعلى ذاتها،في حركة بؤريّة مكثفة،ومتوترة،ونامية مع كل قراءة جديدة،ومتمدّدة في كل دال ومدلول يتحركان ضمن دائرة العلاقات المرّمزة،والمفاتيح المتعددة التي تمكّن من ولوج النصّ.
و في الملتقى الذي دارت فعالياته بمدينة سوسة كانت الجلسات الشعريّة لهذه الدورة من الملتقى أقرب إلى روح الومضة وهويّتها في الأعمّ الأغلب، ولا شكّ أنّ سلطان الشّعر بأشكال كتابته المختلفة يبقى مخترقا هذا النّوع الأدبيّ (sous-genre) إلى أن نفتح له معا مسلكا مستقلاّ مميّزا بمثل هذه الملتقيات. وكانت المداخلات المقدمة في هذه الدورة من الملتقى لحظات تسآل وتفكير عميق في المبحث ووجاهة تأصيله وأسباب وصله بما يجاوره في الثقافات الإنسانية الأخرى على غرار الهايكو الياباني، والنجاعة لا شكّ في السؤال وطرائق طرحه.

إنّ ملتقى الومضة الشعريّة حُلمٌ تحقّق منه بعضه بجهد يذكر فينوّه به ويشكر ساهمت فيه المندوبيّة الجهوية للثقافة بسوسة وجمعيّة المكتبة والكتاب، والصّالون الثقافي بسوسة ولجنة تنظيم الدورة الرابعة، وكلّ المساهمين يراهنون حتما على الثقافيّ المكرّس للانتماء إلى هذه الأرض وهذا الوطن العزيز كما قال الدكتور سمير السحيمي عن الملتقى.

ديوان القصيدة الومضة نتيجة للملتقى
يومان من الشعر اختتما ببيان ومجموعة من التوصيات لإنّ الرهان في ملتقى الومضة الشّعريّة تكريسها نوعا شعريّا، وتخليصها ممّا شابها من التباس مع ما ليس منها، وهو رهان لا يتحقّق إلاّ بالتدبّر والتفكّر والتّجريب، وهذا ما بدأ في التحقّق في هذه الدورة الرّابعة من الملتقى تواصلا مع ما سبقه من دورات، حلمٌ تحقّق نبضةً نبضةً، ومضةً ومضةً إلى أن استحال بعض من واقع، والحلم لا يستقيم واقعا إلاّ إذا نهض على الحبّ والعزم والصّدق والمثابرة.

وبما أنّ السّماتِ المميزة للومضة الشعريّة لا تتبدّى في التّنظير وحده، لأنه يحتاج إلى المراجعة والتّدقيق في ضوء التّطبيق، حاله في ذلك حال التطبيق يحتاج إلى المراجعة في ضوء التحكيك النقدي، ارتأينا المراهنة على إصدار «ديوان الومضات الشعريّة في تونس» يليها في السنوات القادمة ديوان الومضات في دول المغرب العربيّ تباعا، وهو رهان يستهدف جمع ومضات لأكبر عدد ممكن من الشعراء التونسيين ونشرها في الدورة الخامسة من ملتقى الومضة الشعريّة القادم، هويخضع هذا الى مجموعة من الشروط ومنها ان يبدي الشعراء رغبتهم في نشر ومضاتهم الشعرية في الكتاب و ان يقدم كل شاعر من الومضات عددا لا يقل عن عشر على ان يتم انتقاء خمس منها و ان يصدّر «ديوان الومضات» بمقدمة نظرية تدقق في سماتها وأسئلة الكتابة فيها.
اختتم الملتقى ليكون وفي دورته الرابعة قبس نور اخر ينضاف للساحة الادبية في تونس عل الابداع يشع نوره في جوهرة الساحل سوسة.

المشاركة في هذا المقال