في ملف ترشيح ضمّ 9 دول عربية: «النّقش على المعادن «هل ينقش اسم تونس في قائمة اليونسكو؟

منذ عصر الكهوف عرفت البشرية النقوش التي تطورت عبر التاريخ واتسع مدارها ليشمل مختلف المحامل والخامات...

وإلى حدّ اليوم تقاوم مهنة «النقش على المعادن» الاندثار وتتمسك بجذورها وأصولها في إحالة إلى بيئتها الاجتماعية والثقافية وأبعادها الحضارية والرمزية. وهاهي الآن تقف على أعتاب قائمة التراث العالمي غير المادي أملا في أن تصبح تراثا إنسانيا خالدا...
بحضور السفير المندوب الدائم لتونس لدى اليونسكو غازي الغرايري وبإشراف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو» وبتنسيق مع جمهورية العراق تم إيداع ملف ترشيح «النّقش على المعادن: الفنون والمهارات والممارسات» للتسجيل على القائمة التمثيليّة للتراث الثقافي اللامادي للإنسانية لدى اليونسكو.
هوية... ورمزية
في ملف مشترك مع 9 دول عربية وهي: العراق والجزائر ومصر وموريتانيا والمغرب وفلسطين والسعودية والسودان واليمن، أودعت تونس رسميا ملف ترشيح عنصر «النقش على المعادن» إلى قائمة اليونسكو. وهي ليست المرة الأولى التي تقدم فيه تونس ملفا مشتركا لتسجيل تراثها اللامادي، فقد سبق في سنة 2020 أن سجلت «الكسكسي» بالاشتراك مع المغرب والجزائر وموريتانيا. كما نجحت في تسجيل الخط العربي ضمن ملف مشترك مع 15 دولة عربية في قائمة التراث العالمي غير المادي سنة 2021 .
وقد تولّى المعهد الوطني للتراث الإعداد العلميّ للملفّ تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافيّة علما وأنّ تونس ممثّلة في شخص الدّكتور عماد بن صولة، كانت ضمن الفريق المصغّر الّذي تولّى صياغة الملفّ العربي المشترك. وبدوره كان مدير البحوث عماد بن صولة هو من أشرف على إعداد ملف الجرد الوطني لعنصر «النقش على المعادن: فنون ومهارات وممارسات».
وفي وصف لعنصر «النقش على المعادن» ورد ما يلي:» يتجلى النقش على المعادن بوصفه أحد أبرز تعبيرات الفنون التقليدية، ليس فقط بفضل هويّته الجماليّة الخاصة وتداخله مع عديد التقاليد الحرفية، وإنمّا أيضا لاستخداماته الاجتماعية المكثفة كإبداع فني مثير للخيال والوجدان تصل بجملة من الممارسات اليومية والاحتفالية التي لا تغيب عنها القيمة الوظيفية والرمزية في الوقت نفسه.
وينتمي «النقش على المعادن» إلى الفنون الزخرفيّة التي تشمل طائفة كبيرة من المحامل يبرز فيها المعدن والحجر والجص والرخام والخشب والزجاج والجلد والفخار والصوف، وهي تعرف بالفنون التطبيقية نظرا إلى إحالتها على قطع ذات استعمال نفعي كالكراسي والأواني الفضيّة والزجاجية والمباخر والأباريق وقنينات العطور والزينة والفوانيس والثريات والصناديق والأطباق. ويتمثل النقش على المعادن في إبداع رسوم على مهاد معدني بعد تحويلها إلى نقوش ناتئة أو غائرة حيث تتح ول الخطوط المرسومة إلى عناصر تشكيلية متناسقة بفضل مهارة التحكم في الملء والفراغ وتناسب الأبعاد وإسقاطات الأضواء والظلال».
ظاهرة حضرية بامتياز
في اقتفاء لأثر النقش على المعادن في تونس عبر التاريخ والحضارات، يقدّم ملف الجرد الوطني الخاص بهذا العنصر الإيضاحات التالية: «تعّد النقوش الجداريّة أو الصخريّة المرتبطة بالعصر الحجري الحديث من أقدم الشواهد الأثرية على فنون النقش عموما باعتبارها تجسد، على نحو خاص وبشكل مبين، بدايات هذه الممارسة التي سرعان ما شهدت طفرة مع عصر المعادن الذي اهتدت فيه البشرية إلى اكتشاف التعدين وتطبيقاته. وهو ما سمح بظهور الكثير من الأعمال الفنية ذات الزخارف المنقوشة على غرار ما خلدته الحضارات المصرية والرافدية.
ولئن كانت هذه المنقوشات خاضعة إلى اعتبارات روحية أسطورية وحتى بيداغوجية كما هو الحال بالنسبة إلى المنقوشات الكتابية، فإنها قد مثلت في حد ذاتها قيمة فنية عظيمة. ولم تكن البلاد التونسية بمنأى عن هذه التطورات التقنية والفنية، حيث تشير المصادر التاريخية والشواهد الأثرية إلى ازدهار النقش على المعادن انطلاقا منذ الألفية الثامنة قبل الميلاد كما تثبت ذلك طواقم الحلي القرطاجنيّة التي تشتمل على عقود وعلب لحفظ التمائم وأقراط وخواتم محلاة بنقائش بديعة تحضر فيها الحيوانات والآلهة، مثل تلك الخواتم ذات الفصوص الثابتة التي تمثل زخارف منقوشة ونظيراتها التي رسمت عليها صوره الإله بعل حامون.
وقد تواصل ذلك في العهود الإسلامية لتتلاقى تيارات حضارية وفنية متوسطية قديمة مع تقاليد محلية مرتبطة بالإرث البربري وأخرى وافدة من المشرق العربي وبلاد الأندلس بما منح ثراء وتنوعا في أساليب المعالجة الزخرفيّة للمعادن وما يرتبط بها من سجلات فنية.
وقد ظل النقش على المعادن شديد الارتباط بالصناعات المعدنية، فتطور بتطورها وتراجع بتراجعها، من ذلك أنّه ازدهر في القرن الثامن عشر في عدد من المراكز الحضرية وهي أساسا تونس والقيروان وسوسة وصفاقس وجزيرة جربة، مّما أتاح ظهور النقش كاختصاص فنّي وحرفي متمايز يؤمنه النقّاش بوصفه يمثل فئة مهنية خاصة. ثم مع بداية القرن التاسع عشر راحت ممارسة النقش ترزح تحت ضغط المنتجات الأوروبية و عصر»المكننة» المتعاظمة، فكان أن سعت إلى التكيّف معها، من ذلك من ذلك اللجوء إلى النقش على الأطباق التي تعلق على الجدران أو توضع فوق المناضد بالنسبة إلى النحاس، وفي هذا السياق صدر مرسوم 04 صفر 1356 في محاولة لحماية النقش ومساعدة الحرفيين في مزاولة نشاطهم».
ليس النقش على المعادن مجرد فنون ومهارات توارثتها الأجيال بل هو ثري بمرجعيات تاريخية وثقافية وجمالية... فهل تنجح تونس وشركائها من البلدان العربية في تسجيل هذا العنصر في قائمة التراث العالمي؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115