رواية «الحديث والمغزل» لوسيلة الزراعي: الى كلّ النساء قاومن الوجع وأحلمن لأنكن صانعات الحلم

اليهنّ تكتب بكل الحب، منهنّ تقترب اكثر تعرف اوجاعهنّ وتحاول أن تصنع منها كتابات ذات نفس مميز، عن احلامهنّ تصدح

عاليا مستعملة الحرف سلاحها، إلى كل النساء تنتصر إلى الحالمات إلى الباحثات عن حريتهنّ الى صانعات النجاح من العدم تنتصر وسيلة الزراعي.
إلى المرأة وحشرجة داخلية تحاول إخفاءها تنصت وتحول ذاك الوجع إبداعا، في رواية سمتها «الحديث والمغزل» الصادرة عن «دار شامة» وصمم غلافها الكاتب بشير الحامدي، رواية جاءت في 238صفحة وهي ثالث اصدارات وسيلة الزراعي بعد روايتيها «ان سقط وجهي في البئر» و«وجع التفاح».
بين السرد والاستحضار تكون عوالم الرواية
«الحديث والمغزل» هو عنوان الرواية، عنوان يتكون من مترادفتين الاولى تفيد البوح والكلام والفضفضة والثانية تحيل الى العمل «الغزل» ففي فضاء ممارسة الغزل يحلو البوح للنسوة سيدات الرواية والحكاية، منذ العنوان تضع الروائية قارئها امام فعل البوح والغزل فيتقن الانصات لحكاياتهنّ ويتعرف على المعجم المرادف لعملية الغزل من «المغزل» الى «القرقاف» الى «كباب اللون» «خيوط غزل تنتشر في كل مكان،تتدلى كعراجين الرطب من حديد الشبابيك، تتساقط كعراجين نخيل، لكن الوانها المختلفة تعاند سجنها وحصارها، فيعانق الاسود الالاهي ابيض الانبياء ويلتفّ على احمر حبّ الاضاحي المقدسة فيلامس اخضر المراعي اصفر السنابل» (ص8) و«الابر» وكل ما يتعلق بعملية تحويل الصوف الى ايقونات ابداعية تصنعها النسوة بمهارة وشغف.
«الحديث والمغزل» رواية مسكونة بالشجن، رواية تغوص في خبايا النساء وتقترب من قصصهنّ، رواية كتبت باسلوب سلس وبسيط يختلف حسب درجة وعي الشخصية المتحدثة، كتبت باكثر من لسان فطريقة حكي «زهوة» (غير المتعلمة) تختلف عن «شهد» و»سلافة» (متعلمات حاصلات على شهائد جامعية)، رواية تبحر في عالم النساء بين الخوف والفرحة، بين الشغف والمنع بين الممنوع والمسموح تحدث النساء لينساب النص جميل يشرك القارئ في طرح العديد من المواضيع الاجتماعية والمجتمعية وكذلك السياسية، فالحديث ذو شجون اتقنته جيدا وسيلة الزراعي.
في روايتها تتفرع الشخصيات والامكنة والازمنة، هناك شخصيات حاضرة في الفعل هي من تمارس السرد وهنّ زهوة وسلافة وشهد اما بقية الشخصيات فتحضرن كلما اقتضى السرد ذلك على غرار العيفة والعزوزة وخالتي زينة يحضرن في بوح زهوة، وناظم العراقي حبيب سلافة و سليمان رفيق شهد فالشخصيات جميعها اساسية تصنع الاحداث والزمن يتراوح بين الحاضر والماضي فالحاضر وقت الحكي والماضي هو استرجاع للاحداث التي اثرت في الشخصية الحالية وكل الاحاديث تنطلق من مكان واحد ورشة التطريز، فوحدة المكان هي الجامع بين الشخصيات وقصصها.
الكتابة بوح
تعتمد الكاتبة على تقنية الاستحضار في اغلب مقاطع الرواية، تترك مهمة السرد للشخصيات الرئيسية الثلاث لتتحدثن ومن خلال حديثهنّ يتعرف القارئ على بقية الشخصيات، في روايتها اختارت شخصيات ذات مستوى ثقافي مختلف وبيئة اجتماعية جد متباينة لتكون عينة عن اختلاف المجتمع التونسي، لكن ثلاثتهن يشتركن في الوجع والحلم المجهض.
الشخصية الاولى «زهوة» امرأة ريفية بسيطة، ولدت من رحم الارض واحبتها، طفلة مدللة، تحب ركوب الخيل ومطاردة عصافير الربيع تجهض كل أحلامها فجأة بسبب «الدم» «إنني اغزل الايام، انسجها نجمات، شمس تغيب كلّ ما مرت من تحت هذا السقف، بين هذه الحيطان، في بيتي الذي اتوق فيه للقمة دون شتيمة، لغفوة لا استفيق منها على صراخ، لفراش بلا جسد متوحش يشاركني، وتمتد منه يد تحفر بطني وظهري، جسد يمطتيني كمهرة لا تخيّر بين الذبح والطاعة».
هو «الدم» الذي سرق طفولة زهوة، دم الحيض «كلما اقترب مني شممت رائحة الدم، الدم سيعود في الشهر القادم، نسميه طريق الشهر وهو ما يجعل منك صبية» ثم دم «التصفيح «وما ان سكتت حتى احسست بسكين بارد ينخر ركبتي، فكانت كلما وضعت زبيبة بللتها بدمي ركبتي السائل» فدم الزواج «ورايتها تاخذ سوريتي الداخلية الملطخة بالدم الوردي، تقبلها بين يديها» كما تتحدث زهوة، فالدماء سرقت طفولتها وصباها وكهولتها وجعلتها هيكل امرأة وجسد خاو يعيش ايامه دون هدف او حلم، اسم الشخصية لا يتماهى مع حياتها فهي بعيدة عن الزهو والفرح وربما اختارت الكاتبة ذلك لتقد البون الشديد الذي تعيشه الكثير من النساء بين المسموح والممنوع.
هذا الممنوع هو «مايليقش بينا» هو الآخر حدّ من حرية «شهد» الشخصية الثانية، شهد ابنة البحار الطفلة المولعة بالسمك والبحر والتي ترافق والدها دوما في كل تحركاته داخل البحر «كنت على المركب اركض وارقص، دون تعب، وكيف ساتعب وقلبي مفتوح على الايام، ثمّ حصل وكبرت، كبرت بالقدر الذي ماعاد ابي يسمح لي بالذهاب على المركب، امي كانت تقول ان هذا «لا يليق» وجدتي تقول «مايخرجش علينا» وأبي يقول «كفى هراء انت كبرت» لتزوّج من شخص «يليق»،»ان اقول لهنّ ان كل ما حصل انني كبرت وجاء لخطبتي شخص يليق وان اشرح لهنّ انه لم يكن مهما ان اعرف بمن كان يليق. او بما كان يليق»، لتدخل شهد في دوامة الزواج وروتين اليومي وتظل مسكونة بجرح تزويجها لتبوح بهذا الوجع في الورشة وهي تلاعب الخيط والمغزل.
يتداخل الذاتي بالموضوعي، يختلط وجع الشخصية بوجع كاتبتها، على لسان «سلافة» تعود وسيلة الزراعي بالذاكرة الى الغزو العراقي والم الذل والهوان الذي شعر به الكثيرون حين دخل المارينز الى بغداد واحرقوا المتاحف « شاهدت الرعاع يخربون متحف بغداد، رايت همجا يكسرون الالواح الطينية السومرية والاكادية والاشاورية، همج يدمرون تمثال عشتار وتمثال «آل»، شاهدتهم ينهبون ويدمرون ويحرقون المكتبة الوطنية»، اختارت الكاتبة شخصية واعية ومثقفة لتتحدث عن وجع العراق والم سكانها، اختارت سلافة الحديث بلسان حبيبها «ناظم» العراقي الطفل الذي جاء الى تونس «لم يكن ناظم سوى طفل عراقي جاء الى هنا للتداوي على نفقة الاتحاد العام التونسي للشغل، جاء مصابا برصاصة جندي مصري شاركت مصره في تدمير اول الامصار العربية» وعلى لسانه تنقل الصور المرعبة للجثث في البصر وتغير لون دجلة الى اللون الاحمر لكثرة الدماء وكان الكاتبة على لسان شخصيتها تذكر بالعراق المحكوم بالموت والدم، وكانها تذكر قرائها بما حدث لارض الفن والكتابة والتاريخ.
تختلف الشخصيات في البيئة والثقافة لكنها تشترك في حب التطريز والمكان «غرفة ضوؤها قليل، تهاجم اغصان الياسمينة نافذتها الشرقية، غرفة ينتهي حائطها الشمالي بباب مغلق، باب واقف نسيته رزنامة الزمن» وتشتركن في وجع الحب وقسوة المجتمع والحرب، في روايتها تصبح الكاتبة كما الطبيبة النفسية تنصت لشخصايتها وهنّ يحكين ما يسكنهنّ، تترك لهن كامل المساحة ليتحدثن بحرية كل حسب قدرتها على التعبير، تعبر الشخصيات بالفصحى والدارجة وبعد ساعات الانصات الكثيرة تقرر الكاتبة كسر كل رموز الظلمة فبعد التنفيس بالحديث تقرر كل واحدة ان تختار طريق السعادة، سعادة زهوة في نجاح ابنتها في الدراسة والحرص على تعليمها وسعادة شهد في اعادة تجربة الحب والدخول في مغامرة جديدة بعد فشل الزواج الاول اما سلافة فتقرر ان تحبّ وتترك لقلبها حرية النبض بعد ان كتمت مشاعره لاعوام طويلة ويقررن ايضا كسر الباب الموصد ليشرّع على الامل والفرح «حتى من الخطيفة فرحت».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115